حزب الله لتصالح الإسلاميين.. و«الدولة»
صحيفة السفير اللبنانية ـ
قاسم قصير:
تخوض كوادر إسلامية في لبنان ومصر وتونس والعراق نقاشات معمقة حول مستقبل عمل الحركات الإسلامية، خصوصاً بعد الثورات العربية ووصول بعض هذه الحركات إلى الحكم أو إلى مواقع متقدمة من الحكم من دون أن تنجح في تحقيق الأهداف التي كانت ترفع لواءها سابقا.
وإذا كان الهدف من النقاشات إعادة تقييم دور الحركات الإسلامية وأسباب فشلها على صعيد بناء الدولة والتنمية، ولو أن هناك استثناءات قليلة، فإن اللافت للانتباه أن بعض الإسلاميين بدأوا يتبنون علناً خيار «الدولة المدنية» ويطرحون ضرورة الفصل بين العمل من أجل الدعوة الإسلامية والعمل السياسي كي يصبح العمل السياسي تحت دائرة النقاش وإبعاده عن الجانب المقدس الذي يحيط بالعمل الديني. وقد برز في العراق في الأشهر الماضية اتجاه واضح لدى بعض المرجعيات الدينية للابتعاد عن العمل السياسي المباشر ودعوة الناس إلى محاسبة الأحزاب الإسلامية كغيرها من الأحزاب السياسية وأن يتم تكريس الاختيار في أية انتخابات وفق معيار الكفاءة وليس الانتماء الديني والطائفي والمذهبي.
وفي لبنان، ناقش بعض الإسلاميين فكرة الدعوة لتبني الدولة المدنية بوضوح والفصل بين العمل الديني والعمل السياسي وان تكون الأحزاب السياسية غير قائمة على أساس ديني أو طائفي، ومع أن هذه الدعوة لم تتبلور بعد في مشروع متكامل، فإن النقاشات حولها قائمة في لقاءات وحوارات غير معلنة، ويستفيد الإسلاميون من التجربة التونسية وتبني حركة النهضة مشروع الدولة المدنية وما يتضمنه الدستور التونسي من مواد مهمة حول حرية الضمير والتعددية، ويعتبر هؤلاء أن نجاح التجربة التونسية قد يشكل دافعاً للقوى الإسلامية لإعادة النظر بمشاريعها الفكرية والسياسية.
والملاحظ أن قياديين في «حزب الله» يقاربون في حوارات مفتوحة مع قوى إسلامية وليبرالية وقومية قضية الثورات العربية والتحديات التي يواجهها العالم العربي اليوم بعد فشل هذه الثورات في تحقيق الديموقراطية والاستقلال (باستثناء تونس)، بلغة نقدية وعلى قاعدة الدعوة الى مراجعة هذه التجربة.
ويعتبر عضو «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض في نقاشات مع كوادر إسلامية وقومية وليبرالية أن هناك عدة تحديات تواجه الواقع العربي اليوم، وخصوصا مسألة الديموقراطية والقضية الفلسطينية والمقاومة والدولة «وإذا لم تجر مراجعة شاملة لما حصل في السنوات الثلاث الماضية وتقييم ما إليه وصلت التطورات في الدول العربية، فإن الأوضاع ستتجه نحو المزيد من السوء وبدل تحقيق الديموقراطية والتنمية فإننا سنكون أمام أنظمة أكثر قمعية وسنرجع إلى ما قبل الدولة، كما يحصل في ليبيا ودول عربية أخرى». ومن أجل مواجهة هذه التحديات، يطرح فياض مشروعا مستقبليا جديدا يضاف إلى مشروعه السابق والذي طرحه قبل سنتين تحت عنوان «ويستفاليا عربية إسلامية» والذي دعا فيه إلى مصالحة شاملة بين الدول والقوى الأساسية في المنطقة العربية والإسلامية.
ويركز المشروع الجديد لفياض على نقاط عدة منها: تبني الحركات الإسلامية لمسألة الديموقراطية بالكامل ومن دون أي التباس أو تقية، اعتماد خيار الديموقراطية المقاومة أي الربط بين الدعوة للديموقراطية والالتزام بمشروع المقاومة وبالعكس، أي أن تكون قوى المقاومة معنية بتبني الديموقراطية بوضوح، اعتماد خيار الدولة لبناء المجتمع والتركيز على دور الدولة، إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية في مشروع التغيير وان يكون الموقف من القضية الفلسطينية مقياساً للموقف من أية ثورة أو دعوة للتغيير.
ويدعو فياض النخب الثقافية العربية لإعادة النظر في نتائج الثورات العربية والبحث بعمق حول أسباب الفشل في بناء الديموقراطية وتبني الدولة المدنية.