ديوان المحاسبة يكشف بالأسماء والأرقام فضائح مغارة «علي بابا» في قطاع الاتصالات
جريدة البناء اللبنانية-
عمر عبد القادر غندور:
قبل ذلك كان عنوان مقالنا «لبنان ليس مفلساً بل منهوب»، ثم أتى تقرير ديوان المحاسبة في 146 صفحة عن قطاع الاتصالات في لبنان، ليؤكد انّ لبنان واللبنانيين ضحايا النهب والاختلاس والاحتيال والتوظيف الانتخابي والجشع وسرقة المال العام بمعرفة وزراء ومسؤولين وسماسرة ولا من يُحاسِب أو يُحاسَب، وكلها جرائم لها طابع جزائي يجب ان تُحوّل الى القضاء العدلي.
قطاع الاتصالات الذي يُعتبر «نفط لبنان» هو منهوب حسب الغرفة الرابعة ولجنة الاتصالات النيابية وديوان المحاسبة وهيئة الاستشارات والتشريع وكلها توصّف الاختلاس المتوارث وخصوصاً في قطاع الخلوي، علماً انّ اللبناني يدفع 23 دولاراً ثمن بطاقة تشريج شهرياً وهو سعر بالغ الارتفاع مقابل أربع دولارات في بلد مماثل !
وقد احتوى تقرير ديوان المحاسبة على تفاصيل توضح بالأرقام المخالفات والاختلاسات والهدر والفساد والتجاوزات القانونية التي تعاقبت على هذا القطاع بشراسة منذ العام 2010 الى 2020 !
ولبنان قد يكون ضعيفاً لاعتماده على الاستيراد ولكنه ليس الى حدّ خسارة عملته 90% من قيمتها، وهو البلد الذي له جالية تفوق عدد المقيمين بثلاثة أضعاف وتمتلك كفاءات عالية، وهو بلد ذو طبيعة سياحية ومناخ لا يتوفر مثله في حوض البحر المتوسط. ومع ذلك سقط سقوطاً مدوياً بعد سقوط نظامه المصرفي الذي سطا على ودائع المواطنين، والفساد الذي ينخر المؤسسات، ولا يوجد في سجونه متهم واحد بالفساد وسرقة المال العام!
ونورد بعض ما جاء في تقرير ديوان المحاسبة وهو غيض من فيض إداراتنا الرسمية :
أسهب التقرير في عرض مزاريب الهدر في قطاع الخلوي وقدم عرضاً موجزاً لأبرز المحطات التاريخية التي مرّ بها القطاع منذ العام 1994 وصولاً الى اليوم. لكن اللافت انّ التقرير يشير الى انّ القطاع حقق ما بين 2010 و 2020 إيرادات فاقت 17 مليار دولار، وساهم في رفد الخزينة العامة بنحو 11 مليار دولار، ما يعني انّ قطاع الاتصالات هو أحد أكبر مصادر إيرادات الدولة على مدى سنوات طويلة، لكن الرقم نفسه يعني أيضاً تشغيل الشبكة التي تضمّ أربعة ملايين مشترك كلّف خلال هذه المدة 6 مليارات دولار، وهذا رقم ضخم بكلّ المقاييس، إذ لا يعقل أن يكلف تشغيل الشبكة 32% من العائدات، بالرغم من انّ الشركتين لا تدفعان التكاليف التي عادة ما تدفعها شركات الاتصالات، مثل رسوم الترخيص والرسوم التي تعود الى الهيئة المنظمة للاتصالات. علماً انه وجدت هذه التكاليف، ولو كان أسعار الخلوي تُسعّر أسوة بالدول المحيطة بدلا من تحوّلها الى ضريبة مخفية لكان القطاع تعرّض لخسائر مؤكدة.
من مبلغ الست مليارات دولار كلفت المصاريف الاستثمارية الدولة 1.4 مليارات دولار، منها 650 مليون دولار كلفة تطوير الشبكات التقنية فقط لتكون نسبة مشاريع الشبكات 39% من مجموع الإنفاق الاستثماري المضخم والملغم أصلاً!
الأمثلة التالية تبيّن الخفة في التعامل مع المال العام، وكأنه مال سائب، بل هو مال سائب، ما يُفسّر تضخيم الإنفاق لأسباب مشبوهة تطال رؤوساً كبيرة وأزلاماً ومخططين ولصوصاً وحرامية.
