«حوار المواصفات»: دوران حول العناوين.. ولا اتفاق
صحيفة السفير اللبنانية ـ
نبيل هيثم:
الى جلسة تاسعة للطاولة الحوارية يوم الثلاثاء في الثالث في تشرين الثاني المقبل، من دون تغيير في زمان انطلاق الحوار ظهرا، ولا في مكانه في مبنى البرلمان في ساحة النجمة.
عموما، كانت الجلسة الثامنة، امس، هادئة وبلا مناكفات، أما من حيث الشكل فكانت ناقصة، غاب عنها فؤاد السنيورة بداعي السفر، وغاب وليد جنبلاط بداعي المرض، وغاب سامي الجميل تنفيذا لقرار حزبه بتعليق المشاركة في الحوار، وهي خطوة القصد منها كما أبلغ الجميل الرئيس نبيه بري في اتصال هاتفي «حث الحكومة على الاجتماع وإيجاد حلول».
ليس في الإمكان القول بأنها كانت جلسة منتجة، فقد غاصت لساعتين وربع الساعة في البحث بمواصفات رئيس الجمهورية، والتي يتأكد مع كل جلسة أنها «طبخة بحص» يستحيل إنضاجها على نار التوافق والوصول الى «مواصفات مشتركة» للرئيس العتيد الذي يريده كل طرف على مقاس مصالحه وبحسب مواصفاته. كما غاصت لأقل من نصف ساعة في أزمة النفايات المستعصية على الحل والعلاج نتيجة عوامل متعددة: قصور، تقصير، ضعف، كيدية، سياسات، مصالح.. وصولا الى الابتزاز…
«لا بد من انعقاد مجلس الوزراء، والبدء بتنفيذ خطة النفايات». قالها الرئيس نبيه بري، قبل أن يطلب من رئيس الحكومة تمام سلام أن يدعو مجلس الوزراء الى عقد جلسة قريبا واتخاذ قرار بالتنفيذ بالقوة، أي بمؤازرة قوى الأمن والجيش، «الوضع لا يحتمل، وما شهدناه أمس (طوفان النفايات) أمر معيب، ويهدد البلد كله، ويهدد المواطنين بالأمراض والتلوث».
على الوتر ذاته عزف «حزب الله»، اذ توجه رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد الى الرئيس سلام قائلا: «لن نزيد على ما قاله الرئيس نبيه بري، انما نقول لرئيس الحكومة، نحن الى جانبك في معالجة موضوع النفايات، وبالطريقة التي أشار اليها الرئيس بري، وتحت سقفها، وما دام هناك مطامر محددة، فلتنفذ الحكومة قرارها بالاستعانة بالأمن والمؤسسات العسكرية».
في هذا الموضوع قدم الرئيس سلام مداخلة عرض فيها ما آل اليه الوضع من سلبيات كبرى على البلد، حجم التهديد الذي يشكله موضوع النفايات على البلد عموما. وألقى المسؤولية على الكل بقوله «بصراحة وضع البلد لا يحتمل، وأنا من جهتي قلت مرات عديدة إنني لا أستطيع أن أدعو الى جلسة لمجلس الوزراء من دون ان يكون كل الاطراف موافقين».
هنا عقب عليه الرئيس بري قائلا: «غدا (اليوم) ستعقد جلسة حوار حزب الله وتيار المستقبل في عين التينة، وأعتقد انه سيتم بحث هذا الموضوع.. لذلك أنا أتمنى عليك يا دولة الرئيس ان تدعو الى جلسة لمجلس الوزراء، وكل الحاضرين هنا سيبذلون الجهود اللازمة في هذا المجال، ويحددون ما يمكن ان يخرج معهم من خيارات داعمة لهذا الموقف، أو ما يمكن أن يصلوا اليه من حلول اخرى، ربما تكون مساعدة على معالجة هذه الأزمة».
وعقب عليه النائب ميشال المر مشيرا الى انه يملك خطة لمعالجة النفايات في المتن وكسروان، وانه سيلتقي اليوم الثلاثاء النائب ميشال عون ويبحثها معه.
هنا عاد سلام ليكمل ما كان قد دأب على إعلانه في الجلسات السابقة، من ان الحكومة لا تستطيع أن تستمر في ظل هذا الوضع التعطيلي، حيث عاد وأكد، امس، ضرورة الاتفاق لعقد جلسة للحكومة، وقال: بقدر ما أنا مستعجل لعقد مجلس الوزراء لتنفيذ خطة المعالجة، بقدر ما أنا قد أكون مستعجلا «لأمر آخر».
