سيادة في مهبّ بيغاسوس..
موقع العهد الإخباري-
ليلى عماشا:
حتى الساعة، لم تنبس بنتُ شفة رسمية لبنانية حول فضيحة التجسّس السّعودي الإماراتي على سياسيين وصحافيين لبنانيين، ولم نر أحدًا من أعضاء فرقة السيادة الفولكلورية يخرج إلى الإعلام ولو في حركة استعراضية اعتراضية على الإنتهاك الصريح الذي قام به بن سلمان مع الإمارات وعبر شركة “إسرائيلية” ليستبيح هواتف خصومه وأصدقائه على حدّ سواء.
الفضيحة والتي عُرفت بفضيحة بيغاسوس والتي كشفتها منذ أيام صحيفة لوموند الفرنسية تحوّلت إلى وسم أول على منصات التواصل (#أمراء_التجسس) وإلى حديث اتخذ بعدًا ساخرًا بين الناشطين لا سيّما في ما يتعلّق بالكشف عن كون بعض المستهدفين هم فعليًا ممّن يتنافسون عادة في إظهار الولاء الإنبطاحي للسعودية ويتهافتون إلى مسح بلاطها بنسيج من كراماتهم..
أما النوع الآخر من المستهدفين فهم المصنّفون في خانة أعداء السعودية أو خصومها أو على الأقل ممّن لا يأبهون برضا بن سلمان من عدمه كرئيس الجمهورية الجنرال ميشال عون أو رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أو كجريدة الأخبار وقناة الميادين، وقد يبدو مفهومًا في حقل العمل الإستخباراتي أن تقوم دولة أو مجموعة دول متحالفة بالتجسس على سياسيين وصحافيين في دولة يكنّون لها العداء أو ثمة خلاف بينها وبينهم.. ولا يعني ذلك أن الأمر لا يُعد انتهاكًا لسيادة الدولة المستهدفة واستباحة خطيرة لأمنها واستقرارها وتهديد حقيقيّ للشخصيات التي تمّ التجسّس عليها.
إلّا أن اللافت هو الصمت اللبنانيّ المذهل من جانب الذين اعتادوا العويل الغاضب على السيادة إذا أقامت سفارة سوريا في لبنان مأدبة غداء تحدّث خلالها المدعوون أثناء التحلية عن إحدى الأزمات اللبنانية، أو إذا زار السفير الإيراني بيتًا لبنانيًا وتناول في معرض الأحاديث شأنًا مرتبطًا بالعلاقة بين لبنان والجمهورية الإسلامية.. هؤلاء المصابون بحَول في مفهومهم للسيادة والذين وقفوا صفًا منحنيًا أمام خيمة البخاري للإذلال قبل أسابيع ليتلقوا جرعتهم المعتادة من “قلّة القيمة” و”البهدلة” المدفوعة سلفًا وبسعر زهيد.. لم يتجرأ منهم أحدٌ على التعليق سلبًا على الفضيحة، وتظاهروا بأنّهم لم يسمعوا بها أصلًا. أمّا الذي أثار سخرية الجميع هو الفئة المستهدفة بالتجسس والتي يُعدّ أفرادها من أصدقاء السعودية.. فإن كان من الطبيعي أن لا يثق بهم المشغّل كأدوات فلم يخطر ببال أحد أن تبلغ لاثقته بهم حد التجسس على هواتفهم وأن يضعهم يوم الفضيحة في موقف محرج إلى هذه الدرجة أمام خصومهم المحليين بحيث كشفت الفضيحة أنّ السعودي لم يعوّل عليهم وربما يتجسس عليهم لأسباب أمنية بحيث يسهّل عليه التجسّس التعرض لأمنهم وحياتهم، بغية إشعال فتنة مثلًا، أو يتيح له “ممسكًا” عليهم يجعلهم يتفانون أكثر في خدمته..
بصراحة، لا يستطيع أحد أن يحسم ما الذي يريده بن سلمان من التجسس على أصدقاء بلده، فالرجل المعروف بالدبّ الداشر والذي سبق وقتل مواطنه الصحافي جمال خاشقجي في سفارة بلاده، تقطيعًا، واختطف أقربائه ومعهم رئيس حكومة لبنان آنذاك سعد الحريري، هو شخصية غير متوازنة وميّالة إلى التوحّش. وهذا التوصيف ليس توصيفًا سياسيًا أبدًا، بل هو الترجمة الفعلية لما يخطر ببال أي شخص يراقب حركة وخطابات بن سلمان، غريب الأطوار.
فضحت “لوموند” الفرنسية المستور أو ما أُريد له أن يبقى طيّ الكتمان، والأمر يتعدّى التنصّت غير المشروع وانتهاك السيادة ليشكّل تهديدًا أمنيًا حقيقيًا للمستهدفين بشكل خاص وللبلد بشكل عام، ولا يغيّر في خطورة الأمر التجاهل الرسمي والسياديّ للمسألة من عدمه.
وبالطبع لا داعي للوقوف عند التعاون الإستخباراتي السعودي الإماراتي الصهيوني ضد لبنان فهو مسألة واضحة وعتيقة ولا تحتاج لفضيحة كي تكشفها..
فضيحة “بيغاسوس” أكدت التعاون الأمني المعروف بين النظامين السعودي والإماراتي والكيان الصهيوني، وينبغي أن تأخذ حجمها الفعلي في سلّم التهديدات الأمنية والانتهاكات الصارخة لسيادة لبنان، حتى ولو تعامل معها “السياديون” الكاذبون وكأنّها برنامج إرشاد ومراقبة عائلي يتيح للأهل الإطمئنان على حركة أولادهم..
هذه الفضيحة كشفت عن عمل عدواني فعليّ، قام به مرتكبون معروفون ضدّ مستهدفين معروفين، ولا ينبغي أن يمرّ اعتداء كهذا مرور الكرام، وإن ارتضى بعض المستهدفين السمّ السعودي الإماراتي الصهيوني ورأوا فيه شهدًا أو ترياقًا..