حراك لأهالي المقاتلين التونسيين المعتقلين في سوريا
موقع العهد الإخباري ـ
حسين مرتضى:
ليس بالمفاجئ الحديث عن المقاتلين الأجانب القادمين للقتال في سورية. لكن قضية المقاتلين التونسيين الذين يتوافدون بالعشرات عبر الحدود السورية التركية، مروراً برحلة تجنيد وتدريب طويلة، تفاعلت كثيراً في الأيام الماضية، بعد الحراك الشعبي الذي بدأه أهالي الشباب التونسي الذي ارسل للقتال في مختلف المناطق السورية.
شجّع المناخ العام في تونس ما بعد الثورة، على انتشار هذه الظاهرة، مع التساهل والاستهتار الذي تبديه حركة “النهضة” الحاكمة، في التعامل مع التيارات السلفية الجهاديّة، بالذات المرتبطة بالممول الخليجي. حيث تقوم قطر بضخّ أموال إلى جمعيات وشخصيات تونسية، مقابل تجنيد الشباب التونسي، وإرسالهم إلى سوريا، وتدفع عمولة لتلك الجمعيات بمبلغ 3 آلاف دولار عن كل شاب تونسي يتم تجنيده!.
في التفاصيل يقوم المسؤول التونسي في تلك الجمعية، بعزل هؤلاء الشبان في معسكرات في المثلث الصحراوي بين ليبيا وتونس والجزائر، ثم يتمّ ترحيلهم لاحقاً إلى تركيا حيث توجد شبكة مختصة أخرى تستقبلهم وتدخلهم إلى الأراضي السورية، بعد تدريبهم بطريقة سريعة، في معسكرات للتدريب في محافظة غدامس في ليبيا، التي تبعد 70 كلم عن الحدود التونسية، وبعد أن يتلقى هؤلاء الشبان بعض التدريبات العسكرية ثم ينتقلون إلى محافظة الزاوية ليستكملوا تدريباتهم لمدة 20 يوماً، ينتقلون إلى ميناء البريقة للسفر إلى إسطنبول ومنها إلى الحدود السورية، حيث يُسلمون إلى جبهة النصرة!.
وهذا ما كشفته أسبوعية “لوكانارد انشينيه” الفرنسية، عن أن المسلحين “السلفيين” يتدربون في ثلاثة معسكرات ليبية قبل توجههم للقتال على الأراضي السورية.
ونقلت الأسبوعية عن دبلوماسي فرنسي ووفقاً لمعلومات الأسبوعية، أن “المخابرات العسكرية الفرنسية تراقب معسكرات في جنوب ليبيا، وتستقبل المئات من العرب والأفارقة الذين يحصلون على تدريبات للقتال في أكثر من معسكر قبل أن يتوجهوا إلى سوريا أو إلى الساحل” في شمال البلاد.
الحراك الشعبي التونسي حول هذه القضية لم يتوقف أبداً، وكان آخره، المبادرة الأولى من نوعها على الصعيد العربي، حيث اتفقت مجموعة من منظمات المجتمع المدني في تونس وسوريا، على مبادرة لحقن الدماء ونبذ الكراهية والعنف، والتحرك بشكل مشترك من أجل مساعدة أفراد الجاليتين التونسية في سوريا والسورية في تونس، على حل الإشكالات التي تعترضهم بالتنسيق مع حكومتي البلدين. والتدخل من أجل إطلاق سراح المعتقلين التونسيين المغرر بهم المسجونين في سوريا ممن لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين وأعراضهم.
