روسيا وضربات إعادة التموضع المُستحدَثة
موقع إنباء الإخباري ـ
الأكاديمي مروان سوداح*:
برغم الإعلان عن سحب مجموعة أساسية من القوات الجوية الروسية من سوريا، ماتزال القوات الحربية الجوية الروسية تخوض معارك متواصلة بمواجهة الارهاب الدولي، وتساند الجيش العربي السوري لإستعادة مختلف المناطق السورية، وبضمنها الشرقية.
تصريحات الرئيس بوتين عن أن موسكو ستبقى تدعم سوريا مالياً، وتستطيع إعادة قواتها الضاربة الى سوريا خلال بضع ساعات، إن تطلب الوضع ذلك، تأكيدات على ان النظرة والإدراك الروسيين لِما يجري في سوريا، هو إستراتيجي بامتياز، ولا يمكن اختراقه أو ضعضعته، إضافة الى أن تصريحات موسكو بأنها لم تنسحب من المعركة ضد الإرهاب في سوريا ولن تنسحب في المستقبل، يُشير بجلاء الى ان روسيا ترى في مواقعها في سوريا ضمانة لأمن وأمان روسيا نفسها ومستقبلها الآمن، وضمانة لبدء عملية سلام حقيقية في “الشرق الاوسط” برمتها، تُبعد الإرهاب والارهابيين من مختلف الألوان عنها وعن مواقعها في سوريا، وترسي قواعد جديدة نوعية لسلام سيأتي برغم عِظم التحديات في منطقتنا، التي ستشهد صراعات جديدة وأكثر دموية، لأن القوى الاستعمارية التقليدية الدولية ستبذل كامل جهودها لتضمن استمرار سيطرتها على الخامات والمناطق الاستراتيجية جنوب المتوسط وجنوب روسيا، وإدارتها للمعابر المائية الدولية وعُقد التواصل الجوية العالمية التي تمر بالشرق الاوسط..
خلال إعداد هذه المقالة، نشرت الصحافة الروسية مقالات عديدة، تؤكد ان القوات الجوية الحربية الروسية تواصل ضرباتها “المُركّزة جداً” على الارهابيين والتي وصفتها بـ”الأشد”، منذ بدء عملياتها العسكرية في سوريا وحتى اللحظة، وهي تستهدف مواقع داعش في الرقة، وبقصف استحكاماتهم في وسط مدينة طبقةТабка.. ومن تلك المناطق المستهدفة روسياً: المحكمة، وكلية الفنون (التي حوّلها الارهابيون الى مخزن للذخيرة)، والفردوس، ومستشفى التوليد(الذي حولته داعش الى قاعدة عسكرية) وغيرها من قواعد الارهابيين..
إنسحاب القوات الروسية من سوريا ليس سوى “إعادة تموضع” تجريها عادة مختلف جيوش العالم التي تحارب، وتلك التي تحمي بلادها في ظروف السلام. فبعد ان اكتسبت مجموعة الطيارين الاستراتيجيين الروس خبرات قتالية عملياتية في سوريا، آن الآوان ليأخذوا قسطاً وافراً من الراحة في الوطن، وبين عائلاتهم، ريثما يتم إعادتهم الى مواقعهم العسكرية السابقة والى قواعدهم الأصلية، لتتعزز بخبراتهم القوات الروسية في الظروف المُعقّدة والتي تتعقد يوماً بعد يوم جرّاء التصريحات الامريكية والغربية التي تهاجم روسيا، وتتهمها بمختلف المُوبقات، وإتصالاً بالأوضاع المُزرية في اوكرانيا- البلد الذي بات يُعاني من مئات المشاكل التي لا حل غربياً لها سوى، ربما، بتحويل كييف عاصمةً لحربةٍ اوروبية عاملة على: 1/إنهاك موسكو مالياً وعسكرياً واقتصادياً؛
2/وإلهاء روسيا وعرقلة جهودها العربية ووقف مساعداتها التي تتسم بالحزم للبلدان العربية وسوريا؛
3/ إشغال روسيا يومياً في اوكرانيا، أي على حدودها وتهديد أمنها؛
4/وصولاً الى إنهاكها إقتصادياً، ومحاولة قلب الامور الروسية داخلياً لتسير نحو ما يُسمّونه ثورة مضادة بالاستعانة مع الطابور الخامس، وطابور “الدولة داخل الدولة” التاريخي الأخطر الذي لعب دوراً تخريبياً في اوكرانيا خلال الانقلاب الغربي – الفاشي فيها، بخاصة مجموعة “دلتا” الصهيونية التي هي فرع دولي تخريبي للجيش الاسرائيلي.
