جدوى حرب الغرب على روسيا
صحيفة الوطن السورية-
تحسين حلبي:
لم يسجل التاريخ أي تغيير مهم على الإستراتيجية الإمبريالية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن، وبخاصة تجاه توسيع واشنطن لسيطرتها وأشكال احتلالها ونفوذها على العالم، وبخاصة في وراثة المستعمرات البريطانية والفرنسية في ذلك الوقت، فقبل موته بعام شن المناضل الأميركي الشهير ضد التمييز العنصري في الستينات مارتين لوثر كينغ في نيسان عام 1967 حملة في خطاب علني على الاحتلال الأميركي لأراضي جنوب فيتنام، وكشف أن واشنطن كانت قبل احتلالها لفيتنام تدعم بعد الحرب العالمية الثانية وحتى بداية الخمسينيات جيش الاحتلال الفرنسي الذي استعمر فيتنام قبلها بـ80 بالمئة من نفقاته العسكرية على الأراضي الفيتنامية لمنع وحدة البلاد الفيتنامية، إلى أن يئست فرنسا بعد هزيمتها العسكرية على يد القائد الفيتنامي نغوين فون جياب عام 1954 حين حاصر بقواته جيش الاحتلال بعملية عسكرية فائقة التخطيط وفرض عليه الاستسلام من دون قيد أو شرط، وكانت هذه الهزيمة مزدوجة لفرنسا وللولايات المتحدة، فقررت واشنطن منع وحدة فيتنام بقواتها بعد أن تدخلت عسكرياً بتقديم الدعم لنظام سايغون العميل لها وذلك بعد انسحاب الجيش الفرنسي، إلى أن تورطت هي بالحرب ونشرت قوات احتلال في الجنوب ضد الفيتناميين في الشمال، ثم هُزمت عام 1975 وسحبت قواتها دون قيد أو شرط أيضاً، وأجرى الكاتب السياسي الأميركي ريك ستيرلينغ في 16 كانون الثاني الجاري مقارنة في مجلة «أنتي وور» الأميركية الإلكترونية، بين الدور الأميركي في تحريض فرنسا لمنع انتصار الفيتناميين، وبين تحريضها لأوكرانيا ودول أوروبا لمنع التوصل إلى حل بين روسيا وأوكرانيا بموجب اتفاقية مينسك عام 2014 قبل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وبعد الإعلان عن المخطط الأميركي لضم أوكرانيا إلى حلف الأطلسي، وها هي الولايات المتحدة ومعها الحلف الأطلسي تحارب بالجيش الأوكراني جيش روسيا، وتتسبب بدمار أوكرانيا مثلما فعلت مع فيتنام الجنوبية ثم هزمت هي وجيش سايغون الجنوبي حتى بعد أن نشرت واشنطن جيش احتلالها عام 1965 وتكبدت خسائر بشرية في صفوفها زاد عددها على 60 ألفاً من الجنود القتلى، وبلغ عدد القتلى من الفيتناميين بين عسكري ومدني ثلاثة ملايين في هذه الحرب الأميركية.
يقارن ستيرلينغ بين حملات التحريض الغربي– الأميركي على فيتنام الشمالية والترويج بهزيمتها، مع الحملات الأطلسية والغربية التي تستخدم الآن ضد روسيا، والدعوة إلى هزيمتها في أوكرانيا؟
ويكشف ستيرلينغ أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيليتسكي «يقوم بتعذيب وقتل المعارضين لحربه هذه وأنه منع نشاط أكبر حزب معارض لسياسته، وهناك الكثيرون من الأوكرانيين الذين يعارضون سياسته ويفضلون حلاً تفاوضياً لمنع استمرار الحرب لأنهم أدركوا أن الولايات المتحدة استخدمتهم كقوة بشرية في حرب لا جدوى منها لهم من أجل مصالحها ومصالح الغرب الأوروبي».
يرجح معظم المحللين في أوروبا، بأن هذه الحرب التي يتولى تقديم الأسلحة فيها للجيش الأوكراني أميركا ودول أوروبية، لن تتحقق الأهداف المرسومة لها من واشنطن والأطلسي، وهذا بدوره ما سوف يولد احتمالاً متزايداً بظهور تمرد عسكري يقوم به عدد من الضباط رفيعي المستوى في الجيش الأوكراني الذي تتوالى الهزائم على قواته في الميدان وتضيق خياراته التي باتت محدودة في تأثيرها على ميزان القوى مع الجيش الروسي وانتشاره مع القوات المتحالفة معه في 30 بالمئة من مناطق أوكرانية إستراتيجية، ويبدو أن كل الدول التي أرسلت أسلحة للجيش الأوكراني كانت تدرك أن احتمالات فرض إرادتها وشروطها على موسكو قد لا تكون مضمونة بنظرها لكن المضمون هو أنها اختبرت قدرات أسلحتها التي كانت أراضي أوكرانيا ساحة لتجربتها عن طريق حرب حقيقية مباشرة باستخدام كل أنواع الأسلحة الغربية التقليدية التكتيكية والإستراتيجية، وليس عن طريق مناورات حية في أراضيها، وفي الظروف الحالية ومع انخفاض نسبة مراهنة واشنطن والغرب على فرض شروطهما على موسكو، لا يمكن استبعاد رضوخ الغرب وبخاصة من الجانب الأوروبي والجانب الداخلي الأوكراني، لمفاوضات تؤدي لإيقاف النار، وهو ما دعت إليه موسكو زيلينسكي في مناسبات عديدة، ورفضت واشنطن التجاوب معه.
في هذه الأوقات بدأ المحللون العسكريون يسخرون من الإعلانات التي تنشرها بريطانيا وفرنسا وألمانيا عن إرسال عشرات الدبابات الحديثة من كل دولة لتعزيز قدرات الجيش الأوكراني، علماً أن كل ما أرسلوه من هذه الأسلحة التقليدية خلال 11 شهراً تحول إلى دمار وبقي من دون جدوى وأصبحوا بحاجة لإعادة إنتاج وصناعة هذه الأسلحة والدبابات لحماية حدودهم، وبعد سنة على هذه الحرب العالمية الغربية – الأميركية على الأراضي الأوكرانية ضد روسيا، أصبح الجميع يرى أنها لم تضعف روسيا بل أضعفت أوكرانيا ودول الأطلسي.