سورية والسوريون والربع الساعة الأخير للانفراج وبناء الوطن
جريدة البناء اللبنانية-
د. حسن مرهج:
عود على بدء… يبدو واضحاً أنّ متابعي الشأن السوري بيومياته، باتوا يدركون بأنّ الدولة السورية قد تجاوزت وجيشها، أبعاد الحرب الدولية المفروضة عليهم، وفي جانب آخر، فإنّ ما تمّ التخطيط له للدولة السورية، في أقبية أجهزة المخابرات الإقليمية منها والدولية، كان كفيلاً بإنهاء أيّ دولة في العالم، فحين تجتمع أكثر من 80 دولة على رأسها الولايات المتحدة، لإسقاط النظام السياسي في دمشق، ويفشلون في ذلك، ندرك بأنّ سورية أُريدَ لها أن تصبح دولة تابعة وخاضعة للسياسات الأميركية…
أكثر من ذلك، فقد أردات واشنطن وأدواتها في المنطقة، إخراج سورية من أيّ دور إقليمي مؤثر، كلّ هذا خدمة للرجعية العربية و»إسرائيل»، لكن ما خططت له واشنطن عسكرياً باء بالفشل، وتمكنت سورية عبر قائدها وجيشها وشعبها من التصدي لأعتى المؤامرات الكونية، وهنا لا ننكر إطلاقاً، مساندة حلفاء سورية والوقوف إلى جانبها سياسياً وعسكرياً، لكن معادلة الصمود الأولى كانت من تخطيط سورية قائداً وجيشاً وشعباً.
وقد ترافق ذلك مع حرب إعلامية كانت تُريد قلب الحقائق، فالواقع السوري فرض على الكثيرين التعاطي بطريقة يُراد منها، تشويه صورة الدولة السورية، لكن التصدي لكلّ هذه المؤامرات، مكّن سورية من الخروج بانتصار سياسي وعسكري قلّ نظيره في التاريخ الحديث.
لا شكّ بأنّ تداعيات الحرب على سورية وأبعادها، لم تنته، فلا تزال واشنطن تُحيك الخطط والمؤامرات ضدّ سورية ومحورها المقاوم. فبعد ما يُمكن تسميته بالانكسار الأميركي في سورية، وتغيير الاستراتيجيات بأبعادها الإقليمية والدولية تجاه سورية، برزت إلى السطح مؤثرات كثيرة، ومؤطرة بخطط جديدة. كلّ ذلك يأتي كنتيجة منطقية وطبيعة لدولة عانت إثني عشر عاماً من حرب على الأصعدة كافة، لكن أن تأتي هذه المؤثرات عبر عقوبات أميركية وبقوانين أممية، تكون النتائج مضاعفة في تداعياتها على سورية وشعبها، فالحرب العسكرية انتهت، لكن بدأت بانتهائها حرب اقتصادية على الشعب السوري أولاً، بُغية إجباره على الانقلاب ضدّ حكومته، وهذه في أساسها خطة أميركية الهدف منها إفراغ النصر السوري من محتواه السياسي والعسكري، من أجل الانقلاب مجدّداً على تداعيات فشل الاستراتيجيات الأميركية في سورية، ومن المفيد أن نذكر بأنّ قانون قيصر الذي أرادات به واشنطن، استمرار العقوبات الاقتصادية على سورية وأيّ دولة حليفة لها، وهذا بطبيعة الحال يأتي في سياق ما فُرض على سورية، حيث أنّ هذه العقوبات ستكون وبحسب الاعتقاد الأميركي، هي سبب مباشر في تأليب الشعب السوري على حكومته وجيشه، واللعب مجدداً على الوتر الطائفي، وتصوير الوضع السوري بأنه كان بسبب بعض المتنفذين الذين تربطهم علاقة مباشرة بالرئيس الأسد، وهذا في واقعه يجافي الحقائق، لأنّ المتابع للشأن السوري وما تمّ اتخاذه من إجراءات، يدرك بأنّ الرئيس السوري بشار الأسد في أولى أولوياته محاربة الفساد، وترجمة الانتصار السياسي والعسكري واقعاً تنعكس آثاره الإيجابية على الشعب السوري، فالتسويق لصورة مغايرة عن الواقع السوري، هي بغية إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
الجدير بالذكر، أنّ واشنطن سعت عبر روسيا للتواصل مع دمشق بُغية إخراج الإيرانيين من سورية، وهذا ما يمكن أن يُفهم بأنه مطلب أميركي واضح، بمعنى أنه إذا لم يتمّ تنفيذ الطلب الأميركي، فإنّ العقوبات الاقتصادية وتشديد الحصار على الشعب السوري سيستمرّ، وهذا حقيقة ما حصل. فقد رفضت دمشق الطلب الأميركي وعليه تمّ إقرار حُزمة جديدة من العقوبات على سورية، وبالتالي فإنّ تصدير الأزمات إلى سورية، وإيقاف البواخر النفطية وغيرها والموجهة إلى سورية، بات يندرج ضمن إرهاب اقتصادي أميركي، فبعد فشل واشنطن بإنهاك الدولة السورية قيادة وجيشاً وشعباً، لجأت واشنطن إلى الحرب الاقتصادية، لكن من استطاع أن يصمد خلال 12 سنة، لن ترهقه العقوبات الاقتصادية.
