خيارات المقاومة الفلسطينية لمواجهة عودة سياسة الاغتيالات
موقع قناة الميادين-
أيمن الرفاتي:
المتغيرات باتت تجعل المستوى الأمني يوصي بالعودة لسياسة الاغتيالات، لكن من النوع النظيف الذي لا يوجه فيه الاتهام المباشر بأن “إسرائيل” هي من تقف خلفه.
بعد كل ضربة كبيرة تتعرض لها “دولة” الاحتلال في الضفة الغربية والقدس أو عمليات إطلاق صواريخ، يلوّح قادتها والمستوى الأمني لديها بالعودة إلى سياسة الاغتيالات لقادة المقاومة الفلسطينية، سواء داخل الأراضي الفلسطينية أو خارجها. مؤخراً، ومع ظهور وحدة الجبهات التي صنعها محور المقاومة في مواجهة الاحتلال، عادت ماكينة الدعاية في الكيان إلى الحديث بشكل مكثف عن سياسة الاغتيالات.
وسائل الإعلام الإسرائيلية ضجّت مؤخراً بالحديث عن تسريبات من اجتماع المجلس الوزاري المصغر “الكابينت” الذي عقد في مستوطنة “سديروت” القريبة من قطاع غزة أنه تم اتخاذ قرار بالعودة إلى سياسة الاغتيالات ضد قادة المقاومة الفلسطينية، حتى لو على حساب التصعيد، فيما نقلت القناة ” 12″ العبرية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أصدر تعليماته للوزراء بعدم التطرق إلى الموضوع في مقابلاتهم مع وسائل الإعلام.
وفي السياق ذاته، بدأ عدد من وسائل الإعلام العبرية الحديث عن شخصيات قيادية في حركة “حماس” تعدّ أهدافاً لحكومة الاحتلال تسعى لاغتيالها، وقد ركّز الإعلام العبري على شخصية قائد حركة “حماس” في الضفة الغربية صالح العاروري، واصفةً إياه بأنه الشخصية الأخطر في حركة “حماس” حالياً، بعدما قام باتصالات من طهران إلى غزة مروراً ببيروت ومدينة القدس لتحقيق هدفه الأسمى: “شن هجوم مشترك على إسرائيل من جميع الجبهات”.
فيما كان التركيز بالدرجة الموازية على يحيى السنوار، قائد حركة “حماس” في غزة، الذي تحدثت عنه القناة” 12″ أيضاً بأنه بعد شهر رمضان سيطوّر بشكل كبير إستراتيجية الجبهات المتعددة، ما سيغيّر قواعد اللعبة. في “إسرائيل”، يستعدون لفترة معقدة وخطيرة يمكن أن تؤدي إلى إشعال برميل المتفجرات، كذلك تم تحليل خطاب السنوار الأخير بعمق، وتولّد تصوّر لشخصية تحريضية بأن “قواعد اللعبة تغيّرت، ولم تعد وحدة الساحات مجرد شعار”.
حكومة الاحتلال ترى تصاعد المخاطر المحيطة بها بعد فشل سياسة المعارك بين الحروب ضد المقاومة في قطاع غزة ولبنان وسوريا، فيما تجلى العجز بعد فشل سياسة “جز العشب في الضفة الغربية”، وفشل محاولات تدجين الفلسطينيين في الضفة والداخل المحتل عام 1948، ناهيك بالمعادلة الجديدة التي فرضها محور المقاومة على الكيان بوحدة الميادين والساحات وتزايد عمليات مراكمة القوة وغرف التنسيق والاستعداد لحرب متعددة الجبهات.
يؤاف غالنت، وزير “الجيش”، اعترف بأن المتغيّرات كبيرة في الفترة الأخيرة، وأن سياسة المعارك بين الحروب لم تمنع من تنامي المخاطر المحيطة بالكيان، وأن قوة الردع لدى “دولة” الاحتلال تضررت، وأن “الجيش” سيواصل العمل على كل الجبهات سراً وعلانية، وهو ما يعني أن “الجيش” قد يذهب إلى العمليات السرية لمحاولة استعادة الردع المفقود.
حجم التحريض الكبير الذي يقوم به الاحتلال تجاه الشيخ صالح العاروري والقائد يحيى السنوار ليس جديداً، وبرغم أنه يحمل لهجة تحريضية وتهديدات أكبر خلال هذه الفترة، فإن قيادة المقاومة الفلسطينية تعرف طبيعتها وأهدافها وتأخذها بمحمل الجد، وهي تعي جيداً أن المستويات السياسية والأمنية والعسكرية التي تضررت سمعتها خلال السنوات الماضية بشكل كبير بسبب تنامي وتطور العمل المقاوم على عدد من الجبهات، تحاول استعادة الثقة داخلياً لدى الجمهور الإسرائيلي.