ـ مشروع تطوير شركة «تاتش» (ميك 2) لمشروع الجيل الثاني: سنة 2012 في عهد الوزير نقولا صحناوي، قامت الشركة بالتعاقد مع شركة ZTE لاستبدال شبكة Motorola القديمة على كامل الأراضي اللبنانية بكلفة 27,9 مليون دولار، وخلال العام نفسه قامت الشركة بإضافة أشغال وتوسيع وتحديث الشبكة لتصبح الكلفة الإجمالية للمشروع 72 مليون دولار، وبعد ست سنوات فقط من بداية المشروع ايّ في عهد الوزير جمال الجراح فكّكت الشركة كامل الشبكة ZTE واستبدلتها بشبكة Hauwei بكلفة تفوق 90 مليون دولار من أجل السماح لشركة ZTE بالتوافق التقني مع شبكتها.
ـ مشروع الجيل الثاني في ألفا (ميك 1) كلفة زيادة عدد المشتركين بـ 400 ألف مشترك تجاوزت 37 مليون دولار بين عامي 2009 و 2010.
ـ مشروع الجيل الثالث في «تاتش» بدأ عام 2011 بكلفة 25,6 مليون دولار لمليون مشترك وانتهى في العام 2012 بكلفة 128,3 مليون دولار بـ 1,5 مليون مشترك .
وهكذا دواليك.
وفي 5/5/2020 قرّر مجلس الوزراء نقل إدارة الشركتين الى ادارة وزارة الاتصالات، ولم يطبّق حسب الأصول إنما أبقي الوضع على حاله بمجلس أدارة من أعضاء سابقين او موظفين من الشركتين يتمّ اختيارهم حسب طريقة المحاصصة المذهبية من غير نظام حوكمة جديد يتماشى مع قرار استرداد الإدارة من غير وجود هيئة إشراف ومن غير رقابة على أعمال الشركتين، وتمّ حصر الصلاحيات بشخص الوزير !!
وفيما كان من المفترض ان يؤدّي هذا التدبير، طبعاً من خلال الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن حرص الوزارة على عدم هدر المال العام، غير انه تبيّن انّ الإيرادات كانت الى تناقص والنفقات الى ارتفاع، ولم يكن هناك ايّ خطة لخفض الإنفاق الرأسمالي والتشخيصي الذي اعتُبر باهظاً جداً جداً مقارنة بمساحة لبنان وعدد المشتركين وقرب المسافة بين المحطات.
وكان لافتاً بحسب الدراسات وبالرغم من ارتفاع عدد المشتركين من 3 الى 4 مليون مشترك، الا انّ النفقات التشغيلية والرأسمالية ارتفعت بين 2010 و2018 بنسبة 128% مع العلم انّ متوسط الدخل من المشتركين بلغ 29 دولاراً وهو ما يُعدّ من أعلى الأسعار عالمياً ويتجاوز الأسعار في الدول المشابهة بأكثر من ثلاثة أضعاف !!
وبحسب الأرقام المقدمة من الشركتين يتبيّن ان المصاريف الاستثمارية من 2010 الى 2020 بلغت في ألفا 952 مليون دولار وفي تاتش 690 مليون دولار، في المقابل بلغت المصاريف التشغيلية في «ألفا» مليار و 167 مليون دولار مقابل مليار و150 مليون دولار في «تاتش».
وشهد الإنفاق على بدلات الإيجار ازدياداً مضطرداً بين 2012 و 2018 فبلغت القيمة الإجمالية لبدل إيجار المباني الرئيسية والمحطات والمستودعات والمكاتب والمواقف لشركة «ألفا» خلال العام 2018 (22.3 مليون دولار) ووصلت في «تاتش» الى ٢١ مليون دولار اما إجمالي بدلات الإيجار المدفوعة من قبل شركة «ألفا» عن (2010 _ 2018 ) 168 مليون دولار اما «تاتش» في خلال الاعوام نفسها 141 مليون دولار من دون بدلات ايجار مبنى سوليدير.
وهكذا، فالفساد إذا قام به الموظف او المسؤول سراً فضرره لا يعود إلا لمن قام به على المدى القصير، وإذا شاع وانفضح وانبعثت روائحه كما هو الحال عندنا فيصيب الدولة والشعب.
«وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ»