سورية بنسقها السياسي الحالي: جسر استراتيجي بين ايران وحزب الله !
صحيفة المنار الصادرة في فلسطين المحتلة عام 1948 ـ
المحامي محمد أحمد الروسان:
هناك حرب معلنة وغير معلنة، تجري في الشرق الأوسط الساخن جدّاً للسيطرة على هذه المنطقة الحيوية، والأطراف الرئيسية المشاركة في هذه الحرب بجانب إيران وتركيا والسعودية، الكثير من الدول الغربية – ومن المحتمل أن تدخل مصر إلى ساحة الصراع في المستقبل، من هنا يجب تفهم الوضع الحساس لإيران التي تقف في وجه تغيير النسق السياسي في سورية وعنوانه الرئيس الدكتور بشّار الأسد، لأنها تعتبر أنه اذا ما سقطت الحكومة السورية فهذا يعني تعاظم في قوة منافسيها في المنطقة. حيث يعتقد الكثيرون أن الجمهورية الإسلامية بدعمها حكومة الرئيس بشار الأسد اتبعت سياسة خاطئة غير منطقية ولاتتوافق مع المصالح الوطنية، وقد خدشت هذه السياسة صورة الجمهورية الإسلامية لدى الرأي العام الدولي وعلى صعيد المنطقة، كما أنها تدفع للاعتقاد بأن الحكومة الإيرانية غير متعاونة على الصعيد الدولي، وأن السياسات الغربية المتبعة تجاه طهران هي سياسات مشروعة وأن ما تراهن عليه خاسر من البداية، كما أن المراهنة عليه كان أمراً بعيداً عن الرؤية السياسية الصحيحة ويجافي العقل و التعقل. أعتقد أنّ الموقف الأيراني الثابت والمصر على دعم النسق السياسي السوري، ينبع من أنّ سورية هي بوّابة ايران للعالمين العربي والأسلامي، بجانب ما تم بناءه من تحالف استراتيجي عميق على خطوط علاقات دمشق – طهران قبل أكثر من أربعين عاماً. ولكن الأدهى من الأسباب والتي تجعل اصرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية على سياساتها اتجاه سورية، مسألة حياة أو موت ؟ تتقولب من أنّ ايران تعتبر في المنطقة كالجزيرة الوحيدة وسط بحر من الجيران غير المتعاونين (كدول مجلس التعاون الخليجي وأذربيجان)، ولا يستسيغ المنافسين تفوق إيران وتمتعها بقوة كبيرة (مثل تركيا والسعودية)، وكذلك التيارات المعادية للشيعة والحركات السلفية والوهابية التي لها جذور في الدول العربية و باكستان وتصل حتى آسيا الوسطى. من هنا فإن الإيديولوجية السياسية التي تتبعها الجمهورية الإسلامية، لا تجيز لها إمكانية الاستفادة من التحالف مع القوى العظمى (كالولايات المتحدة الأمريكية)، وبعض قوى المنطقة الطارئة على كل شيء، التي تتشابه مع موقعها (الكيان الصهيوني البغيض) لكسب نقاط قوة بهدف تحصين موقعها المتفرد بين دول المنطقة. لهذا تعاظم بشكل كبير أهمية الدول المعدودة في المنطقة التي تجمعها مع إيران علاقات جيدة كالعراق وأفغانستان وسورية (والتي من حكم القضاء والقدر تعتبر ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لإيران). بعيداً عن العوامل التي أوجدت هذه الظروف، وبإلقاء نظرة على البنية السياسية والمذهبية لمعارضي الحكومة السورية والدول الداعمة لهم، تظهر مؤشرات تدل على أن انتصار المعارضين على الحكومة السورية الفعلية، وتقاذف السلطة من جهة لأخرى سيترافق مع مرحلة سياسية كاملة تنعدم فيها الرغبة بإقامة علاقات جيدة مع إيران، في حين سيتجه هؤلاء نحو السعودية وسيهيمون عشقاً بالغرب (بالرغم من أن البعض يعتقد أن عدم تدخل الغرب المباشر في الأزمة السورية جعل المعارضين يتذمرون). بعبارة أخرى تغيير النسق السياسي في سورية، يعني إضافة حلقة أخرى إلى سلسلة منافسي إيران في المنطقة وفقدانها حليف استراتيجي