سيناريو تفكيك «حزب الله»
صحيفة الديار اللبنانية:
يسأل ديفيد ماكوفسكي، الباحث في معهد واشنطن لشؤون الشرق الادنى، ما اذا كانت ادارة باراك اوباما تعتقد ان باستطاعتها تفكيك «حزب الله» بالقفازات الحريرية. حتما يتفق مع زميله دنيس روس الذي لطالما فاخر عندما كان في وزارة الخارجية بأن نجمة داود التي على مكتبه هي من صنع ابنه، في ان تفكيك ترسانة الحزب اكثر حساسية من احتواء البرنامج النووي الايراني ومن تدمير الترسانة الكيميائية السورية..
ماكوفسكي هو نفسه الذي دعا في وقت سابق الى استخدام الطائرات من دون طيار لضرب مواقع الحزب في سوريا مرورا بمواقع «داعش» و» جبهة النصرة» اللتين في نظره تشكلان خطراً تكتيكياً وليس خطرا استراتيجياً، كما هي حال « حزب الله» الذي سبق لريتشارد ارميتاج، وكان نائبا لوزير الخارجية كولن باول، ان وصفه بأنه فريق الارهاب الاساسي، فيما تنظيم القاعدة الذي كان قد ضرب للتو ابراج الامبراطورية في نيويورك، هو فريق الارهاب الاحتياطي..
سكت ديفيد هيل طويلا حتى اثار ارتياب الاصدقاء، ثم تفوه بما تفوه به حول مواجهة انشطة ايران الارهابية ووكيلها في لبنان «حزب الله». لم يأت على ذكر الجماعات الاصولية التي تنتشر في الاصقاع اللبنانية والتي لم ترفع صوتها يوما في وجه اسرائيل، بل ان هاجسها الايديولوجي الآن هو تصفية الآخر، ولو كان هذا الآخر على شكل عامل تنظيفات في مدينة لطالما كانت مثالا للورع، فإذا بهم ينشرون فيها ثقافة الكوليرا.
حقا لم نكن نتصور ان البربرية فينا قد بلغت هذا الحد. البربرية اياها التي ظهرت في تفجير المسجدين. ولكن اي منطق، اخلاقي او ديني، يقول بالثأر، الثأر الهمجي الذي لا يثير احتجاج اصحاب العمائم واللحى من تلك «البروليتاريا الرثة» لمجرد انتمائها الى مذهب من يشتبه بهم في التنفيذ؟
مرة اخرى و اخرى قد لا نتفق مع «حزب الله» في مسائل كثيرة، لكن مقاتليه هم من دحروا الاحتلال وغسلوا، بدمائهم، تلك الارض المقدسة لتعود الى بهائها والى اهلها، وهم الذين ارغموا الجنود الاسرائيليين على البكاء جزعاً، في حين عجزت الجيوش العربية الغراء، ومعها الديبلوماسية العربية الغراء، عن تحرير شبر واحد من الارض المحتلة. على العكس من ذلك، امام عيون العرب وقاذفاتهم وصواريخهم ودباباتهم وثرواتهم التي هي اكثر من ان تكون خيالية، يقضم بنيامين نتنياهو ما تبقى من فلسطين، قطعة قطعة، ومنزلاً منزلاً، وخيمة خيمة.
وكان مظفر النواب يسخر من غيبوبة العرب ويقول ان عنترة بن شداد بات يشتري ملابسه الداخلية من كوكوشانيل، فيما حاول نزار قباني ومنذ الطفولة ان يرسم بلاداً» تسمى- مجازاً- بلاد العرب»، وتسامحه ان كسر زجاج القمر…
الآن» حزب الله» داخل الدائرة الحمراء. مرة اخرى تتقاطع دول عربية، وبعضها مرغم على ذلك، استخباراتياً واستراتيجياً مع اسرائيل من اجل ازالة الحزب. ثمة استنفار هائل داخل اللوبي اليهودي الذي يقف، في هذه الحال، جنباً الى جنب مع اللوبي العربي، ودون ان يكون كلام ديفيد هيل كافيا. ماكوفسكي يدعو اوباما الى تهديد ايران بأنه لن يمضي في مفاوضات الاتفاق النهائي اذا لم «تتبرأ» من «حزب الله» وتتركه يتحلل على غرار ما تحللت منظمة التحرير الفلسطينية..
الباحث الاميركي لا يقتنع بتلك الحجة التي حاول بعض مستشاري الادارة تسويقها من ان سوريا ستكون محرقة «حزب الله» كما كل التنظيمات الارهابية الاخرى، ويعتبر ان مشاركة الحزب في القتال ستعطيه خبرة ميدانية لا حدود لها، وبالتالي سيزداد قوة على الصعيد العسكري مع توظيف ذلك سياسيا ليس فقط على المسرح اللبناني وانما ايضا على المسرح الشرق اوسطي..
ولكن هل سأل اولئك العرب ما اذا كان نتنياهو، وبذلك الارث الايديولوجي الفظ، يرمي الى تقويض «حزب الله» ام تقويض لبنان الذي اذ وصفه هنري كيسنجر بالفائض الجغرافي بادر ارييل شارون الى وصفه بالخطأ التاريخي؟
ليس ضناً بـ «حزب الله» بل ضناً لبنان لان ما يتردد وراء الضوء حول السيناريوات التي توضع على الطاولة، وهي السيناريوات القاتلة، لا يترك مجالا للشك في ان اصحاب العيون العرجاء، والادمغة العرجاء، الذين لم يدركوا حتى الآن ان ثقافة الثأر هي ثقافة الانتحار، متورطون في تلك اللعبة التي تفضي الى نقل النموذج السوري، وبكل اهواله، الى لبنان من خلال الدفع اكثر فأكثر باتجاه التصدع السياسي والتصدع المذهبي…
ان ناعوم تشومسكي هو من استنبط مصطلح» ايديولوجيا الغباء» التي قد لا تفترق كثيرا عن» ايديولوجيا الغيبوبة»، فالذي يبدو من السياق الكلاسيكي للاحداث، ان الاتفاق الايراني- الاميركي الذي ابرم، وبتلك الاحتفالية اللافتة، وبالرغم من كل العثرات التي تواجهه، هو حصيلة رؤية استراتيجية بعيدة المدى، فالمنطقة مقبلة على تطورات بالغة الحساسية، والاميركيون لم يعودوا ينظرون الى التنظيمات الراديكالية على انها هي التي تهدد مصالحهم، بل ان باحثين كباراً يلقون بالظلال على الانظمة التي تنتج، بفعل تلك التعبئة الايديولوجية الرثة، التنظيمات إياها، وبالتالي لا بد من «هزة استراتيجية» كبرى تفضي الى تسويق ثقافة اخرى بعدما اثبتت ثقافة الكهوف التي وقفت الولايات المتحدة وراءها، انها لا تحاصر الشرق الاوسط فحسب وانما ايضا الشرق الاقصى الذي يصفه بول كروغمان بأنه مسرح العمالقة في ما تبقى من القرن..
الآن غرفة تجارة اميركية-ايرانية، وغداً ماذا؟ ثمة ديناميكية اخرى ستتبلور يوما بعد يوم، فيما يقهقه ذلك الشيخ السلفي الذي باتت حتى عظامه مرصعة بالذهب وهو يقول «سنغرق «حزب الله» باللاجئين السوريين و…الفلسطينيين»، كما لو ان لبنان ليس الذي يغرق. من فضلكم عودوا الى تشومسكي: ايديولوجيا الغباء!