جلسة الثقة تفتتح السباق الرئاسي. هذه هي المواصفات الأميركية.. من هم المرشحون؟
ـ السفير
إيلي الفرزلي:
هل هي مناسبة للاحتفال بأن في لبنان دولة؟ أم أنها مناسبة ليتذكر اللبنانيون كم أن دولتهم تثير الشفقة؟ يلتبس الأمر للحظات، قبل أن يحسم محدثك النقاش، معبراً عن الكثير من مشاعر الشفقة على ما آلت إليه أمور السياسة في البلد. المشهد الديموقراطي الذي يتحضر قلة من اللبنانيين لاستقباله يومي غد وبعد غد لن يكفي لإيهامهم بعكس ما يرون من مظاهر اللادولة، أما الأغلبية الساحقة منهم فعيونها مسمّرة في أمكنة أخرى.. هناك حيث الموت يتربص بهم.
مشهد عودة الحياة إلى القاعة العامة في مجلس النواب يشبه نفخ حاوٍ في مزماره مراقصاً الأفعى قبل أن يعيدها إلى حقيبته. ولأن الحاوي قرر تشكيل الحكومة، فلذلك تبعاته.. إقرار بيانها الوزاري أولاً وإعطاؤها الثقة ثانياً.. وثالثاً ورابعاً وخامساً كل ما يساهم في تعزيز السلطة اللبنانية في مواجهة الاستحقاقات المقبلة، وأبرزها الانتخابات الرئاسية والتعامل مع النزوح السوري. من يتابع مجريات العمليات التفاوضية يختصر تطورات المشهد الحكومي بالقول إن التعقيدات كانت تصنع في الداخل والحلحلة تستورد من الخارج. يترك للأفرقاء هامش السعي إلى تحسين شروطهم في البداية إلا أن النهاية لا تكون إلا بما يحفظ المصالح الخارجية. لم يكن المشهد هكذا من قبل. ومن اعتاد في «14 آذار» أن تكون عوكر داعماً للمواقف المتصلبة، يجدها اليوم تقوم بدور مختلف تماماً. كلما تعقدت في مكان سارع السفير الأميركي دايفيد هيل إلى حلحلتها. يطير من عاصمة إلى أخرى لتمرير اتفاق من هنا أو تنازل من هناك. الممر الإقليمي والدولي الذي يسير عليه مختلف الأطراف صارت معالمه واضحة: المطلوب تمهيد الأرضية الصالحة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. أكثر من ذلك، يرى المصدر المتابع أن الأميركيين صاروا يملكون مواصفات الرئيس الجديد بغض النظر عن الأسماء التي لم يحن أوان طرحها بعد. ولأن «حزب الله» صار جزءاً من معادلة إقليمية، ولأنه لم يعد في نظر أميركا شرا مطلقا، فالمطلوب من الرئيس الجديد أن يكون قادراً على التحاور معه وبحث سبل التعايش بينه وبين الدولة. العونيون لهم مصلحة في التأكيد أن هذه المواصفات لا تنطبق إلا على العماد ميشال عون، وبعض خصومهم يخشون فعلاً أن يكون ذلك صحيحاً.
يصوّر مصدر متابع رفض سمير جعجع المشاركة في الحكومة على أنه اعتراض على هذه المواصفات التي تعطي نقاطاً إضافية لغريمه. كما يصوّر المصدر مغازلة جعجع لـ«حزب الله»، العلنية أو عبر بعض القنوات الضيّقة، بالسعي لتعويض ما فاته من خلال إعادة استدراج العروض والقول إنه ليس بعيداً عن المواصفات الأميركية. يسأل المصدر: هل ندم جعجع لتخليه عن فرصة التواصل الطبيعية مع الحزب على طاولة مجلس الوزراء؟
لا يحتاج التأثير الأممي ـ الأميركي الكثير من التحليل لإثبات فاعليته. خطاب «14 آذار»، و«المستقبل» تحديداً، لا يتناسب مع سلوكه. في العلن، يصرخ نوابه ووزراؤه عالياً في وجه «حزب الله» وسلاحه ومشاركته في سوريا، فيما يسعون، في السر، إلى فتح قنوات اتصال أمنية وسياسية معه. يصرون على إسقاط المقاومة من البيان الوزاري، ثم يهللون لبيان يعطي المقاومة أكثر مما أعطتها المعادلة الثلاثية. يرفضون تدخل لبنان في صفقة راهبات معلولا، ثم يتوسلون أصدقاء سوريا من المسؤولين الوساطة في قضايا أخرى. يرفضون إبقاء وزارة الطاقة مع جبران باسيل، ثم يقنعهم الأميركيون بإعطائه الخارجية إضافة إلى «الطاقة». يلعب «المستقبل» و«التيار» كرة الطاولة، فيما يراقب حلفاؤهما كيف يتناقلان الطابة بخفة. صدى صوت سهيل بوجي قائلاً، بعد مداخلة لباسيل في مجلس الوزراء الأخير: «كأنني أستمع لنائب رئيس تيار المستقبل وليس لقيادي في التيار الوطني الحر»، ما يزال يطن في آذان الوزراء، معبراً أفضل تعبير عن الخروقات التي فرضت على المشهد السياسي.
مع ذلك، فالنبرة ستبقى عالية من الآن وحتى الانتخابات الرئاسية. جلسة الثقة ستشكل المحك الأول للتعبير عن المعادلة الجديدة. قد يجد فيها البعض فرصة لعرض برنامجه الانتخابي، عله يلفت أنظار الناخب الفعلي خارج الحدود. يقول المصدر المطلع إن الأميركي لا يريد أن يجد المعادلة التي تصهر «حزب الله» في الدولة فحسب. هو مهتم أيضاً بمحاربة «القاعدة» إن كان في سوريا أو في لبنان، بالتعاون المباشر مع السعودية، وربما غير المباشر مع النظام السوري.. وهذا أيضاً عامل وازن في معادلة الرئاسة التي ترسم بدقة.