لم يكن صعبا على الحاضرين تفسير معنى الـ «الأمر الآخر» بأن مرادفه الاستقالة، ما دفع الرئيس نبيه بري الى المسارعة والتوجه الى رئيس الحكومة قائلا: دعك الآن من «الأمر الآخر»، هذا «الأمر الآخر» نحكي فيه بعدين.. المهم يجب أن يُعقد مجلس الوزراء بسرعة.
أما في الشق الرئاسي، فلقد برز في جلسة أمس، «جدول المقارنة» الذي أعده الرئيس نبيه بري حول مواقف الأطراف من المواصفات التي يفترض ان يتحلى بها رئيس الجمهورية، واستند في إعداده الى «مواصفات خطية» وما يتصل بها، من أطراف طاولة الحوار. بحيث تضمن هذا الجدول تسعة عناوين: العصامي، الحيثية، الإصلاحي (محاربة للفساد)، تعديل الدستور، المُحاور (الانفتاح وتقبل الآخر)، المقاومة (تأييدا أو معارضة) والعداء لإسرائيل، العودة الى الشعب، النأي بالنفس، غير مؤيد من رعاة اسرائيل.
في النقاش، تم استبعاد عنوان العصامي، على اعتبار أنها مواصفات شخصية محل إجماع حولها، ولا أحد يقبل ألا يكون الرئيس عصاميا. وسجل النائب طلال ارسلان تحفظا على هذا العنوان قائلا: وفقا لما ورد في الجدول المعروض أمامنا، يظهر ان ثلاثة فقط من بين الأطراف المتحاورين هم مؤيدون للرئيس العصامي، هذا أمر ملتبس، فإن لحظ الجدول موافقة ثلاثة فقط على صفة العصامي، فليس معناه أن الآخرين يرفضون أن يكون عصاميا، بل العكس، أعتقد ان الكل يؤمنون بأن يكون الرئيس عصاميا، لذلك أنا أقترح أن نناقش كل عنوان على حدة، وليسجل كل طرف موقفه، ووجهة نظره.
وبالفعل بدأ النقاش عنوانا عنوانا، فاستبعد بند تعديل الدستور. كان ميشال المر مع هذا الطرح من زاوية «اننا في الوقت الحالي في مأزق، ولا يمكن أن يحل هذا المأزق إلا اذا عدلنا الدستور كما فعلنا في المرة السابقة، ولا سيما في ما خص طريقة الانتخاب، أي تعديل الانتخاب بالنصف زائدا واحدا».
لم يلق هذا الطرح الاستجابة، خصوصا من بري، وقيل للمر ان هذه الصيغة التعديلية للدستور تتطلب الثلثين في مجلس النواب، لذلك هي متعذرة لعدم توافر هذه الأكثرية المؤيدة لهذا الطرح.
واستبعد ايضا عنوان «غير مؤيد من رعاة اسرائيل»، واستبدل بعنوان آخر «لا استتباع للخارج»، تحت العنوان الأول كان مدرجا اسم النائب محمد رعد باعتباره هو من طرح هذا العنوان، فأعاد رعد تلاوة مضمون المواصفات الخطية التي قدمها وفيه «ألا يكون وصوله (الرئيس) الى الرئاسة محل تبنٍ ورعايةٍ من دول أجنبية، خصوصا تلك الحامية والراعية للاعتداءات الاسرائيلية».
هنا أثنى بري على كلام رعد، قائلا: هذا كلام نوافق عليه، أي لا استتباع للخارج.
ولقد استحوذ عنوان المقاومة، وموقف الرئيس منها نقاشا مطولا بين الحاضرين، فلقي هذا العنوان تأييدا كاملا من ممثلي قوى «8 آذار» والعماد ميشال عون، فيما برزت مواقف تتحفظ حول هذا العنوان من قبل ممثلي تيار «المستقبل» وقوى «14 آذار».
طرح بري هذا العنوان، ووفق الجدول بين يديه، على نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، والوزير ميشال فرعون، والنائب عاطف مجدلاني، والنائب جواد بولس (الذي مثل بطرس حرب). رد مكاري على بري «أنا ممتنع» وكذلك فعل فرعون «أنا ممتنع». اتفقا على القول «امتنعنا» مرده الى ان أمورا اخرى يجب بحثها، وأما مجدلاني وبولس فأكدا على السلطة الشرعية والدولة والجيش، وانتهيا الى إعلان تحفظهما. وأشار فرعون الى ان موضوع المقاومة هناك بحث حولها مرتبط بـ «إعلان بعبدا»، فرد بري «في إعلان بعبدا، لم نأت على ذكر المقاومة ولا اقتربنا منها».
