«داعش».. حرب واحدة في دولتين
في ظرف عراقي منشغل إلى حد بعيد بمسألة تأليف الحكومة المقبلة، ووسط بيئة إستراتيجية هشة محيطة بالبلاد تفرضها تطورات الأزمة السورية، نجحت الجماعات المتشددة، وعلى رأسها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، في الأيام الأخيرة، في القيام باستعراض للقوة فوق أجزاء من الأراضي العراقية، تمتد من محافظة صلاح الدين شرقاً مروراً بمحافظة نينوى في شمال البلاد وصولاً إلى محافظة الأنبار وعاصمتها الرمادي، في الغرب، في وقت شهدت فيه العاصمة العراقية بغداد ومحيطها موجة تفجيرات أسفرت عن وقوع عشرات الضحايا.
وكشفت العمليات المسلحة، التي شملت احتجاز طلاب جامعيين كرهائن في مدينة الرمادي، تنامي قوة هذه التنظيمات في بلد بات يعاني تحديات أمنية كبيرة، تغذيها صعوبة سير العملية السياسية.
وتأتي الهجمات الإرهابية التي يقودها «داعش» بالتزامن مع خوض التنظيم ذاته معارك كبيرة ضد من يسميهم «تحالف الصحوات والجولاني» في المنطقة الشرقية من سوريا، الأمر الذي يطرح تساؤلات جدية لا جواب عنها حالياً عن مدى قوة هذا التنظيم الذي يواصل القتال على مدى أشهر طويلة وعلى جبهات عدة من دون أن يفقد القدرة على شن هجمات كبيرة جديدة، وعلى ماذا يعتمد ومن هي الجهات والدول التي تدعمه كي يؤمّن لنفسه إمكانيات الاستمرار في ظل المعارك الكثيرة التي يخوضها ضد الجميع في كلا البلدين سوريا والعراق.
وتعليقاً على الأحداث الأخيرة، قال المحلل السياسي العراقي إحسان الشمري، في حديث إلى «السفير»، إنّ «ما يجري ليس إثبات وجود بقدر ما هو استعراض قوة ومحاولة لإسقاط هيبة الدولة وإثبات أن المؤسسة الأمنية عاجزة عن تقديم منجز على مستوى الملف الأمني»، مضيفاً أنّ «الأيام المقبلة صعبة جداً لتنظيم داعش وللمؤسسة الأمنية. إنه صراع الوجود».
بدوره، لم يستبعد الخبير العسكري حاتم الرفاعي شن الجماعات الجهادية هجمات مسلحة في مناطق أخرى من العراق على غرار ما حدث في الموصل وفي سامراء في الأيام الأخيرة. وقال لـ«السفير» إنّ «تنظيم داعش يملك حواضن قوية في كركوك وتكريت وديالى عدا خلاياه النائمة هناك، ومن السهل أن يستهدف أي موقع لضعف الجهد الاستخباري واتخاذ الإجراءات الاستباقية لإيقافه».
من جهته، اعتبر علي الحيدري، وهو المتخصص في الشؤون العسكرية، في حديث إلى وكالة الصحافة الفرنسية، أنّ تنامي قدرات «داعش» في البلاد سببه «نقص المعلومة الاستخبارية التي عادة ما يكون مصدرها بشري». ورأى أنّ «الشعور الطائفي غلب على الشعور الوطني، وفتح بالتالي لهؤلاء باب مناورات وفسحة ومرونة لاستهداف القوات الأمنية».
وفي السياق ذاته، رأى جون دريك، وهو المحلل الأمني في مجموعة «ايه كي اي» التي تتخذ من لندن مقراً، انه من الواضح أن «تنظيم داعش هو في موقف قوي جداً وقادر على الصمود ويفتح جبهة للقتال مع قوات الأمن».
وفي حديثه عن معاناة الجيش العراقي من قلة التدريب والتجهيزات، قال دريك إنّ «الولايات المتحدة التي تعد اكبر قوة في العالم واجهت تحديات كبيرة، فليس من العجب ان تواجه القوات العراقية هذه الصعوبات … إنهم يواجهون تحدياً كبيراً جداً».
