روسيا والأردن حليفان طبيعيان في مكافحة الإرهاب
موقع إنباء الإخباري ـ
أليكسي كوتشيشكوف*:
شكّلت العملية الطويلة لعدم الإستقرار في العراق التي أدّى إليها العدوان الأميركي على ذك البلد في العام 2003م وأحتلاله، وما تلاه من اندلاع الإضطرابات الشعبية لما يُسمّى بالربيع العربي، وحرب الاستنزاف في سوريا، حوافز إضافية قوية لتضخّم الإرهاب ونشر إيديولوجية الكراهية الدينية في منطقة الشرق الأوسط برمّتها.
إلى ذلك أيضاً، تعزّزت “القاعدة” بشكل ملموس وفرعها السوري “جبهة النصرة”، وقد “أفلحت!” المنظمتان في نيل الشهرة طبق الأصل كما المنظمة الأُم – الأصل، من خلال ارتكابهما جرائم وحشية ومجازر مرعبة بحق الشعبين السوري والعراقي، وبخاصة الأقليات المسيحية واليزيدية. ولكن، وبرغم تعدّد أسماء التنظيمات الارهابية في الساحة السورية، يُعتبر تنظيم “داعش” المنظمة الأكثر دموية ووحشية. وخلال السنوات الفائتة شاهدنا الكثير من الجرائم التي يَندى لها جبين كل الانسانية بحق الشعبين ومجموع مكوّناتهما، وهو ما يُحتّم علينا استذكار كوابيس الحرب العالمية الثانية.
منذ فترة طويلة تخندق الأردن في الخندق الأمامي لمكافحة الأرهاب. فقد شمل لهيب الحرب مساحات كبيرة للبلدان المجاورة للأردن – العراق وسوريا. وتعالت هتافات التهديد ضد الأردن السلمي، والأزمة تزداد تفاقماً.
وهنا لا بد من التنويه، الى أن أستئصال الإرهاب لا يمكن ان يكون في إطار ضيّق على شاكلة عملية عسكرية قصيرة الأجل، فلا يمكن أن تُدار الحالة الارهابية الناشبة في المنطقة بنمطية واحدة أحد فقط بوجه بلطجيين أشرار. فما يجري في الحقيقة ليس قمع أنتفاضة شعبية ضد “سلطة طاغية” كما يُحاول البعض تصوير الأُمور، لأن ثوار النضال الشريف يجهدون عادة لكسب قلوب المدنيين، بعيداً عن فروض وتقاليد القرون الوسطى والجهالة والظلم. وما يجري اليوم هو صراع يَستهدف تشويه صورة الدين الإسلامي كواحد من الديانات العالمية الثلاث، لكنه أيضاً صراع في سبيل الدفاع عن شرف جميع المسلمين، ووقف عمليات الترهيب مما يُسمّى بالإسلاموفوبيا.
استشهد هنا بتصريحات الملك عبدالله الثاني في وصفه الارهابيين، الراديكاليين الإسلاميين، بالخوارج عن الأسلام، وبأنهم أدخلوا الانسانية في مَعمعان حرب عالمية جديدة. وإذ يتحدث الملك بهذا وهو حفيد رسول الله وممثل أحد أشهر السلالات الملكية والوصي الشرعي على المقدسات الأسلامية في مدينة القدس الشريف، يجب ان نتفكّر ملياً بأقواله، وكذلك يجب ان يتفكر بذلك كل شخص سليم العقل. وهنا يتضح أن ألاردن يُحدّد بدقة المعنى الأيديولوجي الصحيح للحرب القائمة على الارهاب الدولي.
خاضت روسيا الفيديرالية منذ سنوات طويلة حرباً ضروساً لمكافحةً الأنفصاليين الارهابيين وتكنيسهم من أراضيها. ولكن للأسف الشديد، لاحظنا أنذاك توافر سهولة واضحة في استخدام البعض لمغامرين تم توظيفهم في غمار هذه الحرب، بغية التأثير على مجريات الأحداث ولمزيد من تعكير المعضلات الداخلية، وللعب على المسألة القومية وأطرافها في بلدنا، بهدف تحريض الشعوب الصديقة على بعضها البعض وعلى السلطة الشرعية وعلى مواطنيهم من أصحاب الأديان والقوميات المختلفة. ولحسن الحظ، فقد تسنّى لنا إحباط كل عمليات التدمير المُمَنهج التي مارستها القوى الارهابية. واليوم توفّر روسيا الاتحادية إمكانيات وحقوق متساوية لكل مواطنيها، من مسيحيين ومسلمين، وها هي تواجه بصلابة كل أشكال التطرف الديني، الذي هو ظاهرة ممنوعة ويتم تجريمها في بلدنا بموجب القوانين والدستور.
ولذلك، لا يمكننا ان نقف مكتوفي الأيدي ودون ردود أفعال حِيال تصعيد العنف في سوريا الذي هو بلد صديق لنا وللأردن، حيث يَشن الحرب آلاف من المرتزقة المدعومين من جانب بعض الأنظمة التي وظّفت الاوضاع الداخلية القاسية واستخدمتها في مخططاتها لبث الشقاق ونشر الشرّ. ولهذا أيضاً، تواصل القوات الجوية الروسية منذ نهاية شهر أيلول الماضي – بطلب قانوني من لدن الحكومة السورية – عملياتها لإستهداف الجماعات المسلّحة التي أدرجها المجتمع الدولي على قائمة المنظمات الإرهابية، وأول تلك الجماعات ما يُسمى بـ”داعش” وأخواتها. وفي الوقت نفسه، تبذل روسيا جهوداً حثيثة لإطلاق عملية مصالحة شاملة في سوريا، وهو مايُعتبر مهيّجاً رئيسياً للإرهابيين والقوى المُستثمِرة فيهم.
وهنا، وفي خضم كل ذلك، يُقدّم ألاردن مساعدة كبيرة لجهود روسيا في مكافحة الإرهاب. وقد سبق أن التقى زعيمانا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والملك عبدالله الثاني، وأجريا مباحثات ومفاوضات مرّتين في عام 2015م. ويدور باستمرار حوارٌ عميق وكثيف ومؤتمن بينهما. ويوجد لدينا تنسيق متبادل المنفعة في سبيل قمع الإرهاب وتبادل المعلومات عبر آلية خاصة للتعاون المشترك، والتي تم تأسيسها لهذه الأهداف في عمّان. ومن الضروري التأكيد على ان مصالحنا تتطابق في هذا الموضوع بشكل كامل. ونحن حليفان طبيعيان. وهدفنا المشترك هو قمع الخوارج المذكورين وتحقيق تسوية سلمية للأزمة في سوريا، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لجميع بلدان الشرق الأوسط.
ولدى بلدينا عمل هام لمصلحة شعوب المنطقة بأسرها.
*مستشرق روسي