بعض المحللين الروس ذهبوا الى أبعد من ذلك كله. فقالوا بأن روسيا بحاجة الى خبرات الطيارين في شرقي روسيا حيث تتعقد الاوضاع جراء المواجهات الكورية الديمقراطية – الامريكية، حيث يُشتم أن واشنطن تحضّر لعدوان على بيونغ يانغ، إضافة للحالة الدقيقة التي باتت تتشكل على الحدود البحرية الشرقية للصين، حيث تتزايد في تلك المنطقة تهديدات القوات الامريكية واليابانية والكورية الجنوبية(وهي جزء من الامريكية المستحكِمة هناك منذ عشرات السنين، بالإضافة للقوات النووية الامريكية في جنوب كوريا)، وغيرها من القوات المُستهدِفة جمهورية الصين الشعبية.
في المخاطر التي تدركها روسيا لكنها لا تخشى منها، رفض أمريكا التسليم بشرعية الحدود البحرية الصينية. فأمريكا تدّعي مُلكية عدد كبير من الجُزر لليابان والبلدان الاخرى الحليفة لها في تلك المنطقة، انطلاقاً من رؤية استراتيجية أمريكية ترى ضرورة وضع تلك الجُزر تحت الوصاية الامريكية حال انتقالها الى سيادة غير السيادة الصينية، وبالتالي إقامة قواعد عسكرية عليها، تعطي القوات الامريكية وضعاً مِثالياً في سرعة الانقضاض على الصين.
في الاستراتجية الامريكية كذلك، وهو الأخطر، تسهيل وتسريع وصول الصواريخ الامريكية النووية والاخرى الاستراتيجية ذات الدمار الشامل لقلب المراكز الحيوية الصينية وتدميرها قبل ان ترد الصين بضرباتها على أمريكا، أي محاولة شل تلك المراكز الصينية في شرقي أسيا بضربة واحدة، وكذلك محاصرة روسيا بتلك الصواريخ من شرقها، عِلماً بأن أمريكا تستهدف روسيا بكل صواريخها التي إدّعت سابقا نشرها لمواجهة ما كانت تسمّيه “بالاخطار” الايرانية والكورية الديمقراطية.
في “عملية بوتين” أو “ضربات إعادة التموضع” بسحب القوات الاساسية من سوريا، أو عملية “رد بوتين”، حِراكاً سريعاً وعاملاً على إخراس وتعرية كل الأصوات النشاز تلك التي تتلقى الأموال السوداء، وكانت هذه الضربات في حقيقتها “ضرية معلم” متجددة لكل التلاميذ غير النجباء ومُعلّميهم، تمّت بالتفاهم مع سوريا وايران، ومع غيرهما من الدول الحليفة لموسكو..
كانت في “ضرسبة بوتين” كذلك تعريةٌ لمختلف المحطات الفضائية والصحف والاشخاص المجبولين على معاداة روسيا لكونها روسية وتحترم سيادتها وكرامتها، فتم فضح الإعلام المرتزق، حيث قام هؤلاء فور الانسحاب الروسي وفي جوقة واحدة تابعة لعصا “مايسترو” واحد، بإطلاق مختلف الادعاءات، التي منها أن روسيا تخلّت عن سوريا، وتركتها لمشيئة الأقدار، وفبركوا، وهم من صلب الغرب تاريخياً، بأن موسكو “لا يمكن الوثوق بها ولا التحالف معها”، لأنها “متفاهمة” مع واشنطن، بل أنهم ذهبوا في أوصاف لا أخلاقية ولا واقعية ومضحكة، وتنم عن غباء مُستشري وعن استرزاق، بأن موسكو و بكين “تعملان” “تحت أقدام أمريكا”، وبالتالي وجدوا تبريراً أشد إضحاكاً، بأنه “يجب العمل مع أمريكا، لأنها أوضح وأفضل من روسيا والصين”!
وللقارئ أن يُدرك ما يجري وأن يُوقف إستغباء معسكر الأغبياء لعقله..
*متخصص بالشأنين الروسي والصيني ورئيس مجموعة أصدقاء روسيا للكتّاب والإعلاميين العرب.