حرب أمريكا للسيطرة على طرق النقل
صحيفة البعث السورية-
د. رحيم هادي الشمخي:
أفغانستان ليست مغنماً للولايات المتحدة الأمريكية، فلا نفط فيها ولا ثروات، والانسحاب كان خيار المصلحة السياسية الراجح فعلياً، ومن هنا فإن التغيير الكبير القادم سيكون من جنوب شبه الجزيرة العربية، فالمصالح تتقاطر حول النفط هناك في صحارى جنوب الجزيرة العربية، حيث بدأت دهاليز المخابرات الأمريكية والبريطانية تكدس أفرادها جواً وبراً وبحراً نحو الجزيرة العربية، وبشكل حثيث تعمل مشغولة بمكاتبها لإعداد التقارير وصياغة رؤية كاملة للمنطقة.
مدير الاستخبارات القومية الأمريكية دان كوست صرّح تصريحاً قصيراً حول هذا الأمر، وكان صريحاً في كل ما قاله وربطه الانسحاب من أفغانستان بالإعداد لردع ما سمّاه “النفوذ الإيراني” حيث قال: “إنهم أخطر”. ودان كوست معروف أنه متشدّد وله مواقف سابقة ضد روسيا في أزمة الصواريخ الكوبية وغيرها من الأحداث السياسية الأمريكية، وباعتقادي أن ما سيحصل قريباً هو تغيير التمسك بنفط “العراق أولاً”، فالعراق بلد نفطي وأفغانستان لا نفط فيها، والثاني هو التوجّه الأمريكي- البريطاني نحو شبه الجزيرة العربية المنطقة النفطية التي تغذي دول أوروبا والعالم.
إلى جانب ذلك فإن بريطانيا بدأت حرفياً بنقل الأسطول الرابع من قاعدة “ديغونبورت” البحرية إلى خليج عمان، وهذا الأسطول فيه نحو 20 ألف جندي، وتحريك هؤلاء تترتب عليه نفقات باهظة ولا أعتقد أن البريطانيين سينفقون لأجل حماية المصالح البحرية، بل للإعداد لشيء أكبر، وواضح أن الأمريكان بدؤوا يتجهون إلى البحر الأحمر وبحر العرب، وكان خطاب بايدن أكبر تهديد للمنطقة قبل فترة عندما قال: “إننا يجب أن ننسحب من أفغانستان ونعيد توزيع وجودنا في المناطق الأهم”. وهكذا فإن التغيير الكبير القادم سيكون في جنوب شبه الجزيرة العربية، فالمصالح هناك.
ربط بعض المحلّلين العسكريين أن التغيير لم يشمل فقط شبه الجزيرة العربية، بل يتعداها بعيداً وأكثر، وهو التفرغ الأمريكي لمواجهة التنين الصيني، وهذا ما دفع أمريكا أيضاً إلى الانسحاب من أفغانستان وبعدها العراق مع الخوف من الاتفاق الصيني- الإيراني مع طالبان إذا ما حصل ضد أمريكا وبذلك تصبح هي الخاسر الأكبر. لذلك إن النيات الأمريكية تنمّ عن جوهر المسألة الحقيقي في نقطتين:
أولهما: الهيمنة العسكرية على منابع النفط العربية لضمان إمدادات النفط إلى أمريكا وحلفائها الأوروبيين.
ثانيهما: قطع طريق الحرير وعرقلة المشروع الصيني المنافس لأمريكا، وشلّ حركة تفوق كوريا الديمقراطية الذي مازال الشغل الشاغل للتكنولوجيا العسكرية الأمريكية، ولما تتمتّع به من جيش قويّ ومدرب تدريباً مهنياً وعقائدياً.
ما تجدر الإشارة إليه اليوم أن هذه الأساطيل البحرية الأمريكية والغربية التي تجيشت في منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر إلى جانب نقل الأعداد الكبيرة من الجنود باتجاه شبه الجزيرة العربية لا تخلو أبداً من فعل وشيك للسيطرة على الطرق البحرية والبرية والجوية.