رسالة الجمهوريين إلى إيران: تحذير صادق أم حيلة دعائية؟
أشعلت الرسالة التي وجهها 47 عضوا جمهوريا في الكونغرس الأمريكي إلى إيران بشأن مستقبل أي اتفاق نووي قد يعقده الرئيس باراك أوباما مع طهران، نقاشا حاميا في الأوساط السياسية الأمريكية.
يتحدث الجمهوريون والديمقراطيون، على حد سواء، عن ضرورة ضمان وفاء إيران بالتزاماتها في إطار الصفقة النووية المرجوة. لكن هناك سؤال آخر يطرح نفسه: هل ستلتزم واشنطن نفسها بالاتفاق المستقبلي، نظرا لموقف الكونغرس الذي بات الجمهوريون يسيطرون عليه بمجلسيه؟
يذكر أن المنظومة السياسية في الولايات المتحدة شهدت تغيرات كثيرة منذ تأليف دستورها في عام 1787. وعاشت البلاد خلافات كثيرة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على خلفية تقسيم صلاحياتهما. ويمنح الدستور الرئيس حق التوقيع على قانون تبناه الكونغرس أو استخدام حق الفيتو ضده. ويمكن للكونغرس تجاوز الفيتو وتمرير القانون بغض النظر عن موقف الرئيس في حال صوت ما لا يقل عن ثلثي أعضاء كلا المجلسين لصالح ذلك. كما أن للرئيس الحق التوقيع على اتفاقات دولية، لكن المصادقة على تلك الاتفاقات تتطلب موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ.
ويعني ذلك أن تمرير الاتفاق النووي مع إيران سيكون أمرا صعبا للغاية بالنسبة لأوباما في حال أراد الحصول على موافقة مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون. وحتى في حال المصادقة على الاتفاق النووي وتحويله إلى اتفاقية دولية، سيكون للكونغرس في المستبقل حق المبادرة إلى الخروج من الاتفاقية أو بعض بنودها.
وتحذر رسالة الجمهوريين القادة الإيرانيين من أن أي اتفاق تعقده واشنطن مع طهران بشأن البرنامج النووي الإيراني، لم يكون إلا اتفاقا تنفيذيا. وتشدد الرسالة على الفرق بين اتفاقية دولية صدق عليها الكونغرس واتفاق بسيط بين أوباما وخامنئي. ويلفت الجمهوريون إلى أن الرئيس الجديد للولايات المتحدة قد يتخلى عن مثل هذا الاتفاق التنفيذي بسهولة، كما يمكن للكونغرس الأمريكي بتشكيلته الجديدة تعديل شروط الاتفاق في أي وقت.
ويقول هاري ساباتو أستاذ العلوم السياسية بجامعة فيرجينيا إن الرسالة التي نشرها الجمهوريون تعد خطوة غير عادية وتأتي في سياق تصاعد المعركة السياسية التي بدأت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما فرض الجمهوريون سيطرتهم على كلا مجلسي الكونغرس. وتابع الخبير يقول إن الجمهوريين لا يملكون مقاعد كافية في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ لتمرير قوانين بأنفسهم، كما تمنعهم من ذلك الخلافات الداخلية في صفوفهم. لكن بإمكانهم إرسال مثل هذه الرسائل لعرقلة المفاوضات بشأن اتفاقية دولية أو اتفاق تنفيذي لا يقبلونه.
وشدد الخبير على أن أي اتفاق مع إيران لا يتم رفعه إلى مجلس الشيوخ كاتفاقية، سيعتبر اتفاقا تنفيذيا، يمكن للرئيس الجديد إلغاؤه في أية لحظة. وأكد ساباتو أن على أوباما أن يقدم اتفاقه مع طهران إلى الكونغرس، إذا أراد أن يكون هذا الاتفاق طويل الأمد.
