خيارات الصين للرد على انسحاب إيطاليا المحتمل من مبادرة “الحزام والطريق”
موقع قناة الميادين-
تمارا برو:
تخشى روما أن تفرض بكين عقوبات عليها من جراء انسحابها من مبادرة “الحزام والطريق”. لذلك، حاولت أن تمسك العصا من المنتصف عبر القيام بإجراءات تخفف من غضب بكين,
تمهيداً لانسحاب إيطاليا من مبادرة “الحزام والطريق” التي انضمت إليها عام 2019، وتجنباً للإضرار بعلاقتها بالصين، زار وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني الصين، والتقى المسؤولين الصينيين للتوصل إلى اتفاق يرضي بكين في مقابل انسحاب روما من المبادرة.
ولهذه الغاية أيضاً، اجتمعت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني برئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ على هامش قمة مجموعة العشرين التي عقدت مؤخراً في الهند، وحاول المسؤول الصيني إقناعها بتجديد مذكرة التفاهم بشأن المبادرة التي يتوجب على إيطاليا، إذا أرادت الانسحاب منها، أن تخطر الصين بذلك أواخر العام الحالي.
تسعى روما إلى الانسحاب من مبادرة “الحزام والطريق” من دون أن تقطع علاقتها ببكين. وعوضاً عن تجديد مذكرة التفاهم، تفضل إيطاليا الشراكة الاستراتيجية التي تجد أنها أكثر أهمية من مذكرة التفاهم بشأن “الحزام والطريق”.
تُرجع إيطاليا أسباب انسحابها من المبادرة إلى أنها لم تحقق النتائج المرجوة منها، إذ إنها كانت ترغب عندما انضمت إلى المبادرة في تحقيق التوازن في الميزان التجاري مع الصين، وتحقيق نمو لاقتصادها، والحصول على المعاملة المتساوية لشركاتها في الصين.
وترى روما أن هناك دولاً ليست أطرافاً في المبادرة الصينية، وفاقت تجارتها مع الصين ما سجلته إيطاليا. على سبيل المثال، بلغ حجم صادرات إيطاليا إلى الصين عام 2022 نحو 16.5 مليار يورو، فيما بلغت صادرات كل من فرنسا وألمانيا إلى الصين نحو 23 مليار يورو و107 مليارات على التوالي. في المقابل، تصرّ بكين على أن المبادرة كانت مثمرة وحقّقت نتائج إيجابية.
بعيداً من الحسابات الاقتصادية، لا يُخفى الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي على إيطاليا للانسحاب من المبادرة الصينية. كما أنَّ بقاء روما فيها يسبب حرجاً لها أمام الاتحاد الأوروبي الذي يسعى إلى تقليل اعتماده على الصين، ناهيك بأن إيطاليا عضو في حلف شمال الأطلسي الذي يرى أن سياسة الصين تشكل تحدياً لمصالحه وأمنه، ويسعى إلى التصدي لنفوذها وقدراتها العسكرية.
تخشى روما أن تفرض بكين عقوبات عليها من جراء انسحابها من مبادرة “الحزام والطريق”. لذلك، حاولت أن تمسك العصا من المنتصف عبر القيام بإجراءات تخفف من غضب بكين. مثلاً، أظهرت روما احترماً للقيادة الصينية، إذ أعلنت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني من واشنطن، التي زارتها خلال شهر تموز/يوليو الماضي، أنها تنوي زيارة الصين خلال الأشهر المقبلة، وأوفدت وزير خارجيتها إلى بكين للقاء المسؤولين الصينيين وإيجاد أرضية مشتركة لتطوير العلاقات بين البلدين بعيداً من مذكرة التفاهم بشأن مبادرة “الحزام والطريق”.
تدرك الصين جيداً الضغط الذي يُمارس على إيطاليا للانسحاب من المبادرة، ولكنها تجد نفسها مضطرة إلى اتخاذ إجراءات ضد روما لحفظ ماء الوجه كي لا تحذو دول أخرى حذوها وتنسحب من مبادرة “الحزام والطريق”.
