سَبَبان وراء إمتناع “الحزب” و”التيّار” عن تأمين النصاب…
ساعات قليلة وتنتهي المُهلة الدستورية لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتُطلّ مرحلة الفراغ برأسها من الباب العريض، وذلك بعد خمس جلسات عقيمة، أربع منها لم يكتمل النصاب لإنعقادها. فما هي الإنطباعات التي تكوّنت مع نهاية هذه المهلة الدستوريّة؟
أوّلاً: كما توقّعنا في العديد من المقالات السابقة، سقطت كل النظريّات التي تحدّثت عن ضغوط إقليميّة ودَوليّة لفرض إجراء الإنتخابات الرئاسية اللبنانية ضمن موعدها الدستوري، منعاً لحال الفراغ غير المرغوبة من قبل الجهات الدَولية النافذة، كما سقطت كل النظريّات التي تحدّثت عن إتفاق ضمني بين “التيار الوطني الحرّ” و”تيّار المستقبل” لتقاسم السلطة، عبر وصول العماد ميشال عون إلى منصب رئاسة الجمهورية وعودة النائب سعد الحريري إلى منصب رئاسة الحكومة.
ثانياً: ليس صحيحاً ما أشيع عن حصول العماد عون على تأييد 65 نائباً، لأنّ هذا العدد كاف للفوز بمنصب الرئاسة إعتباراً من الدورة الثانية، في حال كان نصاب الجلسة قانونياً. والحديث عن رفض “الجنرال” مُنافسة مرشّح قوى “14 آذار” سمير جعجع، وسعيه إلى الحصول على صيغة التوافقي مسبقاً هو نوع من ذرّ الرماد في العيون. فمجرّد ترشّح رئيس حزب “القوات اللبنانية” وخوضه المعركة الإنتخابية في ظلّ حملة تحدٍّ إعلاميّة من الحزب المذكور، كفل لمنافسيه جميعاً، تأمين نصاب الجلسة، وهو ما كان ليخدم العماد عون بشكل مباشر، لو كان فعلاً يحظى بتأييد الأغلبية المُطلقة من نوّاب المجلس. كما أنّ السعي لكسب صفة التوافقي مُسبقاً غير ضروريّة، وتجربة الرئيس الشهيد بشير الجميل خير دليل على ذلك. فهو كان يُمثّل عند ترشّحه غداة الإجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، أقصى مرشّح تحدّي يمكن إيجاده على الأراضي اللبنانيّة، لكنّه سرعان ما مدّ يده للأطراف جميعها محاولاً لعب دور الوفاقي بمجرّد إنتخابه رئيساً.
ثالثاً: إنّ السبب الحقيقي لقيام كل من “حزب الله” و”التيار الوطني الحرّ” بعدم تأمين نصاب جلسات الإنتخاب إعتباراً من الدورة الثانية، ينقسم إلى جزءين: الأوّل يتمثّل بعدم ثقة “الجنرال” بكسب تأييد 65 نائباً، ما سيجعله يُواجه “الحكيم” في منافسة قد تنتهي بعجز الإثنين عن الوصول إلى الرئاسة، ما قد يحرق أوراق كلاهما نهائياً. والجزء الثاني والأهمّ يتمثّل في خوف “الحزب” و”التيار” من تركيبة إقليمية-دوليّة قد يتمّ تمريرها في حال تأمين النصاب، وذلك ضمن إتفاق سرّي محتمل بين قوى “14 آذار” ورئيس “الحزب التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط، تقضي بإيصال شخصيّة شبه وسطيّة، من دون التنسيق مع قوى “8 آذار” و”التيار”.
رابعاً: أمّا وقد صار الفراغ حقيقة ملموسة في موقع الرئاسة، إعتباراً من منتصف ليل السبت-الأحد، فإنّ هذه الحال لن تكون قصيرة، كما يظنّ الكثيرون. فإنتخاب رئيس بات يتطلّب تغييراً في المُعطيات القائمة حالياً، والتي حالت دون إتمام الإستحقاق في موعده. وأيّ ضغوط إقليمية ودولية محتملة، سترتبط مباشرة بالإستحقاقات المتعدّدة التي تنتظرها منطقة الشرق الأوسط ككل، ما يعني التشابك بين العديد من الملفّات الشائكة، وزيادة صعوبة حلّها، وكذلك طول الفترة الزمنيّة المطلوبة لتحقيق ذلك. والطريق الثاني المحتمل لإنتخاب رئيس، يمرّ بتبدّل التفاهمات الداخلية، وبإنسحاب “الأقطاب” من المنافسة، أكان بشكل مُعلن أم غير مُعلن، للإتفاق على مرشّح من ضمن الخيارات الوسطيّة الكثيرة. وحتى اليوم لا يوجد أيّ توجّه في هذا الصدد، بل العكس هو صحيح، حيث ستبرز سريعاً مشكلة حق مجلس النوّاب في التشريع في ظلّ حال الفراغ بالرئاسة، ومشكلة فوات أوان تبديل قانون الإنتخابات النيابية السابق بالتزامن مع إقتراب موعد إنتهاء فترة التمديد للمجلس الحالي، ومشكلة التباين إزاء مسألة حجم السلطات التي تنتقل إلى الحكومة مجتمعة، وإحتمال إستقالة عدد من الوزراء لرفع مستوى الضغط…
ناجي س. البستاني – موقع النشرة الاخباري