زيارة كيسنجر المفاجئة إلى الصين.. هل هي فردية؟
موقع العهد الإخباري-
د. علي دربج:
في توقيت سياسي بالغ الدلالات، حطّ المنظّر الاستراتيجي الشهير وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، البالغ من العمر 100 عام، امس الاربعاء، في الصين، في خطوة فاجأت وأثارت اهتمام العديد من الخبراء السياسيين ووسائل الإعلام (داخل امريكا وحول العالم) خصوصا وأن الرجل يُعد عراب التقارب بين الولايات المتحدة والصين قبل نصف قرن.
اللافت ان هذه الزيارة تزامنت مع زيارة وزير خارجية أمريكي سابق آخر، جون إف كيري، مبعوث إدارة بايدن للمناخ الآن، الذي يتواجد في بكين لإجراء محادثات تهدف إلى بدء التعاون بين أكبر ملوثين في العالم.
كما انها تأتي في أعقاب زيارة وزير الخارجية الحالي أنتوني بلينكين إلى بكين الشهر الماضي، عندما توقع الجانبان الإيجابية بعد ستة أشهر من المواجهة اللفظية وشبه الأخطاء العسكرية.
كيف تنظر الصين الى كيسنجر حاليا؟
في الحقيقة، لم تتغير مكانة كيسنجر لدى الجيل القديم من القيادات الصينية، إذ لا يزال الدبلوماسي الامريكي الذائع الصيت يحظى بالاحترام في بكين، نظرًا لجهوده في إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين.
كان كيسنجر زار بكين سرًا في عام 1971، لوضع الأساس لرحلة الرئيس ريتشارد نيكسون التاريخية في العام التالي والتي أدت إلى التقارب مع الصين وأنتجت اعتراف مسؤولي البلدين ببعضهما البعض في عام 1979.
من هنا، استقبل وانغ يي وزير الخارجية الصيني السابق والآن كبير دبلوماسييها، كيسنجر متكئًا على عصاه في العاصمة الصينية. وخلال اللقاء ألمح وانغ يي إلى أن بكين كانت تشعر بالحنين إلى الأيام التي كان يدير فيها السياسة الخارجية الأمريكية. ووفقًا لتقرير صيني عن الاجتماع، قال وانغ للأمريكيين: “من المستحيل محاولة تغيير الصين، بل إنه من المستحيل احتواء الصين”. وأضاف أن “السياسة تجاه الصين تتطلب الحكمة الدبلوماسية لكيسنجر والشجاعة السياسية لنيكسون”.
الجدير بالذكر أن زيارة كيسنجر جاءت بعد يوم من لقائه وزير الدفاع الصيني لي شانجفو – بحسب تقرير صادر عن وكالة أنباء شينخوا الرسمية نُشر أيضًا على موقع الوزارة على الإنترنت – الذي قال لكيسنجر إنه يأمل أن “تعمل الولايات المتحدة مع الصين لتنفيذ التوافق الذي توصل إليه زعيما البلدين وتعزيز التنمية الصحية والمستقرة للعلاقات بين البلدين وجيشهما.
إشارة إلى أن لي الذي يخضع لعقوبات أمريكية منذ عام 2018 بسبب شراء الصين طائرات مقاتلة ومعدات من مصادر عسكرية من روسيا، كان رفض الاجتماع مع وزير الحرب الأمريكي لويد أوستن في منتدى أمني إقليمي في سنغافورة الشهر الماضي، بسبب الأجواء المشحونة بين الطرفين.
وليس بعيدًا عن ذلك، وفي حزيران الفائت أيضًا، حاول بلينكن الحصول على اتفاق لاستئناف الاتصالات العسكرية المباشرة بين الولايات المتحدة والصين. لكنه جوبه بعدم موافقة بكين على الفكرة بالرغم من سلسلة من الحوادث الخطيرة التي حدثت بينهما مؤخرًا لا سيما حادثة إسقاط المنطاد الصيني في شباط الماضي.
ماذا كان موقف كيسنجر من العلاقات المتأزمة بين بكين وواشنطن؟
في الواقع، رد كيسنجر على مضيفيه بأنه يتعين على كل من الولايات المتحدة والصين إنهاء حالة سوء الفهم. والكلام هنا يعود لوكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا).
وأضاف كيسنجر وفقًا للرواية الصينية “لقد أثبت التاريخ والممارسة مرارًا وتكرارًا، أنه لا الولايات المتحدة ولا الصين تستطيعان تحمل تكلفة معاملة بعضهما البعض كخصوم. وإذا دخل البلدان في حرب، فلن يحقق ذلك أي نتائج ذات مغزى لشعبي البلدين”.
في الختام، لا شك أنه من المبكر معرفة المهمة الحقيقة للزيارة، خصوصًا وأن إدارة بايدن نزعت عنها الصفة الرسمية، وألبستها الثوب الشخصي، استنادًا للمتحدث باسم الخارجية الأمريكي ماثيو ميللر الذي أكد أنه كان هناك بمحض إرادته ولم يتصرف نيابة عن حكومة الولايات المتحدة”. من هنا، لا بد من التوقف مليًا عند استقبال الصين لكيسنجر كضيف مرحب به دائمًا، والتساؤل عن أهدافها التي تتجاوز حتمًا الطابع الفردي.