من جانبه، قال كيرك سويل، وهو ناشر مجلة «انسايد ايراكي بوليتكس» ومقرها عمان، إنّ «العنف يُظهر بشكل واضح أن المتمردين اكثر قوة»، لكن السؤال لماذا «حافظوا على هذه القوة؟ ولماذا ليست القوات العراقية اكثر قوة للتعامل معهم؟».
وكانت المعارك، التي شارك فيها طيران الجيش، تفجرت يوم الخميس الماضي إثر اقتحام عناصر من «داعش» مدينة سامراء في محافظة صلاح الدين لساعات محدودة، قبل أن يعيد التنظيم نفسه تكرار المشهد، في اليوم التالي، في مدينة الموصل في محافظة نينوى المحاذية للحدود السورية، حيث تم اختراق جنوب المدينة وصولا إلى وسطها، لتتم السيطرة على أكثر من خمس مناطق، وتدور معارك عنيفة شارك فيها الطيران الحربي أيضاً.
وفي ظل صعوبة الحصول على حصيلة نهائية للمعارك، أفادت مصادر أمنية أنّ 59 شخصاً، على الأقل، من عناصر الشرطة والمسلحين قتلوا في مدينة الموصل. وأوضحت المصادر أنّ «21 شرطياً قتلوا في اشتباكات بين قوات الشرطة ومسلحي تنظيم داعش ظهر السبت (أمس الأول) في منطقة 17 تموز غرب الموصل»، مضيفة أنّ «38 من عناصر داعش قتلوا على يد قوات الأمن في منطقتين متفرقتين شرق المدينة». ويوم أمس، قتل سبعة عراقيين، على الأقل، في سقوط قذائف هاون على أحياء في غرب الموصل، بحسب مصدر أمني.
ووسط انشغال القوات العسكرية وقادتها بمعارك الموصل وقبلها سامراء، اقتحم مسلحون مبنى «جامعة الأنبار» في الرمادي في ساعة مبكرة من صباح أمس الأول، واحتجزوا الطلبة والأساتذة رهائن بعد قتل حراس الجامعة. وكان نحو ألف من الطلبة الذين كانوا يتواجدون في الفناء الخلفي والقسم الداخلي للمبنى تمكنوا بمساعدة قوات الأمن من فتح ثغرة في جدار والفرار إلى منطقة آمنة. لكن بقي عدد كبير من الطلبة والطالبات داخل الحرم الجامعي تحت سيطرة المسلحين قبل أن يتم تحريرهم، وفق ما أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية العراقية العميد سعد معن، فيما ذكرت مصادر محلية لـ«السفير» أنّ عدداً من المسلحين ما زالوا يختبئون في المبنى.
وفي حين بدا من التطورات في مختلف المناطق أنّ «داعش» يعتمد أسلوب شن الهجمات السريعة التي تحقق الضجيج الإعلامي المطلوب قبل وصول التعزيزات العسكرية، فإنّ الهجمات الانتحارية واستهداف المدنيين يشكل جزءاً كبيراً من عملياته. وفي هذا الصدد، أعلنت مصادر أمنية، أمس الأول، مقتل 60 شخصاً، على الأقل، في موجة هجمات بتفجير سيارات في أحياء في العاصمة العراقية بغداد، فيما ذكرت مصادر أخرى أنّ عدد الضحايا وصل إلى 25 قتيلاً، على الأقل، ونحو 80 جريحاً. ووصل عدد التفجيرات إلى 12 تفجيراً أعنفها في حي البياع في جنوب غرب بغداد.
وقتل 28 شخصاً، على الأقل، وأصيب نحو 80 في هجمات متفرقة في العراق، أمس، كان أعنفها هجوم مزدوج استهدف مقر حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» في منطقة جلولاء الواقعة في محافظة ديالى. وكان مصدر عسكري كشف لـ«السفير» عن الحصول على «معلومات تفيد بأن تنظيم داعش يستعد لضرب مناطق في كركوك وتكريت وديالى وبغداد».
صحيفة السفير اللبنانية – عبدالله سليمان علي