دخول المستشفى في لبنان للأغنياء فقط: ادفع عشرات الملايين أو مُت بصمت!
وكالة أنباء آسيا-
محمد زهوة:
لم يترك المواطن اللبناني وليد.ن بابًا إلا وطرقه لطلب العون والمساعدة في تغطية الفاتورة الإستشفائية لوالده المريض الذي تم حجزه في إحدى مستشفيات بيروت رهن استكمال التكلفة التي تبلغ 17 مليون ليرة لبنانيّة، علمًا أن الحد الادنى للأجور يبلغ 675 ألف ليرة لبنانيّة، بينما يتراوح متوسط راتب المواطن اللبناني بين مليون ومليونين ليرة، ما يعني أن على المريض العمل لمدة 10 أشهر دون طعام أو شراب أو تحقيق أي من كماليّات الحياة، كي يتمكّن من دخول المستشفى.
يخبرنا وليد أن “والدي محمد.ن مريض كورونا، دخل المستشفى بعدما اشتد عليه عارض ضيق النفس، فبقي لمدة 8 أيام. لم نتوقّع أن يصل فرق الضمان على كاهلنا الى 5 أو 6 مليون حتى، فكانت 17 مليون دون زيادة او نقصان مقابل 8 أيام فقط، المبلغ الذي وقع علينا كالصاعقة”، ويذكر أنني “صارحت إدارة المستشفى بعدزي عن تأمين قيمة الفاتورة، وصرّحت عن سرّيتي المالية التي تساوي “صفرًا” وبالتالي لا إمكانية لدي لتسديد المبلغ!”.
“بإمكاننا إجراء حسم بسيط كمبادرة إنسانية لكن لا يتجاوز المليون او المليون ونصف”، تقول إدارة المستشفى لوليد. كما حثّته على التواصل مع بعض الجمعيات الخيريّة للمساعدة في تأمين المبلغ.
يعترف نقيب أصحاب المستشفيات في لبنان سليمان هارون لوكالة أنباء آسيا بأن “المريض يتحمل فروقات كبيرة عند دخوله الى المستشفى لان تعرفات الجهات الضامنة ما زالت على حالها ولم تتغيّر بشكل يعوّض عن ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء”، موضحًا ان “المستشفيات تدفع ثمن المستلزمات الطبية والخدمات الإستشفائية بدولار الـ”Fresh” وما يوازيه، لذلك هي مجبرة على تحميل هذه الأعباء الى المرضى، علمًا أن دعم الدولة رفع عن 95 بالمئة من المستلزمات الطبية والإستشفائية”.
“فرق تغطية الضمان باهظ جدًّا على كاهل المواطن لأن سعر صرف الدولار في السوق الموازية يرتفع كل يوم، حتى وصل الى أكثر من 17 ضعفًا مما كان قبل الأزمة، يضيف النقيب هارون. ويتابع: “هذا الغلاء لن يتحمله أحد، لا المستشفى ولا الجهات الضامنة، ولم يبقَ سوى المواطن كي يدفع الثمن، مما يحول دون دخول الكثير من المرضى الى المستشفيات لأنهم عاجزين عن تسديد الفواتير، وهذا ما حذرنا منه قبل مدة، وقلنا ان حياة المريض الفقير أصبحت بخطر، ووحده الغني من يستطيع الدخول الى المستشفيات”.
من جهته يقول رئيس نقابة مستخدمي الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي ورئيس مصلحة الرقابة على المستشفيات في “الضمان” حسن حوماني أن “الصندوق ما زال يدفع للمضمون فرق الضمان لفاتورة المستشفى على سعر صرف 1500 ليرة للدولار الواحد، بينما يتكبد المواطن الفرق لغاية سعر صرف السوق السوداء الذي تسعّر على أساسه المستشفيات ويصل اليوم الى 23 ألف ليرة للدولار الواحد، وبالتالي يضطر الى دفع مبالغ خيالية تصل الى 10 مليون لأيام إستشفائية معدودة وعشرات الملايين اذا تجاوز العشرة أيام”.
حوماني كشف لوكالة أنباء آسيا أن “مدير عام الصندوق الدكتور محمد كركي رفع كتابًا الى مجلس الإدارة لرفع تعرفة الإستشفاء على الصندوق لإعانة المواطن في تغطية الفرق المالي الباهظ، لكن لغاية اليوم لم يتم البت بالموضوع، لأنه يحتّم على المجلس زيادة إشتراكات الضمان على مؤسسات القطاع الخاص مما سيسبب لها مشاكل قد تتطور الى إقفال العديد منها”، موضحًا أن “الملف ما زال قيد البحث لكن لا أجواء إيجابية لغاية اللحظة”.
