رسائل التشويش المزدوج .. والقطاف الأحادي
موقع إنباء الإخباري ـ
بقلم حسن شقير*:
في رسالته الرابعة ، الخفية و المعلنة ، إلى قائد الثورة الإسلامية في إيران ، السيد علي الخامنئي ، بعث الرئيس الأمريكي من خلالها ، برسائل عديدة ، و في أكثر من اتجاه ، وذلك تخطياً ، للجمهورية الإسلامية المعنية الأولى ، بالرسالة – الأم .
منذ لحظة إزاحة المستور عن تلك الرسالة ، انطلقت ، وما زالت التحليلات والتفسيرات ، وكذا الخلفيات والتداعيات ، لهذا الحدث المكرر ، محاولة سبر أغواره ، وانعكاسه الحالي والمستقبلي على العلاقات الإيرانية – الأمريكية ، ومن ثم ، ومن خلالها على العلاقات الدولية برمتها على حد سواء ..
رأى البعض في هذه الرسالة ، أنها محاولة أمريكية للتعويض عن الفشل الذي حصدته هذه الدولة من خلال حلفائها التقليديين ، كتركيا والسعودية ، وغيرهم من دول التحالف في المنطقة ، وذلك في حربهم المزعومة على داعش ، وذهب هؤلاء إلى أن طرق أمريكا للأبواب الإيرانية ، ما هو إلا ّ نتيجة حتمية لذاك الفشل المذكور …. بينما رأى فريق أخر أن المقاصد الحقيقية لتلك الرسالة ، لا تعدو كونها رسالة تطمين أمريكية لرأس الهرم في إيران ، بأن عامل الثقة المفقود من قبل هذا الأخير بأمريكا وسعيها المديد لقلب نظام الحكم في إيران ، بأنه أصبح ماضياً في السياسة الأمريكية تجاه الجمهورية الإسلامية … وبالتالي تأتي هذه الرسالة الخاطبة للود والتعاون مع الجمهورية فيما خص محاربة داعش ، خير دليل على تغيير النهج والاستراتيجية الأمريكية تجاه نظام الحكم في إيران … في حين أن أخرين ، اعتبروا أن هذه الرسالة هي مقدمة حتمية لإتمام الإتفاق النووي النهائي مع إيران ، وذلك في خضم التفاوض الجاري بشأنه في عُمان حالياً ، والذي يضيق الهامش الزمني له ، والمفروض أنه سينتهي بحلول الرابع والعشرين من الشهر الحالي ..، وقد أردف هؤلاء أن أوباما يسعى من خلال هذا الإتفاق – الإنجاز له ولحزبه الديموقراطي ، وذلك عقب هزيمة هذا الأخير في الإنتخابات النصفية لمجلسي الكونغرس … وذلك قبيل استلام الجمهوريين لدفة القيادة لهما ، بحلول العام القادم ..
سنحاول في هذه العجالة ، تسليط الضوء ، على هذه القراءات أعلاها ، وذلك بغية جلاء الصورة الخلفية لتلك المقاصد الأمريكية لهذه الرسائل ، وخصوصاً أن القيادة الإيرانية ، وللمرة الرابعة على التوالي ، تمتنع عن الرد مباشرة عليها.. وهذا بالتأكيد له دلالات ذات بُعد استراتيجي لهذه القيادة ، وذلك من خلال فهمها الخاص لمغزاها الحقيقي …
التعاون في الحرب على داعش ، مفتاح التوصل لإتفاق نووي
لا تخلو النبرة الأوبامية التي وردت في تلك الرسالة الموجهة للمرشد في إيران ، من نبرةٍ ، ظاهرها الترغيب ، وباطنها الترهيب والتهديد ، وذلك أن جعل الأول مفتاحاً للثاني ، وهي أشبه بشروط مسبقة تُفرض على الجمهورية في ظل المفاوضات النووية الحاصلة ، لا بل أنها رسالة أمريكية لإيران بضرورة ضم الملفات بعضها إلى بعض ، ورفض الفصل والتجزئة الإيرانية بينها … وبناءً على ذلك ، فإن أمريكا بطرحها هذا ، تتوخى من إيران أن تتخلى عن استراتيجيتها المنفصلة في حربها ضد الدواعش ، والتي سبق لي أن أسميتها ب “استراتيجية الإنغماس المدروس في الحرب على الدواعش ” ، والسير باستراتيجية التكامل مع أمريكا في حربها المزعومة على الإرهاب…
تدرك إيران تمام الإدراك ، بأن تخليها عن تلك الإستراتيجية ، وتبنيها لهذه ، سيكون له تداعيات جمة على علاقاتها بالمحور التي تنتمي إليه اليوم ، فضلا ً عن مكانتها المُشرّفة في ضمير ووجدان من تبقى في العالم الإسلامي ، والذي يحمل هم فلسطين وقضيتها ، ويرى في إيران بأنها أبعد ما تكون عن البراغماتية في هذه القضية بالتحديد ، والتي تسعى أمريكا – أوباما ، ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض في العام ٢٠٠٨ ، إلى ” تعرية الجمهورية الإسلامية ” وجعلها تظهر بمظهر المتخلي عن قضاياها ومبادئها المحورية في الأمة ( راجع تصريحات وزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبرت غيتس في بداية عهد أوباما ، عندما قال ” .. سنعمل على تعرية أعدائنا ، إيران والقاعدة وحزب الله .. ” ) ، وبالتالي فإن قبول إيران بذلك ، سيعطي دفعاً لأكاذيب داعش ، حول ادعائها باجتماع ” الكفر والروافض ” عليها ، مما سيزيد من تعويمها لدى الكثير من الشرائح الشعبية الساذجة في الأمة ، فتغرق إيران أكثر واكثر في استنزاف التبيان والمحاججة ، ومزيدٍ من استنزاف طاقاتها .. هذا فضلا ً ، عن أن ذلك سيسبب شروخاً حتمية في علاقاتها المتينة مع كل من روسيا ، وباقي حلفائها في دول وأطراف المملنعة … وهذا كله بالتأكيد ، لن تقع القيادة الإيرانية في في براثنه .
