#روسيا تُعدّل استراتيجيتها لحسم المواجهة في #حلب
محمد بلوط – صحيفة السفير
العد التنازلي لسيرغي شويغو بدأ منذ عشرة ايام، ويدوم حتى الخامس عشر من ايلول، لاغلاق ثغرة جنوب حلب، وخلخلة عرى التوازن الميداني الذي حاول الاتراك فرضه في الشمال السوري، على الروس والسوريين، واطالة امد الحرب والاستنزاف في سوريا، عبر «راموسة» حلب.
ما كان للمهلة ان تطول، لو لم يوافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع لمجلس الامن القومي الروسي، على طلب وزير دفاعه سيرغي شويغو، تمديدها ١٥ يوما كي يتمكن الروس من بناء استراتيجية، بمعية الحلفاء، لإقفال الطوق مجددا على المجموعات المسلحة في حلب الشرقية. وبحسب مصدر عربي قريب من العمليات العسكرية الروسية في سوريا، اعاد الروس النظر في حساباتهم على ضوء الهجوم المضاد الذي شنه «جيش الفتح» على الكليات العسكرية، والراموسة جنوب غرب حلب. المراجعة استعجلها لقاء الرئيس فلاديمير بوتين، بالرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الذي وصف الهجوم المسلح للمجموعات المقربة لمخابراته في حلب، بانها «اعادت التوازن» الى سوريا، والى شروط المصالحة الروسية التركية.
وخلال اجتماع مجلس الامن القومي، اعتبر الرئيس الروسي ان الجيش السوري لا يتقدم بالسرعة المطلوبة في عمليات حلب، وكلف وزير دفاعه بالعمل على اغلاق ثغرة جنوبي حلب، قبل انتهاء شهر آب الحالي. وطلب شويغو منحه المزيد من الوقت لترتيب عملية جوية سورية روسية مشتركة، حتى الخامس عشر من ايلول، تشمل في الجزء الذي بات معروفا منها، نشر القاذفات الاستراتيجية «تي ٢٢» في قاعدة همدان الايرانية، على مقربة من الحدود مع العراق، وارسال قوة برية من المتطوعين الروس، في الجزء الثاني منها، للمشاركة في العمليات ودعم عمليات القوات الخاصة السورية .
وبحسب معلومات عربية، بدأت طليعة قوة من المتطوعين الروس بالوصول الى مدينة طرطوس. ومن المنتظر ان يصل تعداد القوة الى الفي متطوع. وينتمي هؤلاء الى وحدات من المقاتلين الروس شاركوا في معارك القرم، والشرق الاوكراني. ويشرف على هذه الوحدات الجنرال المتقاعد بوريس غروموف، احد ابطال الحرب الافغانية والشيشانية، واخر الجنود السوفيات الذين عبروا جسر الاموداريا، منسحبا من افغانستان في ١٥ شباط ١٩٨٩. ويخفف تدفق المتطوعين، الذين لا ينتمون الى ملاك الجيش الروسي مباشرة الى سوريا، من المخاطر الداخلية السياسية لادارة بوتين، خصوصا ان العشرات منهم قد قتلوا منذ ان بدأ الانخراط الروسي في سوريا قبل عام تقريبا. ويقول المصدر العربي ان لوائح التطوع الروسية الى سوريا، ستلعب دورا متزايدا في الصراع السوري، خصوصا ان عدد المتطوعين المسجلين للقتال في سوريا، قد تجاوز المئة الف متطوع. واذا ما صدقت الارقام، فانها تعكس تكثيف الظاهرة البوتينية، ومناخات التعبئة القومية التي تتداخل في بنيتها الايديولوجية مع الصحوة الدينية والانبعاث القومي، والحنين الى استعادة دوائر النفوذ السوفياتي القديم.
