حزب الله… إلى الأمام سر
موقع إنباء الإخباري ـ
حسن ديب:
إنها إسرائيل في أعوام الزوال …
قديم هو الصراع القائم بيننا وبين اليهود ، ذاك الصراع الذي بدأ منذ اللحظة التي تآمر فيها العبرانيون على نبي الله موسى (ع) واتبعوا السامري منتفضين على الرسالة التوراتية …
قديم هو حقاً … ويخطئ من يصنفه في خانة النزاعات السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية ، فهو بكل تجرد صراع الحياة بكل أشكالها أي أنه صراع الله والدين والوطن …
إختلفت أشكال هذا الصراع وفقاً لطبيعة التطور الاجتماعي والسياسات التي مرت على بلادنا منذ آلاف السنين. ولكن الثابت الوحيد هو طموح اليهودية في إقامة دولتها فوق أرضنا. وقد استطاعت اليهودية على مر السنين ان تحكم وتتحكم بطرق مختلفة فحكمت عسكرياً خلال فترات قصيرة في مرحلة ما بعد الرسالة التوراتية والتي انتهت كليا مع الاحتلال الروماني لبلادنا ، ثم حكمت وتحكمت دينياً طيلة الفترة الممتدة إلى حين ظهور الرسالة المسيحية التي حاربوها بكل ما أوتوا من قوة لعلمهم بقداستها وصحتها حتى وصل بهم الأمر بالعمل على قتل السيد المسيح (ع) الذي نعتبره المقاوم الأول بعد ان قام الفريسيون منهم بالطلب من الحاكم الروماني صلبه.
هم أرادوا ولكن الله أراد، فانتشرت المسيحية وحلت مكان اليهودية في معظم أنحاء الأرض فنامت اليهودية في معابدها وأطلقت العنان للماسونية التي تمثل اليهودية السرية والتي انبثقت عنها الصهيونية اليهودية والمسيحية (شهود يهوه) والإسلامية (ما يسمى بالحركات الأصولية وهي تسمية خاطئة من حيث المعنى التفسيري للكلمة). وبدأت الماسونية بوضع الخطط والاستراجيات التي تمكنها من إعادة اليهودية إلى مجدها. صحيح أن محاولاتها كانت تسير بكثير من البطء نظراً السيطرة القوية التي كانت تفرضها السلطة الكنسية على مجتمعاتها لكنها استطاعت وفي القرن الثامن عشر أن تفك القيد الكنسي لتتحول السلطة في أوروبا تحديداً للحكم الملكي، بعد أن كان كل الملوك يخضعون بشكل مباشر لسلطة الكنيسة وهذا ما سهل للماسونية طريق العبور نحو السلطة الاقتصادية للقارة الأوروبية التي كانت تسير وبسرعة على طريق التطور والنمو الاقتصادي، ما منح اليهود السلطة الاقتصادية في أوروبا، والتي ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، هذه السلطة التي مكنتهم بالإضافة إلى تخاذل العرب وخيانتهم (على رأسهم عبد العزيز آل سعود موقع اتفاقية منح فلسطين لليهود) من أن يقيموا الدولة اليهودية في فلسطين، لتكون المرة الأولى التي يحصل فيها اليهود على وطن فعلي (إغتصبوا أرضنا) وليحكموا فعلياً بشكل سياسي وعسكري واقتصادي.
منذ تلك اللحظة في العام 1948 تغيّر شكل الصراع بين العرب وإسرائيل (اسم الدولة اليهودية) بحيث أن العروبة المتنقلة بين الاستعمار العثماني والاستعمار البريطاني كانت تائهة في اختيار المستعمر الأفضل، فوجدت إسرائيل نفسها سيدة الميدان دون حسيب أو رقيب، واستمر الحال على ما هو عليه حتى العام، حتى استفاقت مصر وسوريا من الغيبوبة، ليحدث أول صراع عسكري مع الكيان المحتل، والذي شكل أول احتكاك فعلي بين دول عربية وكيان محتل ولكنه لم يغير في الواقع شيئاً.