طمأنة النظام الإسلامي واستقراره ، وإرهاصات الإتفاق النووي
أسلفنا أن البعض ، اعتبر أن رسالة أوباما هذه ، هي محاولة أمريكية لطمأنة النظام الإسلامي في إيران ، بأن السياسة الأمريكية السابقة في السعي الحثيث لزعزعة استقرار هذا النظام ، قد ولّت إلى غير رجعة .. وأن ” أمريكا – الجديدة ” قد أقلعت عن ذلك ..! إلا ّ أن ذاك الثوب الأمريكي الزائف ، لا يصمد كثيراً أمام ما تقوم به اليوم ، وبالإتفاق مع السعودية في إشعال معركة نفطية جديدة ، هدفها الأول والأخير – بإجماع الخبراء – هو الضغط أكثر فأكثر على الإقتصادين الإيراني والروسي ، وجعل الأول منهما ، في مرحلة التفاوض الجارية حالياً يرزح تحت عبء حرمان إيران من أية عوائد مالية تذكر، تعول عليها في إنعاش الإقتصاد والحياة الكريمة للمواطن الإيراني حالياً … لا بل أن هؤلاء الخبراء رأوا أن السياسة النفطية للسعودية في هذه الأيام ، قد تكاملت مع نظيرتها الأمريكية في ضرورة حرمان إيران من أية عائدات نفطية قادمة ، وذلك في مرحلة ما بعد إنجاز الإتفاق النووي مع إيران ، وذلك عبر إغراق السوق النفطية بالمعروض سعودياً وخفض أسعاره المتتالية ، وذلك لحرمان الجمهورية من أية إمكانية في زيادة إنتاجها ، والتي تأمل أن تكون بحوالي الثمانية براميل من النفط الخام يومياً …
نتساءل : هل هذه الحرب النفطية الحالية التي تُشن على الإقتصاد الإيراني المثخن بالجراح نتيجة العقوبات الأمريكية عليه ، هي الأداة التنفيذية لإفراغ الإتفاق النووي المأمول حصوله مع إيران ، من مضمونه ومأموله الإيراني ؟ تساؤلّ لا بد أن نأخذه بعين الإعتبار .
لأجل ذلك كله ، فإننا نعتقد أن هذه الحرب النفطية التي تُشن على الإقتصاد الإيراني ، أنياً ومستقبلياً ، والتي تحدث بلا شك برضى ومباركة أمريكية ، تدحض كل تلك التأويلات لتلك التطمينات التي وردت في رسالة أوباما ، وتحديداً فيما خص تعديل السياسة الأمريكية تجاه السعي لتغيير النظام الإسلامي في إيران .
بخلاصة القول ، لا شك بأن هدف الإنجاز النووي ، والذي يريد أوباما أن يجنيه لصالحه ولصالح حزبه المتعثر في الإنتخابات الأمريكية الأخيرة .. هو هدف مأمول لديه بالتأكيد … إلا ّ أننا نعتقد أن سياسة الرسائل الأوبامية ، والتي تبدأ مستورةً ، ولكنها سرعان ما يتم الكشف عنها، وعن مضمونها ، ما هي إلا ّ رسائلٌ ترغيبية ، ترهيبية ، ذات طابع تشويشي مزدوج ، يبرع أوباما في الرقص على حبالها .. وذلك إن لناحية إيران وحلفائها التقليديين ، أو لناحية حلفاء أمريكا ، ابتداءً من الكيان الصهيوني ، إلى غيره من دول التحالف الجديد معها …
فأوباما الماكر ، يُحاول أن يصيب برسائله تلك ، عصفوران بحجرٍ واحد ، بحيث أنه يسعى من خلال الإعلان عنها بث التفرقة والشكوك ، إن في الداخل الإيراني ، تجاه كيفية التعاطي معها ، وأيضاً في صفوف بنيان دول محور الجمهورية الإسلامية ، وعلاقاته مع الراعي الروسي – الصيني على حد سواء، وبالتالي خلخلة عرى التوافق بين هؤلاء ، وزرع الشكوك فيما بينهم …. هذا من جهة ، وفي المقلب الأخر يُصيب أوباما برسائله هذه ، حلفائه التقليديين والحاليين ، مما سيزرع الخوف والخشية لديهم من امكانية استبدالهم ، والإستغناء عن خدماتهم ، فيما لو ازدادت خلافاتهم فيما بينهم ، أو حتى ارتفعت أسقف مطالبهم بالثمار التي يأملوا بتحقيقها في المنطقة ، وذلك في مرحلة توزيع الغنائم عليهم …مما سيجعل من هؤلاء أكثر التصاقاً بأمريكا ، بدلا ً من أية أفكار قد تراود بعضهم ، بإمكانية الإنعتاق من نير هذه الإمبراطورية ….
وحدها أمريكا في رسائل التشويش المزدوج تلك ، تبقى رائدةً في القطاف ، وعلى المقلبين مع الأسف .
باحث وكاتب سياسي