وبالفعل وصل منظّمو هذه المبادرة إلى دمشق، وبعد اجتماع مطول في دمشق ضم ممثلين عن “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة” و”الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين” و”جمعية إغاثة التونسيين بالخارج” و”اتحاد التونسيين من أجل الحرية” و”جمعية مراسلون أحرار” عن الجانب التونسي، و”المرصد السوري لضحايا العنف” و الارهاب” و”دار محجوب الخيريّة” عن الجانب السوري؛ تم إصدار بيان أكد فيه المجتمعون أنه بقدر إيمانهم بحقّ الشعوب في حلّ أزماتها الداخليّة بمختلف أنواعها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بما فيها حقّها في اختيار حكامها بشكل ديمقراطي تكون فيه صناديق الاقتراع هيّ الفيصل، دون تدخّل خارجي، فهم يرفضون الإرهاب بجميع أنواعه فكريّا ومسلّحا بصفته خطرا يهدّد الدول بالتفكّك والشعوب بالإبادة وبوصفه عابرا للحدود لا ينتمي للإنسانيّة ولا دين له. ودعت منظمات المجتمع المدني الحكومة السوريّة إلى إصدار مرسوم عفو خاص على الموقوفين أو المساجين التونسيين الذين لم تتلطّخ أياديهم بدماء سوريّة أو الذين اختاروا إلقاء السلاح بمرسوم عفو خاصّ.
كما طالبت الحكومة التونسيّة بالالتزام من خلال منظمات المجتمع المدني بالعمل على الاحاطة بمن سيُطلق سراحهم عبر إعادة تأهيلهم نفسيّا وفكريّا واجتماعيّا ودمجهم داخل المجتمع التونسي. مع بذل كلّ الجهود من اجل استعادة رفات التونسيين الذين قُتلوا في سوريا وتسليمها إلى عائلاتهم بالتنسيق مع المنظمات الدوليّة المعنيّة.
في ذات السياق رافق الوفد التونسي، عدد كبير من أهالي المعتقلين التونسيين في سورية، وتمكنوا من لقاء ابنائهم في مخفر كفر سوسة بالعاصمة دمشق، بعد سماح الحكومة السورية بذلك، ودامت الزيارة ثلاث ساعات قابل فيها الأهالي أبناءهم وكانت ساعات من العناق والدموع خشعت لها قلوب كل الحاضرين، واعتذر الموقوفون من آبائهم وأمهاتهم وغادر الاهالي المخفر محملين بالآمال لعلهم في الايام القليلة القادمة يعودون الي تونس نهائيا ولعلهم في الايام القليلة القادمة يفرحون بالعودة النهائية لأبنائهم لأرض الوطن.
وقالت والدة حسين بلال احد المعتقلين التونسيين في سورية لمراسل العهد أنا “اتيت إلى سوريا بعد أن سمعت بأن ابني هنا، من اجل زيارته في السجن، وبإذن الله يعود معنا إلى تونس، وأنا باسم الأمهات التوانسة وباسمي نطلب المسامحة من الأم السورية ونطلب الشكر للشعب السوري”.
فيما وصفت والدة احد المعتقلين لمراسل العهد شعورها بالزيارة وقالت “اتيت لابني هو هيكل تويكي مسجون في سوريا، وأنا فرحة جدا اليوم لأني سأقابل ابني ونشكر الشعب السوري بجميع مكوناته، الذي استقبلنا بكرمه المعتاد، ونطلب المسامحة نيابة عن تونس كلها وإن شاء الله ربي يوفق الجميع لما فيه خير، وإن شاء الله بتمكن من زيارة ابني وإن شاء الله يعود عن قريب الى البلاد”.
ولفت مصدر سوري لـ”العهد” إلى أن الحكومة السورية تعمل مع المجتمع المدني السورى والمنظمات الدولية ذات الاختصاص لمعالجة موضوع المقاتلين التونسيين الراغبين بتسليم أنفسهم والانسحاب من ساحات القتال عبر تأمين آلية واضحة لانسحاب آمن للراغبين منهم مع ضمان إجراءات عادلة وشفافة وفقاً للأنظمة المرعية والاتفاقات الدولية المعمول بها مع إمكانية النظر فى تنفيذ اتفاقيات تسليم المساجين لدولهم لقضاء العقوبة المحكومين بها.