ثنائية الخيار وترف الوقت
صحيفة الوطن السورية-
منذر عيد:
تزداد مشهدية تقارب أنقرة مع دمشق، ضبابية، إن لم نقل تعقيداً، مع حيرة رئيس الإدارة التركية رجب طيب أردوغان أي الطرق يسلك في ظل يقينه بضرورة البقاء أقرب إلى الجانب الروسي ولو بخطوة واحدة، وازدياد الضغط الأميركي عليه، للعودة بتركيا إلى «أطلسيتها» البحتة، حيرة أردوغان على ما يبدو جعلته يؤجل الخطا هنا أو هناك، لمعرفة أي الطرق أقصر وأقرب إلى أنقرة، هل هو طريق أنقرة- دمشق، أم أنقرة بالقامشلي، وليبحث أكثر في النتائج المستقبلية لسلوكه.
قبل الخوض في أي الطريقين يفضي إلى ملء سلة أردوغان الانتخابية بالأوراق الرابحة، لكون الانتخابات المقررة في 14 أيار القادم هي بوصلة الإدارة التركية، لا بد من الإشارة إلى الزخم الكبير الذي دخلت به الإدارة الأميركية لتعطيل مسار التقارب بين أنقرة ودمشق، من خلال «تخييم» ما يسمى المبعوث الأميركي إلى شمال سورية، نيكولاس غرينجر في مناطق سيطرة ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد» ولقائه عدداً من وجهاء ومشايخ القبائل العربية هناك، وخاصة في محافظة الرقة، بهدف إنجاز المشروع الأميركي تحت عنوان «مشروع متكامل» في شمال وشرق سورية، يهدف إلى تشكيل إطار واسع يضم مختلف القوى السياسية والعشائرية من مختلف المكونات، وبما يقوض بشكل أو آخر ويحد من نفوذ «قسد» على الحدود مع تركيا، وهو ما يجعل واشنطن تعتقد أنها بذلك يمكن أن تخفف من قلق أنقرة وخوفها على أمنها القومي جراء الخطر الذي تراه داهماً بوجود «قسد».
إذا ما أمكن إدراج حراك غرينجر في شمال شرق سورية، ضمن إطار الترغيب الأميركي للإدارة التركية للعدول عن خيار موسكو والدفع باتجاه التقارب مع دمشق، فإن نشاط واشنطن لقطع طريق التقارب ذاك لم يتوقف عن حد الترغيب، بل إن ذلك يسير بالتزامن مع خط الترهيب ولو بشكل غير مباشر، من خلال دعم تحالف المعارضة، أو ما يسمى «طاولة الستة»، إضافة إلى حملة إعلامية غربية تشيطن نظام أردوغان، وتصفه بالديكتاتور، حيث دعت مجلة «ذا أيكونوميست» البريطانية الأجانب إلى الاهتمام بالانتخابات التركية لأن «البلد على شفا كارثة في ظل حكم أردوغان»، حقيقة أدركها الأخير وأكد أن وسائل الإعلام الأجنبية تذهب أبعد من مجرد متابعة التطورات الداخلية في تركيا عبر «إرشاد الجمهور بعناوينهم الدنيئة ومقالاتهم المخادعة التي ينشرونها»، مضيفاً: «بالطبع نحن على دراية بما يضايقهم، ولماذا يهاجموننا، ولماذا يتدخلون في الانتخابات في بلادنا».
في العودة إلى أي خيارات أردوغان الأقرب في التحقيق، وأي الطرق سوف يسلك، طريق دمشق برفقة الروسي، أم طريق القامشلي برفقة الأميركي، فإن الحقائق والوقائع تؤكد أن قدرة أنقرة على حل المشاكل التي افتعلتها في سورية منذ بدء الحرب الإرهابية عليها، من خلال احتلال أراض سورية، ودعم تنظيمات مسلحة وإرهابية، أسهل وأسرع من الدخول في مشروع مع طرف تعتبره عبر التاريخ خطراً داهماً على وحدتها وأمنها، أي التحالف مع الكرد.
لا شك أن معاداة أنقرة لأي من موسكو أو واشنطن ليس بالأمر السهل، إلا أن الكفة تميل إلى العاصمة التي تحقق لأردوغان النجاح في الانتخابات المقبلة، وتمكنه من لعب دور محوري في المنطقة، وتساعده في حل أزمات تركيا الاقتصادية الداخلية، وفي قراءة لمجمل تلك الشروط والمقومات فإن الأقرب إلى ذلك هي موسكو، وهذا مزاج أردوغان، على ما يبدو، من تصريحاته الأخيرة، التي قال فيها «لتجتمع تركيا وروسيا وسورية، ويمكن أن تنضم إيران أيضاً، لبحث تطورات الشمال السوري، لكي يعم الاستقرار في المنطقة، وتتخلص المنطقة من المشكلات التي تعيشها، وقد حصلنا وما زلنا نحصل وسنحصل على نتائج في هذا الصدد».
رجحان سير أردوغان على طريق أنقرة- دمشق، أكدته أيضاً التطورات الميدانية، ومضي أنقرة في العمل على البدء في تحقيق أسس التقارب التي أعلنت عنها دمشق سابقاً، وأولها انسحاب الاحتلال التركي من المناطق التي يحتلها في سورية، حيث واصلت أنقرة في تهيئة الأمور لضبط الميدان في إدلب، من أجل إعادة الحركة على طريق حلب- اللاذقية «M4»، والذي تنوي أنقرة إعادة تشغيله، كبادرة حسن نية، وكخطوة أولى على طريق الانفتاح على دمشق، وذلك عقب تأكيد تقارير إعلامية بأن مسؤولين أمنيين وعسكريين أتراك عقدوا اجتماعاً جديداً مع قياديّين في تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي قرب معبر باب الهوى الحدودي لتقييم الأوضاع على «M4»، حيث جرى تأكيد تركيا عملها على تأمين الطريق، وإبلاغها الفصائل نيّتها تسيير دوريّات تابعة لها في الجانب الذي تسيطر عليه «النصرة» من الطريق خلال الفترة المقبلة، قد تتْبعها دوريّات مشتركة مع روسيا، ولاحقاً مع سورية.
ثلاثة أشهر عن موعد الانتخابات، تجعل رئيس الإدارة التركية لا يملك «ترف الوقت» لحسم خياراته، وإعلان مسار خطواته اللاحقة، وإن كان الاتجاه شرقاً يتقدم على اتجاهه غرباً، فلم يعد هناك مساحة واسعة له للمناورة، أو استغلال المتناقضات، وبات يدرك جيداً أن عقارب الساعة التي تلاعب بها كثيراً في إدلب، سوف تلدغه إن لم يحسم أمره قبل الانتخابات، أو يدرك أنه أمام فرصة ربما لن تتكرر للهروب من أن يصبح «كبش فدا» لسياسة عشر سنوات، ربما عرف كيف يبدأ في ترتيب أمورها، ولم يعرف كيف ينهيها.