هنا كانت مداخلة للنائب اسعد حردان اعترض فيها على مواقف المتحفظين قائلا «من العيب علينا ان نصل الى هذا الحد. عيب ان تكون هناك أرض لبنانية محتلة، وتأتي أطراف في داخل لبنان، وتقول انها متحفظة أو ممتنعة عن إبداء موقف في موضوع مقاومة العدو الاسرائيلي».
تلاه النائب رعد قائلا: أتمنى على البعض أن يعيدوا النظر في موقفهم، لأن هذا الامر معيب وطنيا، أنا أفهم أن هناك من يقول أنا متحفظ حول المقاومة، وهذا يعني انه مع المقاومة ولكن.. ولكنني لست أفهم موقف الممتنع، أي امتناع؟ وماذا يعني الممتنع بين المقاومة واسرائيل؟
هنا قال مكاري: اعتبر موقفنا تحفظا.
رد رعد: «هل هذا موقفكم؟ وانكم أنتم متحفظون، أي مع المقاومة ولكن؟». فرد مكاري: «نعم»، فعقب رعد: «معنى ذلك ان هناك إجماعا حول المقاومة». إلا ان النائب احمد فتفت اعترض على هذا الموضوع محاولا فتح نقاش حول المقاومة على قاعدة ان لا إجماع حولها.
وأما عنوان العودة الى الشعب، فبقي معلقا، إلا ان عون دافع عن هذا العنوان بقوله «عندما يحصل تعطيل للمؤسسات الدستورية، فمن واجباتنا أن نرجع الى الشعب فورا، إما ان ننتخب الرئيس مباشرة، وإما ان نعد قانون انتخاب، وعلى ضوء هذا القانون ننتخب رئيس الجمهورية.
وأما عنوان النأي بالنفس، فشدد الرئيس نجيب ميقاتي على أن «المطلوب أن نأخذ النأي بالنفس ليس من الصراع مع إسرائيل ولكن عن القضايا الشائكة في المنطقة، لأن وضع لبنان حساس، وأي أمر يعرّضه للشرذمة ينعكس علينا سلباً في الداخل، بدءاً من حلف بغداد تاريخياً وصولاً إلى الصراع الدائر حالياً في المنطقة».
لكن النائبين اسعد حردان وطلال ارسلان قدما مقاربتين اعتراضيتين لهذا العنوان ربطا بالتطورات السورية والخطر الإرهابي على لبنان. فيما قال النائب عون: عندما يكون هناك تهديد أمني للبلد وللمصلحة الوطنية، إما ان أواجه التهديد وإما أن أهرب وأستسلم، فهل يمكن أن نستسلم ونقول نحن مع النأي بالنفس أمام هذا التهديد؟
أما النائب رعد فقال: موضوع النأي بالنفس هذا، موقف سياسي كانت تمليه مرحلة من المراحل، وبناء على تقدير ظرفي للمصلحة الوطنية العليا وحفظا للسيادة والوحدة الوطنية في البلد. ارتأى من ارتأى أن يخلق عنوان النأي بالنفس عن المحاور العربية والصراعات العربية. أما الآن – بصرف النظر عما اذا كان هذا العنوان قد طبقه من طرحه في السابق بفشل أو نجاح، فلننترك النقاش حول النجاح والفشل للتاريخ – فإن التطورات أصبحت في مكان آخر في لبنان والمنطقة، وهناك أولوية مكافحة الإرهاب، ونحن ما بين مكافحة الارهاب وعدم مكافحته، هل نذهب الى النأي بالنفس؟ أتمنى ألا نلزم أنفسنا بما نعتقد انها ثوابت تصلح لكل زمان ومكان، ونطرح مبادئ مطلقة ولا نستطيع أن نطبقها لأنها خاضعة للظروف والتطورات. فيمكن الآن ان نجد مصلحة فيها فنؤيدها ويمكن غدا نجد المصلحة في ألا نكون مع النأي بالنفس بل مع ان نواجه.
وبعدها اختتم الرئيس بري الجلسة محدداً 3 تشرين الثاني موعداً مقبلاً للجلسة التاسعة.
[ad_2]