والارجح ان القرار الروسي بنشر قاذفات الـ «تو٢٢» الاستراتيجية في قاعدة همدان، او ارسال المزيد من المتطوعين، للانخراط برا في العمليات العسكرية، لا يزال يحتاج للمزيد من الوقت لتبين نتائجه سواء في حلب، او في الاقليم باكمله. ورغم اتسام الخطوات الروسية في سوريا، بشكل عام، بالارتجال، او مفاجأة الخصوم الاميركيين والاتراك بمبادرات غير منتظرة، من الانخراط جويا في ايلول الماضي، ثم التراجع الى هدنة، قبل اكتمال اهداف «عاصفة السوخوي» في شباط هذا العام، الا ان اتخاذ قرار على اعلى المستويات باستعادة حلب، ونشر قاذفات استراتيجية في قاعدة ايرانية، والتوسع في العمليات البرية، قد يكشف عن مغادرة الارتجال والذهاب نحو استراتيجية روسية طويلة الامد، لحسم المعركة في سوريا، وترسيخ العودة الروسية الى المشرق، ومنح مصداقية اكبر للتحالف مع روسيا، واحداث توازن مع الدور الاميركي، والاهم شطب المحاولة السعودية والتركية لملء الفراغ الاميركي في المنطقة، او لعب دور الدرك الاقليمي مع هزيمة اميركا في المنطقة ووراثة دورها، بالاضافة الى تحجيم المشروع التركي في سوريا، بالذهاب الى كسره مجددا في حلب.
ان اولى نتائج ارسال «التوبوليف» الى همدان هو عدم الاكتفاء في نظرية العودة الروسية المستمرة الى المياه الدافئة المتوسطية، والتوسع نحو مياه الخليج الحارة، ما يخرج الايرانيين من عزلتهم في مواجهة دول الضفة المقابلة. وليس صدفة ان تتحول حلب، قبل همدان الى عنوان مواجهة مع السعودية، التي تقول معلومات من حلب، انها فقدت اثنين من كبار ضباط الحرس الملكي لديها في معاركها. اذ دمر الطيران الروسي غرفة عمليات سعودية في خان طومان، في الايام الاولى لهجوم المجموعات المسلحة على الراموسة، وقتل في الهجوم على الغرفة التي يقودها ضابط باكستاني، ضابط سعودي يدعى مخالف الصالح، وعبد الرحمن الهاجري ضابط الاستخبارات السعودية في الغرفة.
ومن المبكر القول ما اذا كانت الجغرافيا السياسية للمنطقة في طور الانقلاب نهائيا، ام ان العملية الروسية تهدف الى تحسين شروط مواجهة الادارة الاميركية المقبلة فحسب، بالاستفادة من ارتباك الادارة الحالية، وتراجعها خلال ما تبقى لها من اشهر قليلة في البيت الابيض، ورفع وتيرة العمليات العسكرية في سوريا مع تضاؤل الرهان على اي تفاهم مع الاميركيين. وكلما ابتعد التفاهم مع الاميركيين في ما تبقى من النافذة المفتوحة للادارة الحالية، ضاقت نافذة الخيارات امام الروس، وهو ما يعكسه الانتشار الاستراتيجي الروسي. وتسود الدوائر الدبلوماسية الروسية قناعة ان الادارة الاميركية المقبلة ستكون اكثر عدوانية، ومن المجدي تفادي الاستنزاف والمواجهة المقبلة، واستباق وصولها بتغيير الوقائع على الارض وهزيمة المجموعات المسلحة. وهو بالمناسبة رهان السعوديين والمعارضة المسلحة والائتلاف السوري واساس رفضهم المستمر لاي تسوية سياسية بانتظار ان تأتي هيلاري كلينتون، بجيوشها الى سوريا. ومن المؤكد ان قرارا روسيا قد اتخذه الرئيس فلاديمير بوتين من همدان الى حلب، بكسر الاتراك والاميركيين والسعوديين في سوريا، وهو رهان اذا ما وصل الى نهاياته المنطقية، سيغير بالتأكيد التوازنات، والتحالفات في المنطقة. ويكذب الانتشار الاستراتيجي الروسي من همدان الى حلب وجود اي تفاهمات روسية اميركية او روسية تركية .. حتى الان.
التخبط في الاعلان الروسي عن قرب حدوث عملية مشتركة في حلب ضد الارهاب، كما قال شويغو، يتناقض مع نفيين. الاول اميركي من الخارجية الاميركية، والثاني ما اكده في ما بعد سيرغي لافروف وزير الخارجية، من ان واشنطن فشلت في الفصل ما بين المجموعات المعتدلة والارهابية. كما ان التفاهم على عزل «النصرة»، قبل تحولها الى «جبهة فتح الشام»، لم يتحول الى واقع، ولم يصدر اي بادرة عن واشنطن، عن مضمون ذلك التفاهم الافتراضي. ومن شأن ظهور قاعدة همدان الروسية الايرانية، ان يجعل من التفاهم الروسي الاميركي اكثر تعقيدا اذا ما وجد اصلا.