قوي. كما تعتبر محطة حزب الله وما يشكله في وجدان الشعب الأيراني وحكومته، سبب استراتيجي آخر في الأصرار الأيراني المسلم على دعم النسق السياسي السوري:- ففي ظروف تعلن فيها إسرائيل باستمرار عن نيتها شن حملة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، كما تصّر الولايات المتحدة على أن كل الاحتمالات مطروحة أمامها بالنسبة للملف النووي الإيراني، فإن وجود حزب الله في لبنان باعتباره قوة عسكرية لا يستهان بها والذي تجمعه علاقات متميزة مع الجمهورية الإسلامية، وبحكم مجاورته للكيان الصهيوني يفتح المجال أمام توجيه ضربات لهذا الكيان ويمكن أن يلعب دور الذراع الإيراني الرادع في وجه هذه التهديدات. وتعتبر سورية أهم جسر يربط إيران بحزب الله وتغيير الحكومة يعني قطع هذا الارتباط لهذا يعتبر موضوع بقاء الحكومة السورية الحالية أمراً حيوياً وهاماً بالنسبة للجمهورية الإسلامية. كذلك تعتبر سورية عمق استراتيجي لأيران، فموضوع توأمة الأزمة السورية والملف النووي الإيراني وتربعهما على سلم أولويات السياسات الغربية، ضيّع فرصة التركيز على أحدهما وفي المحصلة تضاءلت قدرة الغرب على دفع هذه القضايا في مسير رغباته، ويتجلى هذا الأمر في أكثر سيناريو مستبعد وهو شن هجوم عسكري ضد إيران أو سورية. الغرب – كما يدعّي – يضع خيار الحل العسكري بالنسبة للقضية النووية الإيرانية على الطاولة (إلى جانب الخيارات الأخرى)، وبدون حل الأزمة السورية بما يحقق رغباته ستكون قدرته على شن هجوم على إيران ضئيلة، وإذا كان قادراً على التدخل العسكري في سورية سيكون الدعم الإيراني مانعاً جدياً أمام تحقق هذا الأمر، من هنا يتم تعريف كلا البلدين إيران وسورية بأنهما يشكلان عمقا استراتيجيا لبعضهما البعض، الأمر الذي يعزز من علاقاتهما ومن موقفها في مواجهة الغرب. على أي حال تؤكد المعطيات الواقعية على الدعم الإيراني للحكومة السورية، لكن هناك أمر بالغ الحساسية في هذا السياق حيث يتوجب الانتباه إليه جيداً وهو: كيفية ترجمة هذا الدعم وفي المرتبة التالية الأخذ بعين الاعتبار التخطيط للسيناريوهات المحتمل تطبيقها في سورية حتى لو كان احتمال سقوط الحكومة السورية ضئيل. لكن في حال ظهور هكذا احتمال ستجبر إيران على ترك كل الساحات والميادين السياسية في سورية لمنافسيها وهذا الأمر يستلزم تخطيط دقيق واتباع ديناميكية ذكية في السياسة الخارجية. وجدير بالذكر أنه لا أحد من داعمي المعارضين السوريين مهتم بالحرية والديمقراطية ولا تعنيه بشيء الموازين الأخلاقية ولا أرواح وأموال الشعب السوري، بل هناك شيء واحد يوجّه الدول التي تدعم المعارضين في سورية وهو مصالحها ومنافعها حيث يشيرون بوضوح بالغ بأنهم سيستخدمون أي طريقة لتحقيق أهدافهم وتأمين مصالحهم. هناك نقطة أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار وهي الرأي العام، وخاصة الرأي العام في الداخل الإيراني، لأن الوجدان الأخلاقي لعامة الناس هو المستهدف الرئيسي في الحرب النفسية وحرب الدعايات الإعلامية التي تخوضها وسائل الإعلام الأجنبية. وتمثلت إحدى هذه الأساليب بتعزيز قوة الميليشيات المسلحة وإقحامها في عمليات عنفية وتوظيف ردود فعل الجيش العربي السوري على هذه العمليات إعلامياً. في حين تُملي المعايير الإنسانية على تقديم حلول سلمية للأزمة السورية تُنهي إراقة الدماء، والأخير ما يؤكده دائماً مسؤولي الجمهورية الإسلامية الإيرانية.