جيش لحد جديد .. لكنه في سوريا!
صحيفة الوطن العمانية ـ
خميس بن حبيب التوبي:
لا يكاد يمضي يوم إلا ويعطي مزيدًا من الأدلة الإضافية على أن ما تشهده بعض الدول العربية من حراكات نشأت نتيجة أسباب اجتماعية ومعيشية، بدأت تحولاتها تسير في الاتجاهات الخاطئة لتطيح بالأحلام الوردية التي رسمها أصحاب تلك الحراكات، لتتحول من أهداف كان يمكن أن تكون أهدافًا وطنية تنموية تبعث في جسد الدولة الحيوية والمنعة والقوة، وتخلصه من أدران تراكمات الماضي، إلى كرات نار تهدد بحرق جسد الدولة بكل من وما فيه.
فالتحولات الجارية في دول ما يسمى “الربيع العربي” من استئثار فئة معينة أو حزب أوحد بالسلطة ومظاهر الفساد المالي وغياب العدالة الاجتماعية، وتغييب مبدأ المشاركة، تعبر عن نكوص كبير في المسار الذي يفترض أن تسلكه الحراكات، بل الأشد والأنكى في هذا الأمر هو الميل كل الميل إلى العدو الخارجي للاستقواء به وتسليمه زمام القيادة، وبالتالي توفير كافة الظروف والتسهيلات لتمرير مخططاته الاستراتيجية وتحقيق أهدافه. وتعد وقائع المشهد السوري جراء الأزمة المتفجرة منذ عامين تقريبًا مرآة عاكسة للحقيقة الكبرى وهي أن دول الحراكات أو بالأحرى الفوضى قد دخلت فعلًا في سراديب المجهول المعتمة، وأن من أدخلها فيها هؤلاء الذين يملأون المساحات الواسعة المتاحة لهم في الفضائيات الموالية والمؤتمرات المناصرة نعيقًا بأنهم ضد العنف والظلم والفساد ومع الدولة المدنية الديمقراطية والحكم الرشيد والحريات وغيرها من المزاعم التي ما أنزل بها من سلطان.
وفي الوقت الذي صمَّتْ فيه المعارضة السورية وقياداتها الآذان، وملأت الآفاق تشويهًا وتحريضًا وتأليبًا ضد الحكومة السورية بأنها موالية وحامية لكيان الاحتلال الصهيوني بدليل أنها لم تطلق طلقة واحدة باتجاه هذا الكيان الغاصب رغم انتهاكاته واستفزازاته المستمرة، تمتلئ المشاهد على اختلاف تلاوينها بفضائح المعارضة السورية المسلحة وقياداتها في الخارج والتي بدأت تترى بصورة ملحوظة لتعري مزاعم الرغبة في الحرية والديمقراطية والدفاع عن الشعب السوري وغيرها، حيث توافرت الشواهد التي تفضح من يتخندق في خندق كيان الاحتلال الصهيوني ومن يقف ندًّا لهذا الكيان المسخ، ومن بين هذه الشواهد:
الأول: التنسيق التام بين قيادات ميليشيا ما يسمى “الجيش السوري الحر” وبين عملاء الاستخبارات الأميركية والأوروبية والصهيونية والإقليمية، فلم يعد سرًّا التقاء عملاء الموساد الصهيوني برياض الأسعد قائد ميليشيا ما يسمى “الجيش الحر” وتوفير الضمانات والحماية الكافية لهم لتأمين دخول هؤلاء العملاء وغيرهم إلى سوريا، وطبعًا دخول هؤلاء ليس للنزهة، وإنما لتشكيل شبكات تجسس وخلايا إرهابية، ولرصد المواقع السورية الحساسة، فأرشيف الإعلام الصهيوني مليء بهذه الحقائق.
الثاني: استهداف مركز البحث العلمي في منطقة جمرايا بريف دمشق من قبل طيران الحربي الصهيوني على خلفية تمكن الجيش العربي السوري من ضبط خلية تجسس تابعة للموساد الصهيوني واعتقال أفرادها، حيث كانت تعمل الخلية جنبًا إلى جنب مع عصابات ما تسمى “جبهة النصرة” الإرهابية، وميليشيا ما يسمى “الجيش الحر” الذين زودوا الطيران الحربي الصهيوني بالإحداثيات لقصف المركز، فضلًا عن دور الأقمار الاصطناعية الصهيونية التي ترصد تحركات الجيش العربي السوري وتزويد العصابات المسلحة بها، بالإضافة إلى الأسلحة والقنابل ووسائل الاتصال المتطورة الصهيونية والأميركية والأوروبية.
الثالث: وهو الأحدث في سلسلة فضائح المعارضة السورية المسلحة وقياداتها، حيث أعلن بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني عن فتح طرق عند خط وقف إطلاق النار في الجولان السوري المحتل لعناصر ميليشيا ما يسمى “الجيش الحر” وعصابات ما تسمى “جبهة النصرة” وغيرها من العصابات الإرهابية، وذلك لتقديم واجب “الرعاية الطبية والعناية الإنسانية” الصهيونية “الرحيمة”. ولا أدري مقادير الشرف ومشاعر الامتنان التي تملأ خوالج المعارضة السورية المسلحة وقياداتها من الوقفة “الإنسانية” لنتنياهو وحكومته، ولا أدري ما موقف الذين غيَّبتْ وعيهم الفضائيات والصحف الموالية للموالين والمتحالفين مع كيان الاحتلال الصهيوني واستخباراته من المعارضة السورية؟
لقد نجح كيان الاحتلال الصهيوني في اصطياد المعارضة السورية المسلحة وقياداتها في الخارج التي تربت أساسًا في كنف الاستخبارات الأميركية والأوروبية، وهذا الاصطياد ما كان له ليكون لولا وجود الاستعداد التام لدى هذه المعارضة لبناء تحالف مع كيان الاحتلال الصهيوني الذي يبدو أنه استطاع أن يحقق إنجازًا لتكوين نواة لجيش لحد جديد في الجولان السوري المحتل وعلى الحدود اللبنانية، ليكون جبهة أمامية له تؤمِّن له أي هجمات، ليمارس الدور ذاته الذي كان يمارسه جيش لحد في جنوب لبنان، خاصة وأن هناك أنباء عن رغبة كيان الاحتلال الصهيوني إقامة حزام أمني على طول الحدود مع سوريا بعمق 16 كيلومترًا في الوقت الذي بدأ فيه بتشييد جدار حدودي هو الأكثر تطورًا في العالم بطول 60 كيلومترًا في الجولان السوري المحتل. بالتأكيد أن الأيام حبلى بالأحداث التي لا تزيد حقيقة “الربيع العربي” والأزمة السورية تحديدًا إلا انبلاجًا ووضوحًا.