واتهم الديمقراطيون في البيت الأبيض والكونغرس الجمهوريين الـ47 للموقعين على الرسالة المفتوحة إلى القادة الإيرانيين بمحاولة إفشال جهود الرئيس أوباما في إطار المفاوضات السداسية الخاصة بتسوية القضية النووية الإيرانية.
ويرى الديمقراطيون أن مبادرة الجمهوريين تأتي بمثابة دفع واشنطن نحو حرب مع طهران. وقال هاري ريد زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ إن دوافع الجمهوريين تتعلق بعدائهم تجاه أوباما، إذ يتجاهلون موقف الشعب الأمريكي الذي انتخبه رئيسا مرتين على التوالي. وأعاد إلى الأذهان الخلاف العميق بين الديمقراطيين والرئيس السابق جورج بوش بشأن الحرب في العراق، وشدد على انه كان من المستحيل آنذاك أن يرسل أعضاء في الحزب الأمريكي أية رسالة إلى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
بدوره قال جون بايدن نائب الرئيس الأمريكي أنه “بدون الدبلوماسية أو زيادة الضغط (على إيران) يزيد احتمال اللجوء الى القوة العسكرية، وذلك في الوقت الذي تقوم فيه قواتنا بمحاربة الدولة الإسلامية”.
وذكر نائب الرئيس الأمريكي بأن الغالبية الساحقة من الاتفاقيات الأمريكية الدولية تعمل دون مصادقة الكونغرس، مشيرا بهذا الخصوص، كمثال قريب على نجاح الدبلوماسية، الى الاتفاقيات الروسية – الأمريكية المشتركة إزاء حل مشكلة السلاح الكيميائي السوري.
من جانبهم، يوضح الجمهوريون أنهم قلقون من مدى صدق إيران خلال المفاوضات السداسية الخاصة ببرنامجها النووي. ويخشى العديد من أعضاء الحزب الجمهوري من أن تبقى الصفقة المحتملة بين واشنطن وطهران غير كافية وغير قابلة للتطبيق، والا تحول في نهاية المطاف دون حصول طهران على سلاح نووي.
وكان السيناتور الجمهوري توم كوتن الذي كتب الرسالة إلى “قادة جمهورية إيران الإسلامية” قد دافع في سلسلة تصريحات متلفزة له، عن الرسالة وأهدافها، نافيا ان تكون تستهدف زعزعة مواقف أوباما في المفاوضات مع إيران.
وقال: “لا. إننا نريد أن نكون واثقين من أن القادة الإيرانيين يدركون أن الكونغرس لن يقبل صفقة لم يوافق عليها أولا”.
وكان أوباما نفسه قد سخر مما وصفه بأنه “تحالف غير عادي” بين أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي والمحافظين الإيرانيين، مشددا على أنه سيواصل جهوده الدبلوماسية وسيدافع عن الموقف الأمريكي الثابت في المفاوضات.
أما وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف فرد على الرسالة أيضا، ووصفها بأنها “حيلة دعائية”، معيدا إلى الأذهان أن العديد من الاتفاقيات الدولية ليست في حقيقة الأمر سوى “اتفاقات تنفيذية”.
هذا ويقول مسؤولون أن الأطراف المشاركة في المفاوضات السداسية بشأن البرنامج النووي الإيراني تناقش امكانية عقد اتفاق يُطبق على مراحل ويقضي بتعليق البرنامج الإيراني لتخصيب اليورانيوم لمدة 10 سنوات على الأقل، وذلك مقابل رفع القيود المفروضة على طهران بشكل تدريجي.
وتصر الإدارة الأمريكية على أنها تملك صلاحيات كافية لرفع معظم القيود المفروضة على إيران من قبل الولايات المتحدة في مجالات التجارة والنفط والمالية، مقابل تعهد الإيرانيين بتعليق البرنامج النووي. أما الإجراءات الأخرى التي قد ينص عليها الاتفاق النووي المرجو، فتسكون موافقة الكونغرس ضرورية لتطبيقها.