سوريا.. بوابة روسيا الى لبنان
موقع العهد الإخباري-
سركيس ابوزيد:
في بيروت وفد اقتصادي روسي يحمل معه “رزمة مشاريع” بهدف تعزيز الاستثمار في لبنان. الوفد يضم ممثلين عن شركة مدعومة من الحكومة الروسية وتحظى بغطاء رسمي للعمل على الاراضي اللبنانية، بدليل أن السفير الروسي في بيروت ألكسندر روداكوف حضر اجتماعات الوفد مع الوزراء المعنيين. المشاريع الحيوية التي عرضها الوفد هي: بناء مصفاة محلية لتكرير النفط في الزهراني في مهلة لا تتجاوز الـ9 أشهر، وبناء مصفاة إقليمية في البداوي (طرابلس)، وإنشاء معملي كهرباء، وتوسيع مرفأ طرابلس، وبناء أهراءات للحبوب، وإعادة إعمار مرفأ بيروت وتوسيعه لاستعادة دوره الاقليمي كمدخل الى سوريا ومنها إلى باقي دول المنطقة.
بغض النظر عن ظروف الزيارة التي قّدم فيها “العرض الروسي” في ظل فراغ حكومي (وصراعات سياسية في لبنان تدور في جزء منها حول سياسات ومحاور إقليمية ودولية، روسيا جزء منها) فإن القدوم الروسي الى لبنان مهم في حد ذاته أيًا تكن ظروفه ونتائجه وترجماته العملية، ويعكس قرارًا روسيًا بالدخول إلى لبنان من البوابة الاقتصادية. وهذا ما بدأته موسكو منذ سنتين بفتح مجالها الدبلوماسي للزيارات والاتصالات مع أحزاب وشخصيات تغطي مساحة واسعة من الساحة اللبنانية.
دخل لبنان دائرة اهتمام روسيا منذ انخراطها المباشر في الأزمة السورية وبات يشكل بالنسبة لها ميدانًا اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا حيويًا خاصة في قطاع النفط والغاز (… ما عدا المجال العسكري، حيث إن لبنان لا يبدي تجاوبًا مع العروض الروسية حتى لا يثير حفيظة أميركا ولا يخسر دعمها العسكري القوي للجيش اللبناني).
الاستثمارات الروسية
يمكن إيجاز المشاريع الروسية في لبنان، على الشكل التالي:
1 – عام 2018 وقعت شركة “نوفاتك” الروسية، ضمن تحالف مع شركتي “توتال” الفرنسية و”إيني” الايطالية، عقودا للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقليمية اللبنانية.
2 – مطلع العام 2019 وقعت وزارة الطاقة مع شركة “روسنفت” الروسية عقد تطوير منشآت تخزين النفط في طرابلس. وهذه الشركة مملوكة من الحكومة الروسية بنسبة 51 في المئة. وتتطلع “روسنفت” الى توسيع التعاون مع لبنان وتنفيذ مشاريع في قطاع النفط والغاز، خصوصًا وأن المنطقة التي دخلتها الشركة، أي شمال لبنان، تضم 4 بلوكات نفطية بحرية.
الوجود العسكري الروسي في سوريا زاد من فرص استفادة موسكو من العقد الذي فازت به “روسنفت”، ذلك أن طرابلس تقع على مقربة من مدينة اللاذقية السورية، وهي نقطة لبيع وتصدير النفط الروسي الذي تنتجه شركات روسية في شمال العراق.. ولدى شركة “روسنفت” خطة إعادة تأهيل وإحياء خط أنبوب كركوك وتصدير النفط عبره. ويتم تخزينه في لبنان عبر سوريا ليتم بيعه الى الخارج. وهذا يعني إعادة إعطاء دور للبنان بالترانزيت وعودة الحيوية للمحور العراقي ـ السوري ـ اللبناني في موضوع الانابيب النفطية. وبعد ذلك قد تمتد الى أنابيب الغاز أيضا، وهذا محور جديد للطاقة والغاز (العراق وسوريا ولبنان) في مواجهة “منتدى غاز شرق المتوسط” (الذي يضم مصر وقبرص واليونان و”إسرائيل” وإيطاليا والأردن وفلسطين).
ويبرز احتمال مشاركة الروس في ورشة العمل الضخمة لتطوير البنى التحتية اللبنانية، وأن تشارك شركات روسية في بعض المشاريع التي ستتولاها شركات خاصة. وسوف تسعى شركات روسية لوضع جذور لها في شمال لبنان من أجل المشاركة في إعادة إعمار سوريا، وحيث تتحول المرافق اللبنانية في المناطق الحدودية مع سوريا في شمال وشرق البلاد الى مركز أساسي للشركات التي تسعى للدخول الى السوق السورية للمشاركة في إعادة الاعمار. لكن العملية تبدو معقدة نتيجة العقوبات التي تفرضها أميركا ودول أوروبية على شركات سورية وروسية على حد سواء. ولذلك، فإن المصارف اللبنانية لا تزال متحفظة حيال تبادلاتها المالية مع نظرائها في روسيا.
