خطة الحكومة للتعافي تشرع سحق المودعين
موقع العهد الإخباري-
د. محمود جباعي:
انتظر اللبنانيون بفارغ الصبر ولادة خطة التعافي المالي والاقتصادي من قبل الحكومة اللبنانية العتيدة ظنًا منهم أنها ستأتي بالحلول المنشودة التي تعمل على حماية ما تبقى من حقوقهم في المصارف بعد أن تثبّت الدولة والسلطة الرسمية هذه الحقوق وتحفظها عبر اعترافها بأنها استعملت هذه المبالغ والأموال بشكل غير سليم وأنها ستلتزم مع الوقت بسداد ديونها للمودعين وبالتأكيد مع الزام المصارف والمصرف المركزي بتحمل مسؤولياتهم ايضًا بما يخص إعادة الحقوق لأصحابها. كل ذلك كان متوقعًا من حكومة كانت تدعي منذ اليوم الأول لتشكيلها أنها ستحمي وتحافظ على حقوق مواطنيها في المصارف بعد أن تضع خطة تعافٍ مالي واقتصادي مبنية بشكل واضح على تحديد عادل للخسائر عبر تقسيمها بين الدولة والمصرف المركزي والمصارف. وهنا لا بد من الاشارة الى أن الحكومات المتعاقبة التي تمثل الدولة استعملت ما لا يقل عن 60 مليار دولار من أموال المودعين عبر اقتراضها لهذه المبالغ من المصرف المركزي من أجل تمويل العجز المالي الناتج عن عدم اعتماد موازنات سنوية بل الاكتفاء في كل مرة بالصرف على أساس القاعدة الاثني عشرية وكذلك لتمويل عجز الاستيراد بسبب السياسات الاقتصادية غير البنيوية التي ساهمت بتدمير الاقتصاد المنتج والانتاج المحلي من زراعة وصناعة، علمًا أن المصرف المركزي بدوره كان قد استدان هذه المبالغ من المصارف التجارية وهي عمليًا أموال وحقوق المودعين.
أبرز البنود النقدية والمالية في خطة التعافي الاقتصادي والمالي
تضمنت الخطة الحكومية في آخر نسخة موزعة بتاريخ 18 نيسان 2022 ما يلي:
1- شطب مبلغ 60 مليار دولار من التزامات مصرف لبنان ازاء البنوك التجارية وذلك من أجل إغلاق صافي وضع المصارف فيما يتعلق بالعملات الأجنبية المفتوحة.
2- إلغاء ما تبقى من الخسائر السلبية في رأس المال في غضون 5 سنوات.
3- إعادة رسملة البنوك التجارية القابلة للاستمرار بالتوازي مع حل البنوك غير القابلة للاستمرار.
4- حماية كل مودع في كل بنك في حدود تصل الى 100 الف دولار.
5- رفع قيمة الضريبة على القيمة المضافة من 11 % الى 15 %.
6- تعديل التعرفة الجمركية على أساس سعر صرف دولار موحد وجديد.
7- تحرير سعر صرف الدولار وربطه بمنصة يومية يضعها مصرف لبنان.
8- اقرار البطاقة التمويلية كنوع من الحماية الاجتماعية.
خطة حكومية إن إقرت ستؤدي الى انفجار اجتماعي
بفعل بنود الخطة المسربة الواضح أن الدولة تسعى الى شطب مبلغ كبير جدًا وهو 60 مليار دولار بجرة قلم من دون الاكتراث الى تعب الناس وجنى أعمارهم، وهو ما يعني أن الحكومة لا تريد الالتزام بديونها المستحقة لمصلحة المودع اللبناني وتريد تحميل هؤلاء المودعين وحدهم أكبر قدر ممكن من الخسارة، علمًا أن الدولة مسؤولة بشكل كبير عن هذه الخسائر وبالطبع مع المصرف المركزي والمصارف التجارية، لذلك كان أحرى بالحكومة العمل على توزيع الخسائر بشكل عادل حتى يتمكن المودع من الحصول على أكبر قدر من حقوقه وودائعه.
طبعًا الخطة الحكومية الأخيرة مرتبطة بشكل وثيق بمشروع الكابيتال كونترول الذي تأخرت الحكومة في إقراره حتى تسمح بتحويل الأموال الى الخارج بأمان وجاءت اليوم لاقراره على حساب باقي المودعين. فالقانون يتماهى ويتماشى مع خطة التعافي المالي الهادفة الى سحق المودعين وتحميلهم وحدهم نتائج فشل الدولة في ادارة قطاعاتها ومؤسساتها بفعل الهدر والفساد المستشري فيها.
بناء على كل ما تقدم، إن إقرار الخطة الحكومية وقانون الكابيتال كونترول بهذا الشكل سيأخذنا الى مواجهة مباشرة بين المواطنين والمودعين من جهة والسلطة السياسية من جهة أخرى، وهذا الأمر سيقودنا حتمًا الى انفجار اجتماعي على كافة المستويات لن تحمد عقباه، لأن اللعب بحقوق المودعين سيدفعهم الى ردات فعل عنيفة هذه المرة لن تكون كما سابقتها وفقًا لما أكدته الجمعيات المعنية بمتابعة حقوق المودعين.
البدائل موجودة لكن المشكلة بالنوايا
الأجدر بالحكومة اللبنانية أن تعمل على وضع خطة تعافٍ مبنية على تفعيل القطاعات الانتاجية ومؤسسات الدولة بشكل بنيوي عبر القيام بإصلاحات هيكلية في مجمل القطاعات وخاصةً في قطاعي الكهرباء والاتصالات، والاستفادة من العقارات التي تعود ملكيتها للدولة وتخضع حاليًا الى سلطة بعض القوى السياسية التي لا تقدم لخزينة الدولة مقابلها إلا ايرادات رمزية لا تعبر عن القيمة الاقتصادية الحقيقية لهذه الممتلكات. كذلك يمكن للدولة العمل على استثمار عقاراتها غير المستخدمة والمعروفة باسم المشاعات من أجل إدخال مبالغ بمليارات الدولارات الى الخزينة يمكن استعمالها في تفعيل النشاط الاقتصادي من جهة ومن إعادة أموال المودعين إلى أصحابها بشكل تدريجي من جهة أخرى.