بموازاة ذلك، أقرّ حوماني بأن “هناك مشكلة أكبر وأشد فتكًا على المضمون وهي أزمة شراء الأدوية، حيث أن الضمان ما زال يغطي تكلفتها على الـ1500 ليرة وكأنها ما زالت على دعمها الكامل، أي أن الدواء الذي كان يبلغ سعره مئة ألف ليرة مدعومًا، ويشتريه المواطن بحوالى المليون ليرة، لا يرد له الضمان سوى 80 ألف ليرة”.
بحرقة تؤكّد رنيم.ع نجلة مريضة السرطان في إحدى مستشفيات لبنان ندى.ح أن “45 يومًا من الإستشفاء بلغت تكلفتهم 98 مليون ليرة لبنانية كفرق الضمان الإجتماعي الذي يفترض ان يغطّي 90 بالمئة”، مشدّدة على أن “ما أسعفنا هو عمل شقيقي خارج لبنان ووجود مصدر دولار نقدي في جعبتنا، وهذا ما ليس متوفرًا لدى معظم فئات المجتمع اللبناني”.
رنيم وجّهت رسالة صارخة الى وزير الصحة د. فراس أبيض ومدير عام الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي د. محمد كركي سائلةً: “كيف لفرق تغطية الضمان الإجتماعي الذي يبلغ 10 بالمئة على المضمون من مجمل تسعيرة الإستشفاء أن يصل الى ما يعادل مليونين أو ثلاثة ملايين ليرة لليوم الإستشفائي الواحد؟! إذًا كيف هو الحال بغير المضمونين؟ وهل سنبقى نشاهد الفقراء وهم يموتون أمام المستشفيات دون حلول تنقذ أرواحهم؟!”.
“السحر انقلب اليوم على الساحر، فبعدما كان المريض يدفع 10 بالمئة من مجمل فاتورته الإستشفائية والضمان الإجتماعي يدفع باقي الـ90 بالمئة، يحصل اليوم العكس، فيدفع المريض 90 بالمئة”، يقول رئيس لجنة الصحّة النيابية النائب عاصم عراجي.
وكمحاولة لإيجاد الحلول اللازمة، يشير عراجي لوكالة أنباء آسيا الى أنني “جمعت المؤسسات الضامنة في عدة اجتماعات خاصة بها، ونقابة المستشفيات والمختبرات والمهن الحرة في إجتماعات أيضًا خاصة بها، لبحث ما يمكننا القيام به حيال هذه المعضلة الكارثة على المواطن، إلا أن الجهات الضامنة شدّدت على أن لا موازنة لديها لتأمين التغطية الإستشفائية كما كانت في السابق، وبالتالي لا إمكانية لرفع التعرفات على المؤسسات لأكثر من 1500 ليرة، وإذا ما تمت زيادة الإشتراكات على مؤسسات القطاع الخاص لن تتمكن الاخيرة من الإستمرار، وهذا ما يعقّد الأمور أكثر”.
عراجي اكد وجوب أن تقوم “وزارة المالية بتغطية فروقات الضمان الإجتماعي بدلًا من المواطن من ميزانية الدولة، خاصة أن الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي لديه ما يقارب الـ5 مليار ليرة مع الدولة”، لافتًا الى أن “انهيار الليرة يمنعنا من وضع استراتيجية واضحة لهذه الأزمة، فمن دون إستقرار سياسي ينعكس على سعر صرف الدولار، سيتجّه الوضع من سيّئ الى أسوأ، وسيبقى الإستشفاء للأغنياء فقط”.
لحسن حظ وليد فتحت أبواب الخير أمامه ومُدّت الأيادي البيض له فاستطاع تأمين مبلغ استشفاء والده، وبمشيئة القدر كان لعائلة رنيم معيلًا خارج لبنان يصدّر الدولار النقدي إليها فدُفعت المبالغ الطائلة المتوجبة عليها، لكن ماذا عن السّواد الأعظم؟ هل كلّنا في لبنان سيحالفنا الحظ ويُسيَّر القدر لصالحنا؟ بالطّبع لا. الأغلبية السّاحقة ستُذل دون أن تجد من يعزّها. ستموت بصمت مشيّد بكرامة تخشى من يخدشها.