الرعاية الروسية للبنان
روسيا قد تكون الدولة الكبرى الراعية للبنان في المرحلة القادمة، وتساعدها على ذلك أمور ثلاثة:
– أولها: وجودها في سوريا وكونها صاحبة دور وتأثير فيها.
– ثانيها: التجاور الجغرافي بين لبنان وسوريا والتداخل بين الأطراف اللبنانية التي يقتنع بعضها بضرورة العلاقة معها وهي صاحبة دور ونفوذ في لبنان.
– ثالثها: هو أن الولايات المتحدة تسلّم بدور روسيا في سوريا، وقد تُسلِّم بدور لها في لبنان بعد بروز توجه قوي للانسحاب المباشر من الشرق الأوسط، ولا سيما من سوريا المحاذية للبنان.
يدير بوتين في سوريا لعبة بالغة التعقيد تجعله ممرًا إلزاميًا في أي محاولة لصناعة السلام في هذا البلد. وأظهرت الفترة الأخيرة أن هناك حاجة اقليمية ودولية للخيط الروسي الذي ينظم حدود الحروب ومناطق النفوذ. وبعدما رسخت روسيا أقدامها في سوريا، عسكريًا وأمنيًا، من خلال قواعدها البحرية والجوية والبرية، مما يعطي بوتين من خلال وجوده في سوريا، قاعدة الاستراتيجية ـ السياسية في المنطقة التي تقول إن من يمسك بسوريا قادر تماما على الامساك بلبنان.
لبنان أدى أدوارا مختلفة تجاه سوريا، هو يمثل العمق الاستراتيجي لها، والبعض دأب على تسميته بالحديقة الخلفية. لذلك سادت مصطلحات في مراحل مختلفة كمثل الرئة الاقتصادية لسوريا، أو الخاصرة الامنية لها. من هنا الاهتمام الروسي بملف النازحين السوريين في لبنان، انطلاقا من زاوية نظرة موسكو لدمشق لا لبيروت.
الباحث الروسي غريغوري ميلاميدوف كتب بحثا في “منتدى الشرق الأوسط” (MEF) وهو مؤسسة بحثية أميركية، يشرح فيه الأسباب التي تدفع موسكو لتوسيع نفوذها في لبنان، والخطوات التي تتخذها لتحقيق هذه الغاية.
يُعتبر لبنان، حسب ميلاميدوف، الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي يمكن لموسكو الاعتماد عليها لكونها تضم الكنيسة الارثوذكسية التابعة لبطريركية أنطاكية.
منذ عهد الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين، تم تكليف الدبلوماسيين السوفيات في لبنان وسوريا بإبقاء بطريرك أنطاكية في دائرة نفوذ الكنيسة الارثوذكسية الروسية. وفي عهد بوتين، ازدادت الاتصالات مع المسيحيين الارثوذكس بشكل كبير، وتوسعت موسكو أيضًا إلى التحالف مع الموارنة، أكبر طائفة مسيحية في لبنان.
أحيا بوتين شبكة من المنظمات الدينية والعلمانية، كانت قد لفظت أنفاسها الأخيرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، للضغط من أجل مصالح موسكو في لبنان. ومن هذه المنظمات نذكر الجمعية الإمبراطورية الارثوذكسية الفلسطينية، التي أنشأت ما يقارب مئة مدرسة أرثوذكسية في المنطقة منذ تأسيسها في عام 1872. والتي لا تزال جمعية العائلات الارثوذكسية في بيروت تحافظ على روابط وثيقة معها.
يؤكد ميلاميدوف أن لدى روسيا هدفين رئيسيين في الشرق الاوسط يشملان لبنان: جذب أكبر عدد ممكن من الدول من مجال النفوذ الاميركي إلى جانبها، وتحقيق موقع متميّز في سوق الأسلحة الاقليمي.
“لا يمكن ترك لبنان للانحلال وتهديد كل المنطقة، ولبنان بوابة اقتصادية مهمة وعنصر مهم جدا في الاستقرار وإعادة إعمار سوريا. روسيا ولبنان لديهما مصالح مشتركة، وعلينا أن نؤمّن مصالح دولتنا والدول والشعوب الصديقة، شاء الاميركيون أم أبوا”، هذا ما تقوله مصادر روسية متابعة للملف اللبناني. ومن هنا تأتي الأهمية الإستراتجية للاستثمار الروسي اقتصاديًا وسياسيًا.