جنود الإحتلال و”متلازمة حزب الله”!
موقع الخنادق:
يأتي انتحار الجندي الإسرائيلي، إسحاق تشين من “فرقة المظليين” الذي شارك في الحرب على لبنان عام2006 وأقدم على طعن نفسه 20 طعنة بعد معاناة من حالات نفسية معقدّ وصعبة، بالتزامن مع تصعيد في مواقف وتصريحات وزير الاحتلال نفتالي بنيت وادعاءاته التوجه للخيار العسكري ضد إيران على خلفية برنامجها النووي، وتحريضه ضد التوصل الى أي اتفاق في مفاوضات فيينا الحالية التي أنهت جولتها السابعة، كما ان مناورات الجيش في الشهر الماضي كانت تحاكي “الحرب على كل الجبهات”، ما يعني محاولة استعداد لمثل هذا السيناريو. فيما الجندي الذي طعن نفسه بـ 20 طعنة وهو يصرخ – بحسب ما صرحّت اخته للإعلام العبري – ” أغلقوا النوافذ، حزب الله يتنصت علينا”، دليل واضح على ان جنود الاحتلال وجيشه لم يستطيعوا سدّ فجوات عمرها أكثر من 16 عاماً. ففي نيسان الماضي أضرب جندي النار بنفسه أمام مركز “التأهيل” في وزارة الحرب الإسرائيلية، وكان الجنديّ قد تعرّض لصدمة نفسيّة قويّة خلال مشاركته في الحرب على قطاع غزّة العام 2014.
دراسات إسرائيلية: جنود الاحتلال يعانون “صدمة المعركة”
فالجنود الإسرائيليون الذين “يعوّل” عليهم بنيت، او من سبقه أو سيخلفه، لكسب الجولات العسكرية هم في أغلبهم من المرضى النفسيين، أو ممن يعانون حالات عصبية تدفعهم بشكل كبير الى التفكير في الانتحار والاقدام عليه بشكل فعلي، حيث تشير مراكز الدراسات الإسرائيلية في آخر إحصاءاتها المنشورة في الاعلام الى ان الانتحار يُعد السبب الأول والرئيسي لموت الجنود ، وقد سجّل عام 2020 ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة المحاولات التي وصلت الى 6215 وسط حالة صحية ونفسية صعبة، وسُجّل ارتفاع بنسبة 100 في المئة، في الحالات التي وصل فيها شبان إلى مراكز التجنيد وفي حوزتهم وثائق طبية تدل على أنهم يعانون مشاكل نفسية، ومعظمهم يعانون من انفصام الشخصية، بالإضافة الى ان عدد الجلسات النفسية للجنود بين عامي 2016 –2017 تجاوز الـ47 ألفاً، فيما بدأ يلُاحظ هذا الارتفاع الكبير في حالات الامراض النفسية والانتحار في صفوف جيش الاحتلال مشاركة الجنود في الحرب على لبنان عام 2006، حيث كُشف عن انتحار 58 جندياً بعد أشهر فقط، وتصاعدت بعد الحروب الأربعة على غزّة.
وفي هذا السياق يؤكد الخبير في الشؤون الإسرائيلية، حسن لافي، لموقع “الخنادق”، ان “هناك حقيقةً حالة داخل الجيش الإسرائيلي تسمى حالات التوتر النفسي أو حالات الأمراض النفسية التي قد تؤدي الى الانتحار في بعض الحالات بالغالب تسمى “صدمة المعركة”، فيكون المستوطن القادم الى هذه الأرض غير قادر على ان يواجه بشكل أساسي القتال البري، بمعنى القتال وجهاً لوجها، لأن هذا يحتاج الى نوع من أنواع الاستحضار النفسي، وتعتبر “صدمة المعركة” من أكثر الأمراض النفسية شيوعاً بين جنود جيش الاحتلال خاصة بعد الخروج من الخدمة العسكرية”.
ويُفسّر “المركز الإسرائيليّ للصدمة وضحايا الحرب والإرهاب” (Natal)، اضطّراب “الكرب التّالي للرضح” – حالة نفسية لدى بعض الجنود – على أنّه “عند التعرّض لحدث صادم، يمتلئ النّظام النفسيّ/ العاطفيّ بمحفّزات أكثر ممّا يستطيع التّعامل معه، وتظلّ تلك المحفّزات في النّظام بشكلها الخام، غير معالجة وأحياناً تعود وتشقّ طريقها غصباً إلى الواقع في شكلها الأصليّ. نتيجة لعودتها يعيش الشّخص الأحداث الصّادمة في شكليها العاطفيّ والجسمانيّ مرّة أخرى كما لو أنّها تحدُث هنا والآن. كلّ الصّور، الرّوائح، الصّخب والذّكريات التي شكّلت جزءاً من التّجربة الصّادمة تعود لتطغى على وجود الشّخص الذي يشعر كما لو أنّه يتعرّضُ لاعتداء مفاجئ”، وتشير الدراسات ان هناك على الأقلّ جنديّا واحدا من بين 12 يُظهرُ أعراض هذه المتلازمة.