والاحتلال يعلم جيداً أن إقدامه على مثل هذه الخطوات سيكون ثمنه تفعيل قرارات توسيع عمل المقاومة والعودة إلى العمليات الاستشهادية داخل المدن المحتلة، ناهيك بأن تنسيق الردّ لن يقتصر على فصائل المقاومة الفلسطينية، بل سيكون مع محور المقاومة، وستكون الردود أكثر تدميراً على الاحتلال، وستتلقى المدن في الكيان ضربات موجعة والعديد من الرشقات الكبيرة وغير المألوفة من الصواريخ من عدة جبهات.
هنالك عدد من المتغيرات في وجه العودة إلى سياسة الاغتيالات أمام حكومة الاحتلال تتمثل في الثمن الذي يتطلبه هذا الأمر، ومدى قدرة الكيان على تحمّل كلفة هذه العمليات، وخاصة إذا ما أدت إلى مواجهة عسكرية وفتح عدد من الجبهات في الوقت ذاته، وقد وضع محور المقاومة محددات واضحة للتعامل مع عمليات الاغتيال وخاصة في قطاع غزة وفي لبنان، إذ إن هناك تفاهمات بين المقاومة في القطاع لمواجهة الاعتداءات والاغتيالات فيما كانت تصريحات سماحة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني واضحة بأن المقاومة سترد بشكل سريع على أي اعتداء إسرائيلي عسكري أو أمني في لبنان، مؤكداً أن شن “إسرائيل” حرباً على لبنان سيؤدي إلى فتح معركة في كامل المنطقة.
المتغيرات دفعت المستوى الأمني إلى أن يوصي بالعودة إلى سياسة الاغتيالات، لكن من النوع النظيف الذي لا يوجه فيه الاتهام المباشر بأن “إسرائيل” هي من تقف خلفه، وهذه أيضاً توصية “الجيش” للمستوى السياسي بأن تنفيذ عمليات الاغتيال يجب أن يكون مدروساً، وأن لا يؤدي إلى تفجر حرب متعددة الجبهات على “دولة” الاحتلال.
لا شك في أن التحريض على اغتيال قادة المقاومة والتسريبات من جلسة “الكابينت” تحمل بعداً نفسياً على عدة مستويات، فعلى المستوى الداخلي للكيان تريد حكومة الاحتلال استعادة ثقة جمهورها، بعد اتهامات لنتنياهو وحكومته بتضييع معادلة الردع والعجز عن إدارة “الدولة”. ومن ناحية ثانية، يحاول الاحتلال الضغط على قيادة المقاومة المسؤولة عن تطوير العمل المقاوم في الضفة الغربية والمسؤولة عن ربط الساحات والتجهيز لمعركة مشتركة ضد الكيان بأنهم أمام خيارين هما: الارتداع والتوقف وتقليص الجهود أو أنهم معرضون للاغتيال.
بغضِّ النظر عن جدّية التهديدات أو قدرة “إسرائيل” على تنفيذها، فإن عمليات الاغتيال لم تعد بالأمر السهل بالنسبة إلى “إسرائيل”، واغتيال العدو لشخصيات وازنة في المقاومة داخل قطاع غزة أو خارجه بات يعد من الخطوط الحمراء التي رسمتها المقاومة بتضحيات كبيرة، إذ إنَّ الرد على هذه العمليات سيأخذ منحيين استراتيجيين في الصراع مع الاحتلال؛ الأول يتمثل بتغيير كبير قد يطرأ على فكرة العمل العسكري خارج فلسطين المحتلة واستهداف مصالح العدو في مناطق مختلفة، والآخر يتعلق برد فعل قيادة المقاومة التي ربما لن تتردد في تكرار ما حدث خلال معركة “سيف القدس”، وهو ما يعني فتح مواجهة عسكرية جديدة على جبهة غزة، الأمر الذي تعدّه “إسرائيل” مكلفاً أكثر من عمليات الاغتيال ذاتها.
قد تكون خيارات المقاومة الفلسطينية غير متوقعة للمستويين الأمني والعسكري في “دولة” الاحتلال، إذ إنَّ اغتيال شخصية وازنة بهذا الحجم قد يدفع في اتجاه قرار عودة العمليات الاستشهادية داخل مستوطنات الاحتلال، ما يعني بالنسبة إلى كيان الاحتلال مواجهة موجة عمليات كبيرة ومتسلسلة، تقود معها تغيرات كبيرة في واقع الضفة المحتلة.