حزب الله في بكركي اليوم: هواجس المقاومة من زيارة فلسطين
صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
فراس الشوفي:
فضّل حزب الله أن يبلغ البطريرك بشارة الراعي موقفه من زيارة الأخير إلى فلسطين المحتلة في شكل مباشر. وفد من المجلس السياسي في الحزب يزور بكركي صباح اليوم
لا يمكن أحداً أن ينكر حجم الانزعاج الذي يشعر به حزب الله إزاء نيّة البطريرك بشارة الراعي زيارة الأراضي المحتلّة. وسواء زار الراعي فلسطين المحتلّة من ضمن فعاليات استقبال البابا فرنسيس الأول، أو في زيارة تحمل طابعاً «رعوياً»، أو حتى حجّاً إلى بيت المقدس، يبقى إعطاء شرعية للكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين بمثابة خطيئة كبرى بالنسبة إلى المقاومة.
وإذا كانت لدى قوى سياسية ومدنية وحزبية أخرى، في لبنان وخارجه، إمكانية التعبير عن رأيها صراحةً في زيارة من هذا النوع، فإن لدى حزب الله الكثير من العوائق التي تمنع انتقاد الراعي علناً، مذ قرّر الحزب أن «يساير» التركيبة اللبنانية و«توازنها الطائفي».
هي المرّة الأولى منذ تقسيم فلسطين في 1948 التي يعلن فيها رأس الكنيسة المارونية، بما تحمله من قيمة ليس في لبنان وحده بل في المشرق أيضاً، نيته زيارة فلسطين المحتلّة. ليس هذا فحسب، فتوقيت الزيارة، في أحسن الأحوال، «مريب»، خصوصاً في ظلّ الحديث عن تسوية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، الخاسر الأكبر فيها هو فلسطين، بمسيحييها ومسلميها. وبمعزلٍ عن برنامج الزيارة، الذي سُرّب منه حتى الآن ما يكفي للتأكيد أن الراعي سيكون تحت حماية جنود الاحتلال وأمنه، وأنه سيلتقي عناصر ميليشيا العميل أنطوان لحد الفارين إلى الأراضي المحتلة وعائلاتهم، فإن مجرّد رؤية البطريرك الماروني بين جنود الاحتلال يعدّ أمراً استفزازياً لجمهور عريض من أهالي شهداء المقاومة وضحايا الاعتداءات الإسرائيلية وكل من يرفض هذه الزيارة. وطبعاً، لا يفيد المشهد شيئاً، في تعزيز «الشركة والمحبّة».
كلّ هذا لا يعني أن حزب الله يضع الراعي في خانة الاتهام. منذ اللحظة الأولى لإعلان الزيارة، لاذ الحزب بالصمت، وعلى الأرجح أنه لن يفتح باباً للتراشق الإعلامي مع الذين ينتظرون «على المفرق»، للبناء على خلافٍ بينه وبين الراعي.
لكن الحزب، على ما يقول مقرّبون منه، سيلتقي البطريرك لعرض وجهة نظره وهواجسه، و«المقاومة تفضّل أن تقول رأيها لصاحب الغبطة مباشرةً». وعلمت «الأخبار» أن وفداً من الحزب يضم رئيس المجلس السياسي إبراهيم أمين السيد وعضو المكتب غالب أبو زينب سيزور بكركي العاشرة والنصف من صباح اليوم، لـ«وضعه في وجهة نظر حزب الله وموقفه من الزيارة».
ويقول المقرّبون إن «حزب الله لم يشعر أن لدى البطريرك نيّة للتطبيع مع الكيان الغاصب، بل يحاول أن يرى الزيارة في الإطار الذي رسمه لها كزيارة رعوية، خارج أي سياق سياسي ومؤامراتي في المنطقة». لكن المصادر تشير إلى أن «الحزب، وبعيداً عن رفضه المبدئي، مقتنع بأن إسرائيل ستستثمر الزيارة إلى أبعد الحدود، خصوصاً لجهة تبييض صفحتها في العالم، وتعزيز الشرخ بين شرائح المجتمع الفلسطيني واللبناني». وتضيف أن «الحزب مهتم بوضع الراعي في صورة رؤيته لنية إسرائيل نصب فخاخ له، كحشد شخصيات وفعاليات صهيونية لاستقباله في القرى التي ينوي زيارتها». وفي المناسبة، هذا ليس التواصل الوحيد حول الزيارة بين الحزب وبكركي، إذ جمع لقاءٌ قبل أيام مسؤولين من الحزب مع ممثّلين عن البطريرك، بينهم المطران سمير مظلوم، استمع فيها كل من الطرفين إلى وجهة نظر الآخر، من دون أن يخرج اللقاء بأي خلاصات. وعلى هامش التواصل المباشر بين الطرفين، يعبّر عددٌ من رجال الدين المسيحيين في لبنان، في «السرّ»، عن اعتراضهم على زيارة الراعي. وقدّم عددٌ منهم بعض الأفكار أو «المخارج»، استناداً إلى «المخرج» الذي ابتدعه الكرسي الرسولي، حين أوضح الناطق باسم الفاتيكان الأب فيديريكو لومباردي أن «الراعي ليس ضمن الوفد الرسمي للبابا إلى القدس وذاهب بمبادرة منه». ويترجم هؤلاء موقف الفاتيكان كحجّة للراعي لعدم التزامه بالبرنامج المحدد للبابا، والذي يتضمن لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين. وقد اقترح هؤلاء أن يكتفي الراعي بزيارة الأردن، بدلاً من العبور إلى الأراضي المحتلّة.
وإضافة إلى رجال الدين، تردّد أن النائبين نبيل نقولا وعبّاس هاشم ناقشا مع الراعي أول من أمس، خلال زيارتهما بكركي، «الانعكاسات السلبية لزيارة البطريرك الأراضي المحتلة على الواقع اللبناني»، فيما رفض النائبان التعليق على مضمون اللقاء لـ«الأخبار».