إن بداية التغيير الحقيقي كانت فعلياً مع بداية العام 1968، أي بعد مرور عشرين عاماً على احتلال فلسطين، حيث بدأ الاحتكاك الفعلي بين الحركات المقاومة والكيان المحتل، أي أننا كحركات شعبية مقاومة احتجنا لعشرين عاماً كي ننتقل من مرحلة الخوف والرعب من العدو إلى مرحلة الاحتكاك به ولو بضربات خجولة…
واستمرت عملية الاحتكاك هذه دون توقف، وفي تطور ملموس مع بساطته، إلى أن اعتمدت المقاومة سلاحاً جديداً وهو نهج الأجساد المتفجرة، وهو ما غيّر مسار هذا الاحتكاك، وأصبح الورقة الرابحة التي أرعبت اليهود، إلى أن أتى العام 1988، وهو العام الذي شهد بداية الانطلاقة الحقيقية للمقاومة الإسلامية (من حيث العمليات النوعية لا من حيث التأسيس) والذي ذهب بالصراع من مفهوم الاحتكاك إلى مفهوم المواجهة.
واستمرت هذه المواجهة في نموها وتطورها المرتبط بالقدرات العسكرية والميدانية والإيمان العقائدي لدى مقاتلي المقاومة، حتى وصلنا إلى درجة أصبحنا نرى أنفسنا نحن أهل الانتصار. ولقد شكل استشهاد الأمين العام لحزب الله السيد عباس الموسوي نقطة قوة إضافية، بحيث أنه أعطى للمقاومة وجمهورها دافعاً أقوى للسير على ذات النهج وحماية البندقية.
تطورت المقاومة عسكرياً وأمنياً، وتطور معها المفهوم النضالي وثقافة المقاومة لدى جمهورها. تقدمت المقاومة ومن خلفها حشود غفيرة تحمي ظهرها، زرعت العز فحصدت المجد في العام 2000، وكان التحرير ولكنها لم تتوقف، فهي لم تنسَ الأسرى الموجودين في السجون الإسرائيلي، فاستمرت المواجهات الأمنية والاستخباراتية إلى أن أتت عملية أسر الجنديين ومن بعدها حرب تموز في العام 2006.
هذه الحرب التي سجلها التاريخ بأنها الانتصار الأول لفريق عربي على الجيش الذي لا يقهر (ولقد قُهر)، انتصرت المقاومة ورمت خلفها كل مقولة تتحدث عن زمن الهزائم، وأطلقها وريث الأنبياء وسيد المقاومة، بأننا دخلنا في زمن الانتصارات….
ولكن أليس ملفتاً أننا أيضاً احتجنا إلى قرابة العشرين عاماً للانتقال من مرحلة المواجهة إلى مرحلة الانتصار…
هنا يكمن تاريخ هذا الصراع الذي لن ينتهي الا بزوال الكيان اليهودي الغاصب…
يكمن في أننا احتجنا في كل مرة إلى عشرين عاماً لننتقل من حالة إلى حالة:
عشرون عاماً من الخوف إلى الاحتكاك ..
ومثلها للانتقال إلى مرحلة المواجهة …
ومثلها حتى وصلنا إلى طريق الانتصارات، ومن يعرف طريق الانتصارات فإنما ينسى طريق الهزائم …
في العشرين الأولى صوِرَ لنا أن اليهودي هو الذي لا يُقهر فخفنا التجربة …
في الثانية تجرأنا واقتربنا منه بخجل …
وفي العشرين الأخيرة تأكدنا من ضعفه وحققنا الانتصار ..
فماذا تخبىء لنا السنين المقبلة، وماذا بعد أن أصبحنا ندرك كل الإدراك أن المقاومة قادرة على هزيمة إسرائيل في كل مكان وزمان؟
ماذا بعد أن بدأنا نرى الانهيار النفسي والسياسي في الكيان المحتل، يقابله ارتفاع معنوي وتطور ميداني لدى المقاومة وأهلها؟
ماذا بعد ان أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من القدس؟ لا شيء بعد ذلك إلا زوال إسرائيل، ولا شيء بعد ذلك إلا أن يطل علينا وريث الأنبياء من بيت المقدس، ليخطب بنا خطاب النصر المنتظر….
إنها إسرائيل في أعوام الزوال…
حزب الله… إلى الإمام سر.