سليمان خاطر.. بطولة لن تموت
طابع رسمي ايراني باسم الشهيد
احمد حمدي – مصر
إذا ما هلّ علينا السابع من يناير فى كل عام يعيد معه أحزاننا المتكررة باستشهاد البطل المصري سليمان محمد عبد الحميد خاطر، من مواليد قرية أكياد البحرية، مركز فاقوس، للعام 1961م، وهو الذي عاين في طفولته وهو ابن الـ 9 سنوات، آثار القصف الصهيوني لمدرسة “بحرالبقر” الابتدائية المشتركة بمحافظته الشرقية في 8 أبريل سنة 1970م، حين قام جبناء سلاح الجو الصهيوني باستخدام طائرات الفانتوم الأمريكية، لنسف المدرسة مخلفين 30 شهيدا من الأطفال.
أكمل خاطر دراسته حتى حصل على شهادة الثانوية العامة، وانتسب الى كلية الحقوق في جامعة الزقازيق، والتحق كما غيره بالخدمة العسكرية الإجبارية، وكان مجندا في وزارة الداخلية بقوات الأمن المركزي.
في الخامس من أكتوبر للعام 1985م، كان خاطر يقوم بنوبة حراسته المعتادة بمنطقة رأس برقة أو رأس برجة بجنوب سيناء. فوجئ بمجموعة من “السياح الإسرائيليين” يحاولون تسلق الهضبة التي تقع عليها نقطة حراسته، فحاول منعهم وأخبرهم بالإنجليزية، أن هذه المنطقة ممنوع العبور فيها قائلا: “stop no passing”، إلا أنهم لم يلتزموا بالتعليمات، وواصلوا سيرهم باتجاه نقطة الحراسة التي تحوي أجهزة وأسلحة خاصة غير مسموح الاطلاع عليها، فما كان منه إلا أن أطلق عليهم الرصاص، خاصة وأن الشمس كانت قد غربت، وأصبح من الصعب عليه تحديد لماذا صعد هؤلاء الأجانب وعددهم 12 شخصا الهضبة.
نفذ خاطر الأوامر التي كانت قد أعطيت له بأن يطلق النار في الهواء أولا، لمنع أي شخص من دخول المنطقة المحظورة، ولو بإطلاق النار عليهم، إلا أنه تمت محاكمته عسكريا، وخلال التحقيقات معه، قال سليمان بأن “أولئك الإسرائيليين تسللوا إلى داخل الحدود المصرية دون ترخيص مسبق، وأنهم رفضوا الاستجابة للتحذيرات بإطلاق النار“.
وقد وصفت النيابة العامة العسكرية التي حققت فيما بعد، مع بطلنا خاطر تلك المنطقة بأنها “جبلية صخريّة شديدة الوعورة” وبالتالي، فلا يمكن لأحد أن يخلط بينها وبين المناطق السياحية ليبرّر تواجد الصهاينة فيها، إنها منطقة غير سياحية، ولا يجوز اعتبارها غرضاً سياحياً، بل إن أقرب مكان سياحي لها، يقع على بعد 21 كم جنوباً و46 كم شمالاً، وقبل واقعة سليمان بأسابيع قليلة تمكنت امرأة صهيونية من اجتياز نقطة مماثلة لنقطة حراسة خاطر وتمكنت من المبيت فيها وتمت محاكمة عسكري النقطة بعدها لإفشائه أسرارا عسكرية وعدم الحفاظ على مكان حراسته.
ورغم ذلك، كان التصريح الرسمي للنظام المصري، يعبّر عن “غاية الخجل” لما فعله أحد جنوده، واعداً بعدم تكرار ذلك. أحال النظام خاطر الى المحكمة العسكرية رغم عدم دستوريتها لمثل حالاته، وفي الثاني والعشرين من شهر ديسمبر/كانون الأول للعام 1985 تم الحكم على البطل المصرى بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، وما أن سمع الشهيد سليمان خاطر الحكم حتى صاح قائلا “أن هذا الحكم، هو حكم ضد مصر، لأن جنديا مصريا أدى واجبه”، ثم التفت إلى الجنود الذين يحرسونه قائلا: “روحوا واحرسوا سينا، سليمان مش عايز حراسة“.
وقال: “أنا لا أخشى الموت ولا أرهبه .. انه قضاء الله وقدره، لكنني أخشى أن يكون للحكم الذي سوف يصدر ضدي أثار سيئة على زملائي، تصيبهم بالخوف وتقتل فيهم وطنيتهم“.
وبعد أن صدر الحكم عليه، تم ترحيله الى السجن الحربي بمدينة نصر بالقاهرة، وفي اليوم التالي تمّ نقل سليمان خاطر إلى مستشفى السجن الحربي، والسبب الرسمي المعلن لهذا الانتقال هو علاجه من مرض “البلهارسيا” والذي أكدت أسرته ورؤساؤه ومرؤوسوه أن سليمان لم يكن مصاباً به، ليجدوه فى اليوم التالي شهيدا بعد أن تم خنقه، ويخرج اعلام النظام ليسوق الجريمة على أنها انتحار، رغم لامنطقية الانتحار مطلقا بالنسبة الى سليمان. وقد أعلن تقرير الطب الشرعي عن وجود آثار خنق بسلك حاد قطره 3 ملم، ظهرت آثاره حمراء حول الرقبة مكذبة الرواية الرسمية من أن الشهيد سليمان خاطر انتحر بشنق نفسه بشرشف السرير الذي كان يرقد عليه. وأشار التقرير أيضا الى وجود آثار كدمات في أعلى الفخذ الأيمن، وتجمعات دموية في عينيه ما يتعارض مع ادّعاء الانتحار، لأن وجود هذه الأعراض يؤكد أن الشنق قد تمّ والجسد في وضع أفقي، وبالتالي ينفي حالة الانتحار. كما وجدت في أظافر الشهيد آثار لحم بشري، تدلّ على أنه قاوم قاتليه بشراسة. ورغم كل ذلك، شكل التقرير النهائى الذي حسم فرضية الانتحار محطة لاغلاق أي ملف يدين المسؤولين أو أسيادهم فى الكيان الصهيونى.
وقد رثت مصر الشهيد خاطر على لسان أولادها فى أغنية شهيرة للشيخ أمام عيسى “أضمك وجرحي بينزف قُبل برغم اللي خانوا ورغم اللي هانوا ورغم اللي كانوا في غاية الخجل”. كما رثاه الشاعر العربى مظفر النواب فى رائعته “أيها القبطان”، وتظل مصر المقاومة للصهيونية تقدسه كبطل دافع عن ترابها ودفع دمه فى وقت كان أغلب زعمائها يحتفلون بكامب ديفيد.
طِب يا سليمان حياً ومرتقياً فأنت رمز المقاومة المصرية وستظل