حكومة “بينيت” وأولويّة ترميم العلاقات “الإسرائيليّة” الأميركيّة وعلاقتها بالإتفاق النووي الإيراني
وكالة أنباء مهر-
الدكتور حسن لافي:
تواجه العلاقات “الإسرائيلية” الأميركية تحدّيات كبيرة، إلى درجة أنَّ المستوى السياسيّ والعسكريّ في الكيان الغاصب يبذل جهوداً ضخمة من أجل تخطّي تلك التحدّيات بأسرع وقت ممكن، وبأقلّ الخسائر الممكنة، وهو ما برز بشكل كبير في أداء حكومة نفتالي بينيت التي ورثت علاقات أميركية إسرائيلية متوترة جداً. إذ يعلم كلّ من بينيت ويائير لابيد، شريكه في الائتلاف ووزير الخارجية، ومن خلفهم بيني غانتس، أنَّ متانة العلاقات الأميركية الإسرائيلية هي عمود الخيمة في منظومة الأمن القومي الإسرائيلي، إذ يكفي أن نعرف أن حجم المساعدات العسكرية الأميركية يمثل 18% من ميزانية “إسرائيل” العسكرية، ناهيك بالمظلّة السياسية والدبلوماسية التي تمنحها الولايات المتحدة الأميركية لها، والتي ما كانت ستستطيع البقاء حتى الآن من دونها.
هزائم متتالية للكيان المحتل وبرود عاطفي ليهود أمريكا تجاه “إسرائيل”
لذلك، حاول بينيت في خطابه الأول كرئيس لحكومة “إسرائيل” على منصّة الأمم المتحدة الابتعاد عن قضيّة الاتفاق النووي الإيراني، ولم يهاجم الاتفاق، بل لم يطرح أيّ قضية من شأنها أن تزعج الإدارة الأميركية، بخلاف سلفه نتنياهو.
تلقَّت العلاقات الأميركية الإسرائيليّة عدة هزّات في الآونة الأخيرة، ظهرت أولى بوادرها العلنية في معركة “سيف القدس”، من خلال عريضة قدّمها 28 عضواً من الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ، طالبوا من خلالها بوقف إطلاق نار فوري. الجديد في الأمر أنَّ بعض الَّذين وقّعوا على العريضة كانت “إسرائيل” تعتبرهم من الداعمين لها.
أمّا على مستوى يهود أميركا، فقد تعرّضت “إسرائيل” لهزّة قوية، إذ نشر المركز اليهوديّ للإحصاء استطلاعاً للرأي حول ارتباطهم العاطفي بها. وقد أجاب 38% من المستطلعين “أنهم لا يشعرون بأيِّ ارتباط عاطفيّ بها”، واعتبر 22% منهم أنَّ “إسرائيل تمارس مذابح جماعية بحق الشعب الفلسطيني”.
هذه النسب سبّبت صدمة للحركة الصهيونية، فابتعاد الجيل الجديد من يهود أميركا عن “إسرائيل” له أبعاد خطرة على العلاقات الأميركية الإسرائيلية في المستقبل، إذ إن الأخيرة ستفقد قوة الضغط الأهم على صانع القرار الأميركي (اللوبي الصهيوني)، ناهيك بفقدانها أكبر خزان بشري لليهود في العالم في حال استمرت ظاهرة عزوف اليهود الأميركيين عنها.
الضّربة الأكثر أهمية التي تلقّتها “إسرائيل” وأنارت الإشارة الحمراء للمؤسَّسة العسكرية الإسرائيلية، كانت سحب بند دعم القبّة الحديدية بمبلغ مليار دولار من قانون الموازنة الأميركية، في أوَّل نسخه، تحت ضغط التيار التقدمي داخل الحزب الديمقراطي.
تهديد وجودي يخيم على العدو الصهيوني
ورغم إدراج هذا البند في النسخة الثانية بعد الضغوطات الكبرى من البيت الأبيض، فإنَّ ذلك اعتبر منعطفاً غير مسبوق في تدهور العلاقات الأميركية الإسرائيليَّة. ما أقلق “إسرائيل” ليس أنّها لم تعد محل إجماع حزبي داخل الولايات المتحدة الأميركية، كما كانت في السابق، بل إقدام البعض في الحزب الديمقراطي على رفض تقديم مساعدات عسكرية (دفاعية) لها، والتهديد بالتصويت ضدّ الموازنة في حال اشتمالها هذا البند، الأمر الذي أثار خوفها من مدى التزام الولايات المتحدة الأميركية بالحفاظ على أمنها في المستقبل، والذي اعتبره بعض الكتّاب الإسرائيليين تهديداً لأسس التحالف بين واشنطن و”تل أبيب”، وخصوصاً مع احتمال وصول أعضاء من الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي إلى المناصب المؤثرة في القرار الأميركي.
يعتبر الكثير من الاستراتيجيين الإسرائيليين أنَّ كلمة السرّ في هذا التحوّل في العلاقات الأميركيّة الإسرائيليّة هي الجيل الشاب في الولايات المتحدة، والَّذي بات لا يكترث كثيراً بروايات الهولوكوست أمام مشاهد المجازر التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي في غزة والضفة، ولا يعنيه أمر العودة إلى أرض الميعاد أمام أزمة المناخ العالمي، وباتت أجندته السياسية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحقوق الإنسان واعتباره الفلسطيني الضحية المستضعف.
وإذا أضفنا إلى ذلك التوجهات الأميركية الاستراتيجية إلى الانسحاب من الشرق الأوسط، فإننا نجد أنَّ الجيل الشاب الأميركي لا يجد الكثير من المصالح المشتركة والقيم المشتركة بينه وبين “دولة” الاحتلال الإسرائيلي. ورغم أن هذه الظاهرة في بداياتها الأولى، فإنَّها تُصنّف من التهديدات الوجودية لـ”إسرائيل” في حال تزايدها واتساعها في المستقبل.