رهان بريطانيا “الخاسر” على الحصان السعودي
تعتقد بريطانيا أنها يمكن أن تستعيد توزانها على المستوى السياسي والاقتصادي بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي نتيجة لعلاقاتها مع الممالك الخليجية. ففي نهاية المطاف يعتمد هؤلاء الحكام على الدعم الأميركي والبريطاني للبقاء في السلطة، بيد أن بريطانيا قد تكون تراهن على الحصان الخطأ في الوقت الخطأ.
لماذا تنفق الحكومة البريطانية هذا الكمّ من الوقت والجهد لكسب ودّ حكام البحرين، هذه الدولة الصغيرة سيئة السمعة لسجن وتعذيب منتقديها؟ وهي تفعل ذلك في الوقت الذي توشك فيه محكمة بحرينية على إصدار حكم بحق الناشط المدافع عن حقوق الإنسان نبيل رجب المعتقل في سجن انفرادي مليء بالنمل والصراصير، قد يصل إلى 15 عاماً على خلفية كتابته تغريدات تنتقد التعذيب في البحرين والقصف السعودي لليمن.
مؤخراً أعلن أن الامير تشارلز ودوقة كورنويل كاميلا سيقومان بزيارة رسمية للبحرين في تشرين الثاني/ نوفمبر بهدف تطوير العلاقات بين البلدين. البحرين باتت في الآونة الأخيرة مقصداً لكبار المسؤولين البريطانيين من بينهم وزير التجارة العالمية ليام فوكس الذي التقى في أيلول/ سبتمبر الماضي ولي العهد ورئيس الوزراء ووزير التجارة. ويبدو أن هذا لم يكن كافياً إذ وجد وزير الدولة للشؤون الخارجية لأوروبا آلان دونكان في الأيام الماضية أنه من الضروري زيارة البحرين حيث التقى الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ووزير الداخلية رشيد آل خليفة المتهمة وزارته بالمسؤولية عن أسوأ الانتهاكات لحقوق الإنسان في البحرين منذ سحق تظاهرات الربيع العربي في 2011 بمساعدة القوات السعودية.
أن يجد السير آلان، الذي يتولى مسؤولية العلاقة مع أوروبا في مرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، ضرورة في زيارة البحرين لهو أمر يثير الاستغراب.
يسأل أحمد الوادعي مدير معهد البحرين للحقوق والديمقراطية “لماذا آلان دونكان موجود في البحرين؟ لا عمل له هناك بالنظر إلى مسؤوليته كوزير دولة لشؤون أوروبا”. لكن السير آلان لديه سجل طويل من مصادقة الممالك الخليجية، قائلاً في مقابلة صحفية في تموز/ يوليو سابقة إن السعودية “ليست ديكتاتورية”.
هناك العديد من الأسباب التي لا علاقة لها بحقوق الإنسان تحرك الحكومة البريطانية من بينها الاتفاق الأخير على توسيع القاعدة البريطانية البحرية في البحرين على أن تتولى المنامة تكاليف ذلك.
في شهادتها أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان قالت الحكومة إن المرافق البحرية البريطانية في الجزيرة تمنح البحرية الملكية القدرة على العمل ليس في الخليج فقط بل أيضاً في البحر الأحمر وخليج عدن وشمال غرب المحيط الهندي. وقال خبير آخر إن المملكة بالنسبة لبريطانيا هي “بديل للتواجد الدائم لحاملة طائرات في الخليج”.
هذه الأحلام باستعادة القوة البحرية قد تكون غير واقعية لكن المسؤولين البريطانيين ربما يستندون إليها حالياً لاعتقادهم أن بريطانيا يمكن أن تستعيد توزانها على المستوى السياسي والاقتصادي بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي نتيجة لهذه العلاقات مع الممالك الخليجية. ففي نهاية المطاف يعتمد هؤلاء الحكام على الدعم الأميركي والبريطاني للبقاء في السلطة.
لكن البحرين أكثر أهمية مما تبدو عليه كونها خاضعة للتأثير السعودي وما يرضي آل خليفة يرضي آل سعود. بيد أن بريطانيا بخنوعها للسعودية وممالك الخليج قد تكون تراهن على الحصان الخطأ في الوقت الخطأ.
أيّا كان ما يقوم به السعوديون وممالك الخليج في سوريا، فإنه لم ينجح. لقد كانوا ينشرون جذع الشجرة الذي وقفوا عليه من خلال نشر الفوضى والدعم المباشر أو غير المباشر لتنظيمات على شاكلة القاعدة مثل داعش والنصرة. كذلك فإن التنافس مع إيران والقوى الشيعية جعل الممالك السنية تتراجع بعد تصاعد الحرب الشرسة في اليمن والتي فشلوا في ربحها.
في الأسبوع الماضي عانت السعودية من انتكاستين بدتا أكثر خطورة من غيرهما. يوم الأربعاء صوّت الكونغرس لصالح إسقاط الفيتو الرئاسي بخصوص قانون 11 أيلول/ سبتمبر بما يسمح لأهالي ضحايا الاعتداءات بمقاضاة السعودية. من وجهة نظر الرأي العام الأميركي فإن الحكام السعوديين يدفعون أخيراً ثمن دورهم في نشر التطرف والقصف في اليمن.
الانتكاسة الثانية مختلفة لكنها تترك أيضاً السعودية ضعيفة. في مؤتمر أوبك في الجزائر تخلت السعودية عن سياستها الطويلة الأمد بضخ النفط بالقدر الذي تريده ووافقت على خفض الإنتاج بهدف رفع سعر النفط الخام. أما الدافع المحتمل لهذه الخطوة فكان نقص الأموال.
إن آفاق هذا الاتفاق الجديد ضبابية لكن يبدو أن إيران حصلت على أكثر مما تريد في العودة إلى مستوى إنتاجها قبل فرض العقوبات. من المبكر رؤية السعودية والدول الحليفة لها في الخليج على الطريق المنحدر الذي لا مفّر منه لكن لا شك أن قوتها بدأت تنحسر.
المصدر: اندبندنت – ترجمة الميادين نت