#جبهة_النصرة منذ الولادة الى الآن… نشأة مشبوهة بعباءة جديدة
في 24 كانون الثاني من العام 2012 بدأ العالم يسمع عن فصيل ارهابي جديد في سوريا اسمه “جبهة النصرة”، ولد من رحم “الدولة الإسلامية في العراق” التي ولدت بدورها من رحم تنظيم القاعدة، وفي ظل الأزمة السورية التي شكلت بيئة خصبة للارهاب نمت وترعرت جبهة النصرة التي دعت في أول بيانها إلى ما أسمته بـ “الجهاد” و حمل السلاح في وجه الحكومة السورية.
وفي مسعى جديد لتلميع الصورة، خرج أبومحمد الجولاني زعيم جبهة النصرة لأول مرة بالصوت والصورة ليعلن إلغاء العمل باسم “جبهة النصرة” وتشكيل “جبهة فتح الشام”، فكيف نشأت جبهة النصرة؟ ومن هو زعيمها؟
ولد “أسامة العبسي الواحدي”، المعروف باسم أبو محمد الجولاني عام 1981 في بلدة الشحيل التابعة لمدينة دير الزور شرق سوريا وسط عائلة أصلها من محافظة إدلب غربي سوريا، وانتقلت إلى دير الزور حيث كان والدها موظفا في القطاع الحكومي يعمل “سائقا” في مصلحة الإسكان العسكري.
انتقلت عائلة الجولاني إلى دير الزور، بسبب طبيعة عمل والده الذي كان سائقاً في مصلحة الإسكان العسكري “في المحافظة الشرقية”، والتحق الجولاني، الذي يتزعم إحدى أكبر الجماعات الارهابية في الشرق الأوسط، في شبابه بكلية الطب في جامعة دمشق، حيث درس سنتين، ومن ثم انتقل الجولاني إلى العراق بعد الغزو الأمريكي الذي بدأ عام 2003. وعمل، تحت قيادة الارهابي الأردني أبو مصعب الزرقاوي (مؤسس القاعدة في العراق والأب الروحي لتنظيم داعش الارهابي)، ثم من خلفوه من بعده. ترقى بسرعة في صفوف التنظيم حتى أصبح من الدائرة المقربة من الزرقاوي، وبعد اغتيال الأخير في غارة أمريكية 2006، خرج الجولاني من العراق إلى لبنان حيث يُعتقد أنه أشرف على تدريب “جند الشام” المرتبط بتنظيم القاعدة.
من لبنان عاد الجولاني مجددا إلى العراق فاعتقله الأمريكيون وأودعوه “سجن بوكا” الذي كانوا يديرونه جنوبي البلاد، ثم أطلقوا سراحه 2008 فاستأنف نشاطه العسكري مع ما كان يسمى “الدولة الإسلامية في العراق” التي تأسست في تشرين الأول 2006 بقيادة أبو بكر البغدادي، وسرعان ما أصبح رئيسا لعملياتها في محافظة الموصل. بعد أشهر من اندلاع الأزمة في سوريا، عاد الجولاني في آب 2011 مبتعَثا من تنظيم القاعدة لتأسيس فرع له في البلاد يمكّنه من المشاركة في القتال ضد الحكومة السورية، حيث يجمع الجولاني والبغدادي وغيرهم من قادة الارهاب حول العالم، القاسم المشترك المعروف الذي وهو أنهم جميعاً اعتقلوا من قبل واشنطن قبل ان يصار الى اطلاق سراحهم مما يطرح سؤالاً هاماً عن طبيعة الدور الامريكي في بناء هذه التنظيمات في المنطقة.
الجولاني أنشأ جبهة النصرة في 24 كانون الثاني عام 2012 (بعد 9 أشهر من انطلاق الاحتجاجات في سوريا) من موطنه في الشحيل، وأصدر بياناً أعلن فيه تشكيل “جبهة النصرة لأهل الشام” ممن سماهم “مجاهدي الشام”، واتخذ من موطنه “الشحيل” منطلقا لعمل هذه الجبهة، كما دعا في بيانه السوريين إلى الجهاد وحمل السلاح، وصار من يومها يدعى في أدبيات الجبهة “المسؤول العام لجبهة النصرة”.
بعدها قام أبو بكر البغدادي في نيسان 2013 بإلغاء اسمي “الدولة الإسلامية في العراق” و”جبهة النصرة” ودمجهما في كيان جديد يسمى “الدولة الإسلامية في العراق والشام” المعروف باسم تنظيم داعش الارهابي، والذي رفضه الجولاني، ورد عليه بإعلان البيعة لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري خليفة أسامة بن لادن.