اما التفاهم مع الاتراك فليس اكيدا هو الاخر مما يجعل الخيار الروسي اكثر استعجالا. ولم يخرج من لقاء الساعات الثلاث في الكرملين بين بوتين واردوغان ما يذهب ابعد مما قاله بيان الكرملين من العودة بالعلاقات بين البلدين الى ما كانت عليه، وهو طموح متواضع امام الذهاب نحو تحييد الاتراك في سوريا. لا توجد اي مؤشرات ميدانية على اي رغبة تركية بوقف الحرب على سوريا، ولا تزال المجموعات المسلحة تأتي بارتالها من قواعدها في تركيا. ومن غير المنتظر في لحظة انشغال داخلي تركي، او تراجع اقليمي، ان يعمد اردوغان الى التخلي بسهولة عن الورقة السورية، بل ان المرجح بسبب نزق الزعيم التركي ان يواظب على التمسك بورقته الاخيرة الثمينة في اللعبة الاقليمية، بعد هزيمته في مشروع «الربيع العربي». كما ان الصفقة المطلوبة روسيا من الاتراك تتطلب انزياحا في الموقع التركي، والانتقال بالهضبة الاناضولية من حلف شمال الاطلسي الى مشروع «الاوراسيا»، وهو انزياح يتعارض مع متطلبات هذا الموقع كما ظهرت خلال الحرب الباردة، وما بعدها، فضلا ان قرارا استراتيجيا من هذا النوع، وتحدي اميركا، والغرب، يتطلب قرارا تاريخيا، ورجلا تاريخيا لا يشبه رجب طيب اردوغان. وكان هناك تسريبات من ان الاتراك قد يذهبون الى تحالف ايراني تركي روسي، ولكن لا يزال النقاش معهم يدور عن اجتماعات امنية ثلاثية حول سوريا، قد ينضم اليها العراقيون، والسوريون، ويرفضون الرد على طلبات روسية باغلاق معابر المسلحين من اراضيهم الى سوريا … حتى الان.
وقد لا يكفي تحييد الدور التركي في الشمال السوري، لحسم معارك الشمال السوري. اذ ان الاتراك لا يملكون وحدهم معابر السلاح والمسلحين الى سوريا عبر حدودهم، وليسوا اللاعبين الوحيدين في المنطقة، وهم يملكون دورا وازنا، وليس الدور الحاسم. بالرغم من اشرافهم على شطر واسع من المجموعات المسلحة التي تقاتل الجيش السوري، في ارياف ادلب واللاذقية وحماة وحلب، وقيادة مخابراتهم لـ «احرار الشام» او «جبهة النصرة»، و «جيش الفتح»، او «الحزب الاسلامي التركستاني»، وكل المجموعات الاخوانية، من «فيلق الشام»، الى بقايا «لواء التوحيد»، فـ «جند الشام»، الا ان الولايات المتحدة تقف في الظل لاعبا اساسيا اليوم، تمنع تحقق تلك الفرضية التي تقول انه يكفي ان يغلق الاتراك حدودهم كي تنتهي الحرب في سوريا، وتهزم المجموعات المسلحة. فخلال العامين الماضيين، اقامت الولايات المتحدة جدارا طويلا، خلف وحدات الشعب الكردية، والجدار يمتد من اقصى الشرق السوري، في المالكية، الى عين العرب كوباني، ومنها الى غرب الفرات عبر سد تشرين، الى منبج، وتتجه منها الى جنوب الغرب، نحو الباب، لتصبح للمرة الاولى على تماس مع الجيش السوري والروس. ويملك الاميركيون قاعدتين جويتين في الرميلان وعين العرب. ويعملون على انزال قوات في مطار الجراح شرق حلب، حيث تتمركز «داعش» حاليا، ويجري الحديث عن مطار رابع قيد الانشاء غرب الفرات. وجلي ان الاميركيين بدأوا الاستعداد للبقاء في الشمال السوري، لحماية المشروع الفيدرالي الكردي في المنطقة، ومواصلة قتال «داعش»، والاستعاضة عن الدور التركي في سوريا، ببناء تحالف قوي مع الاكراد، لمواجهة الروس، اذا ما تراجع الاتراك. وبالعودة الى اسس الخلاف التركي الاميركي، ينبغي استرجاع ما قاله الرئيس باراك اوباما في عقيدته كما عرضها لمجلة اتلاتنيك عندما انتقد «استبداد اردوغان، ورفضه ارسال جيشه الى سوريا»، فيما كان الاتراك يصرون على الذهاب مع الاميركيين الى مواجهة الجيش السوري، وليس بمفردهم.