في حال قيام دولة ما بإثارة غضب بكين وتوتير العلاقات معها، تدرس القيادة الصينية الوضع جيداً قبل أن تقدم على أي رد فعل تجاه هذه الدولة، ولا سيما مدى حجم التبادل التجاري بين الصين والدولة التي أثارت غضبها، وأيضاً مدى تأثير الخطوات المضادة التي ستتخذها في الصين، فتقوم بالرد أو تكتفي بالاستنكار.
وفي حال قرّرت الرد، فعادة ما تكون جميع الخطوات التي تقوم بها بكين كرد فعل على غضبها اقتصادية، وهي تستفيد من كونها الشريك التجاري الأول لأغلب دول العالم، وتحاول الصين في حال قررت مثلاً أن تفرض حظراً على صادرات الدولة أن لا تلحق هذه الصادرات ضرراً كبيراً بالاقتصاد الصيني.
على سبيل المثال، بعد توتر العلاقات بين الصين وأستراليا، قامت بكين بوضع قيود على استيراد الشعير والفحم ولحم البقر والنبيذ والكركند من أستراليا. وبالنسبة إلى كندا التي وصلت العلاقات بينها وبين الصين إلى حد طرد الدبلوماسيين، اتخذت الصين إجراءات عقابية ضدها، منها استثناء أوتاوا من الرحلات الجماعية السياحية للصينيين.
أما ليتوانيا التي توترت العلاقات بينها وبين الصين على خلفية فتح مكتب تمثيلي باسم الجزيرة في فينوس، فكان رد فعل الصين على ذلك شديداً، إذ خفضت العلاقات الدبلوماسية مع ليتوانيا، وفرضت حظراً على وارداتها.
في المقابل، عندما قررت كل من بريطانيا وفرنسا حظر معدات هواوي الصينية على أراضيها، لم تقم الصين بأي رد فعل غاضب على ذلك.
وفي حال قررت إيطاليا الانسحاب من مبادرة “الحزام والطريق”، فمن المحتمل أن تطلب الصين منها الحصول على صفقات في مقابل عدم فرض حظر على الصادرات الإيطالية، منها مثلاً:
– الالتزام بمبدأ الصين الواحدة وقطع علاقاتها مع تايوان التي تشهد نمواً كبيراً. خلال العام الماضي، ارتفعت التجارة بين روما وتايبيه نحو 13%، وهناك خطط لتعزيزها أكثر مع افتتاح مكتب تمثيلي جديد لتايوان في مدينة ميلان. وقد عُقدت خلال الأشهر الأخيرة اجتماعات بين مسؤولين تايوانيين وإيطاليين، منها مثلاً الاجتماعات التي عقدها مسؤولون من وزارة الصناعة الإيطالية مع مسؤولين تايوانيين لمناقشة زيادة التعاون في إنتاج أشباه الموصلات، إذ تخطط تايوان لاستثمار نحو 400 مليون دولار في صناعة الرقائق الإيطالية.
– أن يكون لبكين حصة في الموانئ الإيطالية، كما فعلت مع ألمانيا، إذ استحوذت الصين على نسبة 25% من محطة حاويات في ميناء هامبورغ.
– أن تسمح إيطاليا للمستثمرين الصينيين بالوصول إلى الشركات الإيطالية الكبيرة، بعدما كانت روما قد منعت ذلك بموجب سياسة “القوة الذهبية”.
وفي حال لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الصين وإيطاليا يقضي بحصول الصين على صفقات في مقابل انسحاب إيطاليا من المبادرة، فستعمد الصين إلى فرض قيود على بعض الصادرات الإيطالية وعلى الشركات الإيطالية العاملة داخل أراضيها.
ستزور ميلوني الصين خلال الأشهر المقبلة. ومن المتوقع بعدها أن تعلن رسمياً انسحاب إيطاليا من مبادرة “الحزام والطريق”، ويبقى الترقب سيد الموقف لتبيان رد فعل الصين إزاء هذا الانسحاب.