صحيح أنّ هناك الكثير من تداعيات الحرب على سورية، والتي انعكست بشكل مباشر على الشعب السوري اقتصادياً، لكن الصحيح أيضاً بأنّ جُملة الإجراءات التي يتمّ اتخاذها مؤخراً، كفيلة بتقويض أيّ مسعى أميركي لتفجير الوضع الداخلي في سورية، من أجل التأجيج والتحريض ضدّ القيادة السورية، وهذه حرب اقتصادية معلنة من قبل واشنطن، فبعد عودة العرب إلى دمشق، والحديث عن عودة العلاقات السورية مع مصر وتركيا، والرغبات السعودية بإعادة التقارب مع دمشق، والحديث عن مشاريع إماراتية اقتصادية في سورية، كفيلة بجعل الدولة السورية في مصاف الدول المتقدّمة، جاءت العقوبات الأميركية في سياق قطع الطريق على ايّ أمر فيه الخير لسورية، لكن من صمد خلال سنوات الحرب، وانتصر في حرب إرهابية كبرى، قادر على مواجهة أي عقوبات اقتصادية، وهنا لا بدّ من التذكير بأنّ النظام الاقتصادي العالمي، غير مرتبط بواشنطن وعملتها، فالصين وروسيا وإيران وحدهم يملكون اقتصادات يمكنها مواجهة أيّ عقوبات على سورية، وهم بطبيعة الحال حلفاء دمشق وشركاء في النصر، وبذلك ستشكل هذه الدول منظومة اقتصادية كفيلة بالحدّ من حجم العقوبات على سورية.
في جانب آخر، ندرك بأنّ الشعب السوري عانى من إرهاب لا مثيل له، ومن حقه أن يطالب حكومته بثمار صبره وصموده، لكن أن يتمّ تأجيج هذه المطالب بطرق أميركية مدروسة، وإخراجها من صيغتها الأساسية، فهذا من شأنه أن يؤدّي إلى نتائج كارثية، وما يتمّ التسويق له عبر وسائل التواصل الاجتماعي من مثقفين سوريين ونخب إعلامية وفنية واجتماعية في سورية، كفيل بإبعاد هذه المطالب المحقة عن هدفها الأساسي، فـ سورية قادرة على تجاوز أيّ محنة تمرّ بها، وهذا واقع تمّ فرضه خلال سنوات الحرب عليها، وبالتالي ستكون الأيام المقبلة وبمساعدة حلفاء سورية، تتويجاً لنصر سياسي وعسكري واقتصادي. وهذا بات قريبا جداً.
بالتالي، لا بدّ من القول صراحة، بأنّ واشنطن مهندسة قانون تجويع السوريين وأطفالهم، هي من تقوم بالاستيلاء على مقدّرات وأموال السوريين وثرواتهم، فضلاً عن أنّ واشنطن وشركاءها سواء الإقليمين أو الدوليين، هم من يضعون الشعب السوري في بوتقة الصهر الاقتصادية، ويقومون بذات التوقيت بتحريض السوريين ضدّ حكومتهم، على اعتبار أنها صاحبة تلك الأزمات، لكن ثمة حقائق لا يمكن إنكارها، تتعلق بطبيعة وماهية الخطة الأميركية ضدّ سورية قيادة ودولة، وضدّ السوريين على اعتبار أنهم إلى جانب قيادتهم، لكن واشنطن لا تدرك بأنّ الشعب السوري بات على دراية كاملة بالمخطط الأميركي، وهم ينظرون بعين الأمل إلى الرئيس السوري بشار الأسد، وهم على قناعة تامة بأنّ الانفراجات آتية لا محالة.
في المحصّلة، قد يتساءل البعض عن معاني الانتصار التي حُققت في سورية، في ظلّ تردّي الأوضاع بالمستويات كافة. لهؤلاء نقول، بأنّ الدولة السورية لا تزال قادرة وبعد سنوات الحرب على تأمين مقومات الحياة للسوريين، ولا تزال المؤسسات الحكومية في سورية، تقوم بأعمالها على أكمل وجه، والأهمّ أنّ الدولة في سورية، لا تزال تعمل وفق استراتيجية تتضمّن الوصول بالسوريين إلى برّ الأمان، وهنا لا ننكر إطلاقاً الأزمات التي تطال السوريين، لكن في المقابل يكفي أن نقول، بأنّ من يحارب دمشق هي أعتى قوة اقتصادية في العالم، ورغم ذلك، لا تزال دمشق عنواناً للصمود، ولا بدّ أنّ الفرج آت…