“سوريا أخطر من أفغانستان”
موقع العهد الإخباري-
عبير بسّام:
“سوريا أخطر من أفغانستان”، هذا ما صرح به جو بايدن قبيل الانسحاب الأميركي من أفغانستان. تصريح له دلالات كثيرة حول الوجود الأميركي في سوريا ويلمح إلى ما يخطط له الأميركي في المرحلة القادمة.
ومرة ثانية في 26- 8- 2021 وبعد تفجير مطار كابول، هدد الرئيس بايدن الجماعات المسلحة بأنه سوف “يتصيدها”. وكان هذا التعبير الرسمي الذي استخدمه. وهدد بأنّه “سيهاجم أي شخص يتمنى مهاجمة أميركا”، وأن خطر الإرهاب المتمثل بـ”داعش” ما زال موجوداً. هذا ما يتحدث عنه الخبراء الأميركيون على المحطات التلفزيونية ومنها الـ CNN، وخاصة بعد تصريح جو بايدن بأن سوريا أخطر من أفغانستان. مع العلم أن المتحدثين على المحطة لا يعتبرون أن غزو أفغانستان قد أنهى وجود “القاعدة” فيها. ولكن الخطر يزداد اليوم مع “داعش” في سوريا والعراق وارتباطها بـ”داعش” خرسان.
الخطر الأشد على سوريا اليوم يكمن في مقارنة بين مواقف جورج بوش الابن لتبرير غزو العراق وما بين المواقف الأميركية منذ بدء الهجوم الإعلامي لبايدن على سوريا. وعليه فإن التصريحات ما بين الرئيسين تحمل نقاطاً من التوافق بينها. أولاً اتهام العراق بحيازة أسلحة الدمار الشامل من أجل تبرير الهجوم عليه. وبعد هجوم 11 أيلول/ سبتمبر، اتهم العراق بوجود “القاعدة” على أراضيه وأنّه خطر على الديمقراطية الأميركية. كذب قام عليه تدمير العراق واحتلاله. وكذب لا تفتأ أميركا وعملاؤها عن تكراره من أجل تبرير دخولها إلى سوريا منذ العام 2014 مثل: الأسلحة الكيميائية، ومحاربة الإرهاب، وإقامة الديمقراطية. والملفت أن الصحافة الأميركية ما تزال حتى اليوم تنشر قصصا مفبركة حول ارتكاب “النظام السوري”، بحسب تعبيرها، لجرائم ضد الإنسانية. وفي 11 تموز/ يوليو الحالي أجرى سكوت بيللي على الـ CBS مقابلة مع ستيفن راب عضو مجلس النواب الديمقراطي الأميركي وعراب قانون قيصر، ومع السوري الهارب المعروف باسم قيصر، حول امكانية محاسبة الرئيس بشار الأسد على جرائم الحرب في الغوطة، وهي تأتي في إطار التهويل والتهديد.
في العام 2019، نشر مركز “بلفير” للعلوم والعلاقات الدولية، استطلاع مجموعة آراء لقادة سياسيين وعسكريين وخبراء في العلاقات الدولية والسياسية بعد قرار دونالد ترامب الانسحاب من سوريا في العام 2019، واعتبروا أن الانسحاب سيرسل رسالة لحلفائهم في كل مكان في العالم أن أمريكا دولة أنانية لا تهتم بحلفائها، وإنما فقط بمصالحها الشخصية، وأن الانسحاب من سوريا سيقوي “داعش” وبالتالي ستقوم بمهاجمة أمريكا، وأن هذا الانسحاب سيقوي حكومة الأسد ويدعمها ويدعم حلفاءه في إيران وروسيا وحزب الله، وحتى أردوغان أصعب حلفاء أمريكا. وهو انسحاب سيضع الكرد، حلفاءهم، تحت خطر القصف والتعديات التركية، وسيضع حلفاء أمريكا في الناتو في موقف صعب. وسيؤدي الانسحاب الأميركي إلى انتشار “داعش” في أوروبا وبالتالي في أمريكا.
بداية، إعلان تنظيم داعش –خرسان مسؤوليته عن تفجير مطار كابول الانتحاري، عقد الأمور اكثر بالنسبة لبايدن، لناحية التحذيرات التي تلقاها حول الخروج من أفغانستان، وبالتالي فإن تصريح بايدن حول الخطر السوري هو ليس مجرد هروب للأمام، بل هو المحاولة الأخيرة لإثبات أن أميركا بعد عشرين عاماً من الحروب في المنطقة استطاعت انجاز أمر واحد وهو القضاء على الإرهاب. ولهذا فقد قال بايدن: “لسوف نلاحقكم إلى آخر الأرض، وندفّعكم الثمن”. والسؤال إذا ما كان بايدن يعتبر سوريا آخر الأرض أو ملتقى خطوط التجارة العالمية وخاصة خطوط النفط والغاز. وعلينا هنا أن لا ننسى أبداً أسباب الحرب على سوريا: الموقع الإستراتيجي وحماية “اسرائيل” وبالتالي قطع إمدادات المقاومة في لبنان.
