دمشق- أنقرة ودروب «قسد» التائهة
صحيفة الوطن السورية-
منذر عيد:
شكل الاجتماع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس النظام التركي رجب أردوغان، في الخامس من آب الماضي، نقطة تحول مفصلية، في لهجة النظام التركي تجاه سورية، ومنذ تاريخه وحتى اليوم، أطلقت أنقرة العديد من التصريحات التي تؤكد سعيها للتقارب مع دمشق، كما تسربت العديد من الأخبار التي تؤكد حصول لقاءات أمنية سورية تركية، كان آخرها التقارير التي تحدثت عن لقاءات أمنية أجراها رئيس استخبارات النظام التركي حقان فيدان في دمشق، ليبقى السؤال: هل يمكن أن تعود العلاقات السورية التركية إلى ما كانت عليه قبل 2010 بهذه البساطة التي تتحدث عنها أنقرة أو ترجوها؟ والأهم من هذا كله، إذا كان النظام التركي يعمل على إعادة العلاقات مع دمشق، لضمان مصالح سياسية واقتصادية خارجية، وانتخابية داخلية، وعينه من وراء ذاك التقارب القضاء على ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد» التي يرى فيها إرهاباً وخطراً داهماً على أمن بلاده القومي، إذا كان كل ذلك هدف أنقرة من التقارب مع دمشق، فأين «الكرد» وتحديداً ميليشيات «قسد» من ذلك؟ بمعنى: على ماذا تراهن «قسد» حتى اليوم وتستمر في عنادها على قطع الطريق مع الوطن الأم، والحكومة السورية؟
قد يكون من الصعوبة، أو السابق لأوانه، الدخول في محادثات أو إجراء لقاءات سورية تركية سياسية مباشرة بين قيادات الصف الأول أو الثاني في البلدين، إلا أن من المتوقع أن تكون الخطوة الأولى حدوث لقاءات بروتوكولية، تكون بداية لكسر الجليد السياسي بينهما، وتصريحات نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف وقوله بالأمس إن موسكو «تدعم فكرة تنظيم اجتماع لوزيري خارجية تركيا وسورية، ونحن على استعداد للمساعدة في عقده إذا لزم الأمر، ونرى أن الاجتماع سيكون مفيداً، ونشجعهم على ذلك، وإذا أرادوا، فنحن على استعداد دائماً لتهيئة ذلك»، بالتزامن مع انعقاد اجتماعات أعمال الدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة وحضور وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو، يشي بأن تكون بداية كسر الجليد من نيويورك، دون الغوص في تفاصيل العلاقات، التي تحتاج إلى جولات وجولات، لتعدد الملفات الخلافية الشائكة، إذ إن دمشق تؤكد على الانسحاب التركي من الأراضي السورية والكف عن دعم المجموعات الإرهابية، فيما تزعم أنقرة أن رؤية دمشق تلك «ليست واقعية»، وبأن انسحاب الجيش التركي سيفسح المجال للتنظيمات الإرهابية للسيطرة هناك، وهذا خطر على تركيا وسورية.
إذا كان ثمة حسابات للنظام التركي من وراء محاولاته للتقارب من دمشق، سواء على صعيد علاقته مع روسيا، أم «مناكفة» واشنطن لدعمها عدوه اللدود ميليشيات «قسد»، أو إرسال رسالة إلى الداخل التركي، ومواجهة خصومه من أحزاب المعارضة، لكسب شعبية قبيل الانتخابات القادمة 2023، يبقى السؤال أين «الكرد» في شمال شرق سورية من كل ما يجري؟
من الواضح أن ميليشيات «قسد» ومنذ بداية الأزمة في سورية، وضعت نصب أعينها تحقيق الحلم الوهم، وهو إقامة إقليم مستقل، فارتضت لأجل ذلك أن تكون جسرا لدخول الاحتلال الأميركي، والتحول لاحقا أداة بيده للسيطرة على شمال شرق سورية، ودائما ما كانت غير واضحة الأهداف بما يخص علاقاتها مع الآخرين، فدائما ما كانت تهرول إلى موسكو من أجل الوساطة للتقارب مع حكومة دمشق، وإجراء حوار معها، مع كل إعلان للإدارة الأميركية عن نيتها الانسحاب من سورية، أو تتقارب مع أنقرة، وعليه شهدت السنوات الماضية العديد من اللقاءات بين دمشق وممثلين عما يسمى «الإدارة الذاتية» الكردية، سرعان ما تنتهي إلى إخفاق مع دخول واشنطن على الخط، وإرسال التلميحات بأنها لن تتخلى عن دعمها لـ «الإدارة الذاتية»، لتعود الأمور في كل مرة إلى نقطة الصفر بما يخص طبيعة العلاقة بين دمشق و«الإدارة الذاتية».
يؤكد الوضع الحالي داخل المكون الكردي في شمال شرق سورية، أن «قسد» وكعادتها لا تتعلم من دروس الماضي، ويبدو أنها لا تأخذ، حتى الآن، تصريحات النظام التركي والتقارب مع دمشق على محمل الجد، وما زالت تغرد خارج السرب، ولا تعي حقيقة ما يجري حولها، وهو ما حصل في مرات سابقة في عفرين بريف حلب وتل أبيض بريف الرقة، حين لم تعر أي انتباه لدعوات دمشق من أجل التقارب، والعودة إلى حضن الوطن، لمواجهة التهديدات التركية.
يبدو أن ميليشيات «قسد»، ما زالت تصر على سلوك دروب متهالكة وتائهة، وتمني النفس بدعم أميركي للبقاء على قيد «الأمل» دون الانتباه إلى ما يجري من متغيرات دولية، قد تدفع الإدارة الأميركية إلى بيع الورقة «الكردية» في سوق المبازرة، كما أنها تراهن على ما يبدو على ورقة سجناء تنظيم داعش الإرهابي، والتهديد بإطلاقهم في الجغرافيا السورية، وجغرافيا المنطقة، كورقة ضغط للحفاظ على مكاسبها، أو عدم تعرضها لأي خطر «وجودي»، متناسية أنها لم تكن في يوم من الأيام سوى أداة وظيفية لدى المحتل الأميركي، وعدو للتركي، وولد ضال في نظر الشعب السوري.