الوحدات البرية تتآكل في جيش الاحتلال
يضيف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، ان هذه الحالات والامراض لها تأثيرات جدية على ثلاث مستويات:
_ اولاً، الـتأثير على نوعية الجندي الذي يدخل الى المعركة، وجهوزية الجيش.
_ ثانياً، تؤدي الى إضعاف بنية السلاح البري والوحدات القتالية، بالإضافة الى عزوف الكثير من “الشباب الإسرائيلي” للدخول الى هذه الوحدات، وهذا حقيقة بات ظاهرة جدية داخل الجيش وهناك الكثير من الإجراءات التي تحاول المؤسسة العسكرية من خلالها تشجيع “الشباب” على الانخراط ليس فقط في الوحدات الخاصة بل حتى في الوحدات المباشرة أيضاً لأن التجربة تقول لهؤلاء الشباب ان الكثير ممن دخلوا في هذه الوحدات أصيبوا بـ “صدمة المعركة”.
_ ثالثاً، إشكالية الحرب المقبلة، “إسرائيل” منذ عام 2006 لديها إشكالية في سلاح البر العمليات البرية، وتدرك مؤسستها العسكرية بأنها لن تحقق “انتصار” وبدون معركة برية مبنية على الجندي المقاتل، فاذا كان الجندي يعاني من إشكاليات تمنعه من تقديم أفضل ما لديه فان الكيان لن يستطيع تحقيق أهدافه.
وبالتالي هذه الامراض النفسية هي بالتأكيد عائق في الحرب أو عائق لتجنيد “الشباب” بصفتهم القوة اللازمة لسلاح البر، وهي ثغرة تهدد جيش الاحتلال بشكل مباشر في إمكانية خوضه ووصوله الى أهدافه المزعومة في الحرب المقبلة، وخاصة إذا ارتفعت نسبتها.
كما ان العمليات الفدائية الأخيرة في القدس من طعن ودهس أمس وفجر اليوم والعمليتين في الأسابيع القليلة الماضية، إذا استمرت بشكل مكثّف ضد جنود الاحتلال بالتأكيد “ستؤثر على نفسية الجنود بحيث يصبحون في حالة من التوتر والقلق الدائم والخوف على حياتهم وبالتالي يؤثر سلبا على أدائهم العسكري”.
الاحتلال يخفي الأرقام الحقيقة!
بعد حرب تموز، أنشأ كيان الاحتلال سراً حتى ينقذ هيبته، قرية خاصة لمعالجة هؤلاء الجنود، أطلق عليها اسم “ايزون” وتعني التوازن، وتسجل فيها 900 جندي ممن شاركوا في الحرب، وبحسب الحالات التي وصلت إلى القرية العلاجية، هناك العشرات ممن حاولوا الانتحار. كما يحاول الكيان إخفاء الأرقام الحقيقة لعدد الجنود الذين يعانون من حالات نفسية صعبة ولا يعرض الكثير منها في الاعلام، اذ يشير الخبير لافي الى انه “لا يوجد أرقام حقيقة لأن هذا الموضوع من الاسرار العسكرية، ولكن كان هناك العديد من الحالات التي خرجت على الاعلام، وتكلّمت عن هذه الامراض ومحاولات الجيش إخفاء ذلك وعدم الاعتراف بوجود مثل هذه الحالات”.
فيما تشير صحيفة “الغارديان” البريطانية في تقرير عام 2018 الى ان عدداً من الجنود السّابقين في جيش الاحتلال يتّهمون الحكومة بـ “التخلّي عنهم” بعد “أدائهم واجبهم الوطنيّ تجاه إسرائيل”.
وليست الأمراض النفسية هي الثغرات الوحيدة التي يعاني منها الجنود اذ ان مراكز الدراسات الإسرائيلية سجّلت عام 2017 أن نسبة 54% من الجنود في جيش الاحتلال يتعاطون المخدرات لا سيما مادة “القنّب”.