جذور الديموقراطية وحقوق الإنسان في السعودية
موقع العهد الإخباري ـ
زينب عقيل:
قال القذافي يومًا “الديموقراطية تعني ديموا الكراسي”، فشعر الحضور بالإهانة، لكن ليس لدرجةٍ خرجوا على إثرها من المجلس، ثم أُخذت حينها وبعدها في معرض مجموعة أقواله المثيرة للضحك والتهكم. وفي عام 2013، دخلت السعودية مجلس حقوق الانسان، فلم نعرف حقًا كيف نهدأ من الضحك، الى أن تم تعيين السفير السعودي على رأس لجنة الخبراء المستقلين في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. هنا للتأكد من كلمة “الخبراء” بدا ضروريًا تحسّس العقول.
وإذا كانت العلاقة بين الحاضر والتاريخ هي التعرف إلى مجرى الحركة التاريخية لدراسة الماضي وملاحظة سنن الكون، يبدو ملحًا العودة الى تاريخ الديموقراطية وحقوق الانسان في السعودية كونهما متلازمين، لنعرف كيف تقلبت “السعودية” عبر الأزمان، وتطورت في السياق الطبيعي للسنن الكونية، حتى استحقت منصبًا يفترض أنه يعمل على “نشر الإنسانية في العالم”.
نجد نطفة السعودية
في كتاب جذور الإرهاب في العقيدة الوهابية، يقول المؤلف الدكتور أحمد محمود صبحي “منطقة نجد متطرفة في مناخها، شحيحة في مواردها، منعزلة في صحرائها لا يرى أهلها إلا أنفسهم، ولا يرون في الأغراب إلا مجرد ضحايا للسلب والنهب حين يمرون على صحراء نجد من العراق إلى الحجاز. ويضيف “في صحراء نجد القاحلة والواسعة عاش الأعراب على قطع الطريق، وما عدا الثورات ومشروعات الدول الدموية فإن تاريخ نجد العادي هو مجرد غارات داخلية فيما بينهم أو غارات سنوية عادية على قوافل الحجاج، أي مجرد غارات “علمانية” بدون شعارات دينية. ولكن تلك الغارات المعتادة استلزمت أن تسير قوافل الحجاج في حماية جيش كامل، لحماية الحجاج من غارات أعراب نجد”.
ثم تحقق ما نظر له ابن خلدون في مقدمته الشهيرة عندما قال “أن الأعراب هم أسرع الناس للخراب، وأنهم يحتاجون إلى دعوة دينية يستطيعون من خلالها استحلال الدماء والأموال والأعراض وإسباغ الشرعية على ثوراتهم واعتدائهم”، وذلك بعد “تحالف بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود صاحب الدرعية ، وهي مدينة منسية في صحراء نجد. وقد تم هذا التحالف عام 1158 هجرية، وبه أعطى ابن عبد الوهاب الأمير السعودي مسوغًا شرعيًا لغزو البلاد الأخرى واحتلالها، وقتل أهلها بعد اتهامهم بالكفر، وإكراههم على قبول الوهابية على أنها الإسلام، زاعمًا ان هذا هو الجهاد الذي كان يفعله النبي محمد عليه السلام” .
فكانت تلك الدولة السعودية الاولى التي دامت قرنًا واحدًا قبل ان تقضي عليها الدولة العثمانية، نذكر من مفاخرها المؤسِّسة لـ “نشر الانسانية في العالم” ما ورد على لسان المؤرخ عثمان بن بشر النجدي حين وصف غارة على أعراب بني خالد عام 1207 هجرية، عندما هاجمهم سعود بن عبد العزيز بغتةً وهم يسقون دوابهم على عين ماء. يقول ابن بشر متفاخرًا في كتابه “عنوان المجد في تاريخ نجد” فنهض عليهم المسلمون فرسانا وركبانا فلم يثبتوا لهم ساعة واحدة ، فانهزم بنو خالد، فتبعهم المسلمون في ساقتهم يقتلون ويغنمون، واستأصلوا تلك الجموع قتلاً ونهباً”…
لكن الواقع أن مواجهة الدولة الإيديولوجية لا يتم بمجرد القضاء عليها عسكريًا، فعادوا دولة “ثانية” ما لبث الصراع على العرش أن أسقطها.
