روسيا وأميركا وساحات نفوذ جديدة
صحيفة الوطن السورية-
هديل علي:
بثبات وثقة ومن دون تكلف تسير موسكو نحو تحقيق أهداف عمليتها العسكرية الخاصة لحماية إقليم دونباس، بعد التقليل للحد الأدنى من الآثار المترتبة الناتجة عن هذه العملية على الاتحاد الروسي ككل سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، ولعل الأهم في هذه التأثيرات هي الاقتصادية منها في ظل ارتباك اقتصادي عالمي، وخاصة بعد جائحة كورونا التي تسببت بأزمة إنفاق وتضخم عالمي.
المحلل الاقتصادي الخبير خافيير بلاس أكد منذ أيام في التقرير اليومي لوكالة «بلومبرغ» أن روسيا تحقق نصراً في أسواق الغاز والنفط، مشيداً بقدرة روسيا على تحييد تأثير العقوبات الغربية، حيث عاد إنتاج النفط في روسيا بشكل شبه كامل، مع نهاية تموز المنصرم، إلى مستويات ما قبل 23 شباط 2022، حيث وصل إلى 10.8 ملايين برميل يومياً.
طبعاً روسيا استطاعت كسر حلقات العقوبات الغربية واستعادة مؤشرات الإنتاج ومستوى الأسعار بسبب إعادة توجيه النفط من أوروبا إلى الأسواق الأخرى، وأولها أسواق آسيا ونتيجة لذلك لم تخسر روسيا عملياً شيئاً من دخلها نتيجة انخفاض الإمدادات إلى أوروبا، وظل الخاسر الوحيد المواطن الأوروبي الذي أرادت حكومته معاقبة روسيا فخسر الطاقة والعديد من الحاجات الأساسية والرفاهية.
واشنطن تحاول تثبيط المساعي الروسية لفتح أسواق جديدة، فالعين الروسية على إفريقيا، وهذه تشهد محاولات تنمية صينية عبر استثمارات صناعية ومتنوعة المجالات، في تلاق إستراتيجي لسياسات بكين وموسكو، لذلك طار وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن في جولة إفريقية عقب جولة نظيره الروسي المخضرم سيرغي لافروف عله ينجح في إفشالها، على الرغم من أن زيارة بلينكن التي استمرت أربعة أيام، شملت جنوب إفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا وهي عكس المسار الذي سلكه لافروف.
نقاط القوة لدى روسيا أكثر من واشنطن في إفريقيا في ظل تحولات إستراتيجية دولية، على الرغم من النفوذ السياسي والاقتصادي الأميركي هناك منذ عقود، وتتمثل نقاط القوة بحسب الخبراء أن روسيا تعرض على إفريقيا «شراكة ندية»، «نبيع السلع والخدمات مقابل المال ونكتفي بذلك»، في حين تفرض الولايات المتحدة والغرب بشكل عام شروطاً إضافية على إفريقيا في السياسة الخارجية، فيطلبون منها ألا تصادق روسيا والصين، وفي السياسة الداخلية، أن تطور «مؤسسات ديمقراطية» وكل ما يتعلق بذلك في المجال الاقتصادي، مثل القيام بخصخصة وإلغاء الضوابط التنظيمية، الأمر الذي يعني بالنسبة للاقتصادات الإفريقية الاندماج في سلاسل الإنتاج العالمية بشروط أبعد ما تكون عن مصلحتهم.
موسكو تسبق واشنطن بخطوات وتعمل على إيجاد أسواق بديلة أكثر نجاعة وهو أمر نجحت به روسيا إلى حد كبير، مقابل ما تتعرض له من حملة دعائية شرسة تستهدفها في كل المجالات ولاسيما المجال الاقتصادي، وإذا نجحت روسيا في إفريقيا وضمنت على أقل تقدير نصف دول الاتحاد الإفريقي، فذلك يعني خسارة مدوية للولايات المتحدة في مناطق نفوذها، وخاصة أنها في مواجهة روسيا والصين معاً.