الأمر الثاني الذي لا يستطيع بايدن أن يواجه الصحافة الأميركية به، هو مبرر خروجه من أفغانستان. وعلى المقلب الآخر، ستكون أميركا في مأزق كبير في حال خرجت من شرق الفرات، لأنها ستكون حتماً قد فشلت في نشر الديمقراطية المزعومة التي تحدثت عنها، ولم تستطع تغيير النظام في سوريا، ولا حتى إضعاف إيران وسوريا وروسيا وحزب الله.
صحف أمريكية عديدة أكدت أن خروج أميركا من أفغانستان لا يعني اطلاقاً أنها تنوي في القريب العاجل الخروج من سوريا. في 12 آذار/ مارس كتبت لوس انجلوس تايمز: “يرتفع لأربعين قدماً في حقل الغاز السوري، كونيكو، علم لأمريكا ممزق! يدل على وجود القوات الأميركية هناك. ويقول الملازم آلان فافولارا، من الحرس الوطني من أريزونا: “نريدهم أن يعرفوا أننا ملتزمون بوجودنا هنا””. مع أن الصحيفة ذاتها تنقل في الوقت نفسه قول السفير الأميركي السابق في سوريا، خلال ولاية باراك أوباما “أن السياسة الأميركية في سوريا فشلت فشلاً ذريعاً”. والذي يؤكد فيه “أن استمرار دعم الأكراد في سوريا سيزيد من خنق العرب فيها بسبب تحكم الأكراد بهم”. تناقض تقع فيه الصحيفة وتمثل به قلقاً أمريكاً حول جدوى وجودها في سوريا.
وأما “بوليتيكو” فتؤكد أن أمريكا تنوي الإبقاء على 900 جندي أميركي في سوريا، ومنهم من يسمى بالقبعات الخضراء، وهي القوات الخاصة الأميركية، والتي تكون عادة محمولة جواً من المظليين وذوي الحس الأمني العالي والقادر على التسلل خلف خطوط العدو وأراضيه للاإتصال وتنظيم المعارضة الداخلية. وأن الجيش الأميركي موجود لدعم قوات “قسد” في شرق الفرات. وبحسب تصريح لمسؤول إداري كبير لبوليتيكو: “في سوريا نحن ندعم قوات سوريا الديمقراطية في قتالها ضد داعش”، ويكمل: “ولقد نجحنا في ذلك، وسنستمر بالقيام به”. تصريحات توحي بعدم نية الأميركيين الخروج في الوقت الحالي أو أنهم يكابرون.
على المقلب السوري، لا بد أن القيادة السورية تقرأ هذه المعطيات وأكثر. ولذا كان التسريع بعملية تحرير درعا وبات من الضروري التحرك نحو تحرير ادلب. وضع إدلب الحالي سيزداد تعقيداً إذا ما باتت المحافظة وجهة “داعش أفغانستان” وما حولها من الإرهابيين، خاصة بعد أن تعهدت “طالبان” بالتخلص منهم، وهي تعرفهم تمام المعرفة. كما أنّه لا يمكن لسوريا أن تذهب إلى معركة ادلب قبل تنظيف درعا نهائياً من أي سلاح خارج سلاح الدولة. ولهذا هدفان رئيسيان أولهما سحب الذرائع الأميركية بأن سوريا أخطر من أفغانستان. والثاني بعد خروج الأميركي من أفغانستان، في الحقيقة بات من الهام جداً لكل من روسيا والصين وإيران وحتى أوروبا إغلاق بوابة ادلب للإرهاب في سوريا، للتركيز على ما يحدث في أفغانستان. خاصة وأن بايدن قد بشرنا بأنه يراقب باهتمام تداعيات الخروج الأميركي على الدول الثلاث الأولى.
اذا كانت أميركا ستخرج من العراق في نهاية العام الحالي، فمن الواضح أن البعض يعتبر بقاءها في شرق الفرات بمثابة اختناق ذاتي، وحصار لبضع مئات من الجنود في حقول النفط والغاز السورية. ولكن على المقلب الآخر، فإن أمريكا بوجودها المحدود استطاعت أن تضرب عصب الاقتصاد السوري: النفط والغاز والقطن والقمح.
أمريكا بحاجة لتسوية تحفظ لها ماء الوجه، وإلا فإن التاريخ سيكتب أن نهاية أمريكا قد اختتمت في سوريا كما اختتمت نهاية الاتحاد السوفييتي في أفغانستان.