دارت عدة جولات من القتال بين أخوة الارهاب (جبهة النصرة وداعش) في أكثر من منطقة داخل الأراضي السورية، سقط خلالها مئات القتلى من الجانبين في مسعى من كل طرف لبسط نفوذه، ولكن البغدادي استطاع في نهاية المطاف ضرب الجولاني في عقر داره (في دير الزور) ليخرج تنظيم داعش كافة الجماعات الارهابية الآخرى ومن بينها جبهة النصرة من كامل حدود المحافظة السورية.
الى ذلك سارع الجولاني وبمباركة من قطر وتركيا لتشكيل ما يسمى “جيش الفتح” بالتوافق مع عدة جماعات ارهابية آخرى تمكن هذا التشكيل الجديد( الذي قوامه جبهة النصرة) من السيطرة على كامل محافظة ادلب واخراج الجيش السوري منها منذ قرابة العامين، وانتشرت جبهة النصرة في مناطق عدة في سوريا أبرزها قرى وبلدات مدينة حلب شمال سوريا ومعظم محافظة إدلب، كما لها تواجد في الجنوب السوري في مناطق من درعا وداعل ونوى ومناطق حدودية مع مرتفعات الجولان السوري وفلسطين المحتلة .
وفي هذه الأثناء عملت قناة الجزيرة القطرية على تعويم ابو محمد الجولاني، واجرى احد مذيعيها المعروفين مقابلة مع الجولاني في مقر محافظة ادلب، دون أن يكشف الاخير عن وجهه، سعت القناة القطرية الى الترويج للجولاني وجبهته على أنه شخص معتدل ويبحث عن حلول وبدائل للوضع السوري الراهن، بالتناغم مع توجيهه إنتقادات للجماعات التكفيرية الأخرى بوصفها جماعات ذات إنتماء خارجي، وبأنه الشخص الذي يعارض التكفير وفي الوقت عينه يتطلع إلى التعاون مع الجبهات والفصائل الأخرى بالرغم من الخلافات الموجودة.
بعدها بأشهر، أجرى زعيم جبهة النصرة مقابلة تلفزيونية، مع قناة “اورينت نيوز” المعارضة التي تبث من دبي، وهو مموه الوجه أيضاً، وذلك بالتزامن مع بدء المفاوضات السورية بمرحلتها الثانية أو ما يعرف بـ(جنيف 2)، ووصف الجولاني جميع المشاركين في مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، والذي حضره لأول مرة عدد من التنظيمات الارهابية المسلحة من بينها الجبهة الشامية وجيش الاسلام، بأنهم خائنون، وتوعد الجولاني بأفشال المؤتمر الذي اعتبره “مؤامرة وليس مؤتمرا ليأتي بحقوق اهل الشام “، مؤكداً في الوقت ذاته عدم وجود نية لفك الارتباط بين الجبهة وتنظيم القاعدة، ودافع الجولاني أنذاك عن ارتباطه بالقاعدة متوعداً بالقتال “حتى يحكم شرع الله في الأرض”، مشيداً بمقاتلي التنظيم الارهابي، و متسائلاً في الوقت ذاته “لماذا يعاب على جبهة النصرة ارتباطها بتنظيم له شأن دولي ولا يعاب على الدول التي تتحالف وتتعاون مع الغير؟ “.
ومساء يوم الخميس الموافق 28 تموز، ظهر الجولاني لأول مرة الى العلن عن طريق مقطع فيديو بثته قناة الجزيرة القطرية، أعلن خلالها الواحدي (الجولاني فك الارتباط بتنظيم “القاعدة”، وتشكيل فصيل جديد يسمى جبهة “فتح الشام”)،وأكد الإرهابي الجولاني أن الفصيل الجديد “لن تكون له علاقة بأي جهة خارجية”، وأوضح زعيم جبهة النصرة أن التشكيل يأتي بهدف “تقريب المسافات بين فصائل المجاهدين في الشام، وحماية الثورة السورية وجهاد أهل الشام”، مضيفًا أنه “جاء تلبية لرغبة أهل الشام في دفع ذرائع المجتمع الدولي”، وظهر في التسجيل، الذي استمر نحو ثلاث دقائق ونصف، الجولاني إلى جانب أبو عبد الله الشامي (عبد الرحمن عطون)، القيادي وعضو مجلس الشورى في جبهة النصرة، وشكر الجولاني، الذي سميّ في التسجيل مسؤولًا عامًا للفصيل الجديد، “قادة تنظيم القاعدة على تفهمهم ضرورات فك الارتباط”.