دول الجنوب… «القلب» أميل إلى الشرق
صحيفة الوطن السورية-
عبد المنعم علي عيسى:
برز مصطلح «دول الجنوب» في «قمة السبع» التي انعقدت في هيروشيما اليابانية شهر أيار الماضي كتحد ثالث من بين التحديات التي يواجهها نظام الهيمنة الغربي على العالم جنباً إلى جنب مع روسيا والصين، وهو، أي ذلك التحدي الثالث، يكتسب مشروعيته من نظرة غربية مفادها أن الموقف الذي ستتخذه تلك الدول من الصراع الدائر راهناً ما بين الغرب من جهة وبين روسيا والصين من جهة ثانية سوف يكون كما «بيضة القبان» في ترجيح كفة أحدهما على الآخر انطلاقاً من الثقل الاقتصادي الذي تمثله، فيما الرهان الغربي على اجتذاب «دول الجنوب» نحو كفته يقوم على محور أساسي يتمثل بضخ المزيد من الاستثمارات في بناها التحتية خصوصاً أنها، أي تلك الدول، لا تحوي «فضاءات» إيديولوجية عدائية تجاه الغرب سواء أكان ذلك تجاه منظومة القيم والأفكار التي يعتمدها هذا الأخير، أم تجاه أسلوب الإنتاج الذي يفرض بدوره نمطاً من العلاقات السياسية والاجتماعية، حتى إنه يمكن القول: إن «التقارب» هنا ما بين الطرفين يبدو شديداً.
قبيل انعقاد اجتماع «أصدقاء مجموعة بريكس»، التي تضم جزءاً هو الأوزن من دول الجنوب، مطلع شهر حزيران الجاري على مستوى وزراء الخارجية بمدينة «كيب تاون» الجنوب إفريقية تمهيداً للقمة السنوية التي ستحمل الرقم 15 لتلك المجموعة المقرر انعقادها بمدينه جوهانسبرغ أوائل شهر آب المقبل، انعقدت «قمة أميركا اللاتينية» بالبرازيل حيث الهموم والمشتركات أكثر من أن تحصى بين دول القارة، وفيها، أي في قمة أميركا اللاتينية، كان الرئيس البرازيلي لولا داسيلفا ينشط لترميم العلاقات الديبلوماسية بين المجتمعين تمهيداً لخلق تكتل وازن على الساحة العالمية وهو يهدف لـ«التوصل إلى عملة محلية تتيح لدول القارة القيام بأعمال تجارية من دون الاعتماد على الدولار» وفقاً لما قاله الأخير في مقابلة أجريت معه قبيل انعقاد القمة، ثم أضاف: إن ذلك يمثل «حلماً يراوده لأن الولايات المتحدة هي من تملك الدولار، وهي القادرة على فعل ما تريده به»، والمؤكد هنا أن الفعل، فيما لو نجح، فإنه سيمثل ضربة قوية لأحد عوامل القوة الأميركية التي يشكل «ريع الدولار» ربع ناتجها القومي، ناهيك عن أنه سيضعف من تأثير العقوبات التي تفرضها على شتى الدول التي تحاول «التفلت» من قبضتها، وإن كانت المحاذير تجاه مشروع كبير من هذا النوع عديدة بل وتكمن خطورتها في أن «الضرب» هنا يصبح موجعاً «تحت الحزام» بشكل من الصعب على المتلقي تجاهله.
يمكن القول إن المناخات التي تجري التحضيرات فيها لانعقاد القمة ضاغطة بدرجة كبيرة عليها، فالغرب يعلي الصوت عن نشاط صيني روسي لتوجيه ضربة كبرى للهيمنة الغربية على النظام العالمي من جهة، ومن جهة أخرى يرى أن انزياحات «دول الجنوب» تجاه ذلك النشاط باتت تميل بدرجات متزايدة نحوه تمهيداً لتراصف نهائي يبدو أنه غير بعيد، وإذا ما كانت برازيل لولا داسيلفا قد شقت «عصا الطاعة» في ولاية هذا الأخير الأولى ثم ظهرت في الثانية وكأنها تبدي استعداداً أكبر لتعميق الفعل، فإن جنوب إفريقيا ليست بمنأى عن تلك السياقات، فعلى هامش انعقاد «كيب تاون» قالت وزيرة خارجية هذي الأخيرة نالدي باندور: إن «إعلان إنشاء عملة خاصة بمنتدى بريكس سيكون بنداً رئيساً على جدول أعمال قمة جوهانسبرغ».
هذا الحديث تزداد خطورته على الغرب بنتيجة مفاعيل عديدة أبرزها أن الأحداث المتسارعة منذ مطلع هذه الألفية أخرجت إلى السطح العديد من أوجه القصور التي يعاني منها النظام الدولي المتولد بنتيجة سقوط نظام القطبية الثنائي العام 1991، وفي الغضون راحت العديد من «دول الجنوب» تحجز لها مقاعد في «قمة العشرين» لكن «الهيمنة الغربية» عليها راحت تدفع إلى نسج علاقات اقتصادية وازنة فيما بينها أولا ثم فيما بينها مجتمعة مع الصين الأمر الذي يشكل، بالنسبة للغرب، تحدياً لا بديل عن مواجهته فيما السهام تبدو وكأنها عاجزة عن إصابة الأهداف.
ما يثير مناخات التوتر العالمي هو أن الأميركيين يبدون اليوم نزوعاً كبيراً للتمسك بـ«تفوقهم» و«سيادتهم» العالمية على الرغم من تقلص قدراتهم على فرض الأجندة التي يريدون فرضها، وكذا على الرغم من بروز ظواهر عدة تشير كلها إلى أن فعل التقلص آخذ بالتمدد من نوع أن «مجموعة بريكس» أضحت تسهم بنحو 32 بالمئة من الاقتصاد العالمي متفوقة للمرة الأولى على ما تسهم به «مجموعة السبع» في هذا الأخير، ولربما كان هذا مؤشراً ليس على نهاية عصر السطوة الأميركية فحسب، بل يتعداه لأن يكون بداية لانحدار عصر السطوة الغربية على ضفتي الأطلسي المستمر منذ نحو ستة قرون.