الدولة السعودية الثالثة الحالية والديموقراطية
تحت ظلال سيفين، انتصبت النخلة عَلَمًا للدولة السعودية الثالثة، حيث استطاع عبد العزيز المعروف بابن سعود استعادة “ملك آبائه” بعد استيلائه على الرياض عام 1902، وتوسع الى الاحساء واستولى على الحجاز، مع استمرار الهجوم على الكويت والعراق وشرق الأردن، متقلدًا سيف الارهاب بيمينه وسيف الوهابية بيساره. بعدها قضى وقتًا طويلًا يعمل على عقد المؤتمرات لتصفية الخلافات التي شبت أثناء فتح الحجاز بسبب المذابح التي ارتكبها البدو النجديين لقيام الدولة في الطائف. هكذا حكم الشعب بالشعب ومن الشعب وإلى الشعب، واذا كانت الديموقراطية هي تعريف هذا الحكم، فيبدو أن النخلة في العلم المذكور، ليست الا تلك الديموقراطية، تحت ظلال سيفي الارهاب والايديولوجية الوهابية.
وهكذا، استمر هذا الحكم وتطورت تلك العقيدة وتجذرا في نسيج الدولة السعودية الثالثة، ووصل بنا “الجمّال” السعودي الى تاريخنا المعاصر، ولم نجد الجمل الا مربوطًا في إحدى قاعات الأمم المتحدة، وتحديدًا قاعة منظمة حقوق الانسان. ولا ادري أيهما أشدّ دهشة، مشهد الجمل المربوط في الأمم المتحدة، أو مشهد التضارب الوظيفي لجمعيات حقوق الانسان السعودية الرسمية وغير الرسمية، إذ جاء في الخبر أن “مصادر في جمعية حقوق الإنسان غير الرسمية، اتهمت هيئة حقوق الإنسان الرسمية، بالتدخل في قضايا تباشرها الجمعية، وحذرت من تأخر النظر في القضايا الحقوقية بسبب الازدواجية والتضار”. ولولا أننا لم نلبث أن عدنا من التاريخ، لصدقنا أن الديموقراطية في السعودية، نافذة حدّ التضارب في الوظائف والآليات.
وبحسب مؤشر الديموقراطية في العالم، بدا لافتًا غياب السعودية عن القائمة. وهو مؤشر تعدّه وحدة الاستخبارات الاقتصادية البريطانية، لقياس حالة الديموقراطية في الدول، ويعمل على مؤشرات تُجمع في فئات، هي العملية الانتخابية والتعددية، والحريات المدنية وأداء الحكومة، والمشاركة السياسية والثقافة السياسية. وبمعادلة رياضية، نستنتج أن الفئات المذكورة هي غائبة كليًا عن المشهد الديموقراطي في السعودية. فعن أي ديموقراطية يتحدث رئيس هيئة حقوق الإنسان بندر بن محمد العيبان، عندما أشار في ذكرى مرور عام على البيعة للملك سلمان، “أن المملكة بقيادتها الحكيمة أثبتت مدى صلابة مواقفها في مختلف القضايا وأنها رغم التحديات تسير وفق منهج واضح وضعت من خلاله حقوق الإنسان كخيار استراتيجي”؟
فيما يلي عرض للاستراتيجية الديموقراطية السعودية:
أولًا: العملية الانتخابية والتعددية
عززت المملكة العربية السعودية آلية لترسيخ مبدأ توارث السلطة من خلال إنشاء ما يعرف باسم هيئة البيعة. وتتشكل هيئة البيعة من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، وأحد أبناء المتوفي منهم أو المعتذر أو العاجز بموجب تقرير طبي، بالإضافة إلى عضوين يعينهما الملك، أحدهما من أبنائه، والآخر من أبناء ولي العهد، وعند وفاة الملك تقوم الهيئة بالدعوة إلى مبايعة ولي العهد ملكا على البلاد بحسب نص المادة السادسة من نظام هيئة البيعة. فيما نصت المادة السابعة في فقرتها الأولى على أن “يختار الملك بعد مبايعته، وبعد التشاور مع أعضاء الهيئة واحدا أو اثنين أو ثلاثة ممن يراه لولاية العهد، ويعرض هذا الاختيار على الهيئة، وعليها بذل كل الجهد، للوصول الى ترشيح واحد من هؤلاء بالتوافق، لتتم تسميته وليا للعهد”. ثم بحثنا عن الشعب السعودي في هذه العملية الانتخابية فلم نجد أحدًا.
أما في مجلس الوزراء فقد نصّت المادة الثامنة من النظام الملكي السعودي “يتم تعيين أعضاء مجلِس الوزراء وإعفاؤهم من مناصبهم وقبول استقالاتهم بأمر ملكي” وتؤكد المادة 29 أن “الملك رئيس مجلِس الوزراء هو الذي يُوجه السياسة العامة للدولة ويُكفل التوجيه والتنسيق والتعاون بين مُختلف الأجهزة الحكومية ويُراقب تنفيذ الأنظمة واللوائح والقرارات” .
وبخصوص المجالس البلدية فلا يحتاج الباحث الى مصادر ودلائل، فالاستناج أنها مجالس صورية هو أمر بديهي.
ثانيًا:الحريات المدنية
هو الاسم المعطى لحماية حريات الفرد وتشمل حرية تكوين الجمعيات، وحرية التجمع، وحرية المعتقد، وحرية التعبير، والحق في محاكمة عادلة وفق الأصول القانونية، والحق في الخصوصية والحق في الاحتجاج السلمي.
وحيث أن المقال لا يتسع لكل التكتيكات التي تمارسها المملكة السعودية المتعلقة بهذه الاستراتيجية، سنورد آخرها بشكل موجز:
– مؤسس جمعية حقوق الانسان في السعودية رائف بدوي، حكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات وألف جلدة وغرامة مالية قيمتها مليون ريال سعودي بسبب انتقاده دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
– الطفل عبد الله الظاهر اعتقل عن عمر 15 سنة وحكم عليه بالصلب بعد قطع الرأس بسبب معارضته للحكومة والنظام الملكي.
– الطفل علي النمر اعتقل عن عمر 17 عامًا في احدى المظاهرات الاحتجاجية عام 2011، حكم عليه بالاعدام بقطع الرأس والصلب أيضًا.
– الشيخ نمر باقر النمر، تم اعدامه في مطلع هذا العام لإدانته بـ “الخروج على ولي الأمر”، بحسب السلطات السعودية.
يذكر أن المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة التي لا تسمح للنساء بقيادة السيارة وتخضعهن لنظام الولي، الذي يفرض على كل امرأة بالغة أن تحصل على إذن من وصيها “الذّكر” كي تعمل أو تسافر أو تدرس أو تتلقى علاجا طبيا أو تتزوج أو حتى ترفع دعوى قضائية على الوصي نفسه. حيث تنتقل من سلطة الأب، إلى سلطة الإخوة فسلطة الزوج ثم سلطة الأبناء، وإذا غاب هؤلاء فيعوض عنهم خال أو عم أو جد.
ثالثًا: المشاركة والثقافة السياسية
أجرى مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام، قبل الانتخابات البلدية الأخيرة في المملكة السعودية، دراسة حول المشاركة السياسية للشباب السعودي، جاء فيها أن 56% من الشباب السعودي، لا يحرصون على المشاركة السياسية، ولديهم انطباعات سلبية عنها، وأَرجع السبب في ذلك إلى “تحذيرات الأسرة والأصدقاء، فضلاً عن المخاوف السياسية”.
وفي السياق نفسه، يؤكد مراقبون أن هناك رعبا مسلطا على الشعب السعودي عبر عاملي الدين والعقوبات القاسية في حال الوقوع في المحاذير السياسية. ذلك أن أي رفض للنظام السعودي يعتبر رفضًا للشرع. كما أن النظام استطاع تأمين عامل استقرار الشباب عبر شراء الولاء من خلال تقديم المكرمات، التي تصرف لها الميزانيات الهائلة.
هكذا “تضع المملكة السعودية حقوق الانسان كخيار استراتيجي”، كما حرصت على تأمينها له أحدث التقنيات المتاحة، ولعل أبرز تطور في مسار هذا الملف، هو تذكير الناس بمواعيد عقوباتهم بـ “الجلد” عبر رسائل نصية على الهاتف.
على الرغم من مطالبه 50 منظمة حقوقية عربية بسحب عضوية السعودية من مجلس حقوق الانسان، واحتجاجات كافة المنظمات العالمية، الا أن الجمل بما حمل، عقاله مربوطُ هناك بإحكام، بأنابيب النفط والغاز. ولعلّ القذافي، سواء أدرك ذلك أم لم يدرك، كان محقًا في تعريف الديموقراطية. فتعريف الديموقراطية مَثَله كمثل الإرهاب، خاضع لازدواجية المعايير بين الشرق والغرب، وظيفته تحقيق المصالح الاستعمارية.
[ad_2]