تفوق إيران في الحرب الباردة مع الكيان الإسرائيلي
صحيفة الوفاق الإيرانية:
كان مصطلح “الحرب الإلكترونية” مؤخراً من أبرز مفاهيم المواجهة بين إيران والكيان الصهيوني، وقد درس الخبراء الأبعاد المختلفة لهذه الحرب.
بداية الحرب الإلكترونية بين إيران والكيان الصهيوني
يعود تاريخ بداية الحرب الإلكترونية بين الكيان الصهيوني وإيران إلى أكثر من خمسة عشر عاماً. خاصةً في عام 2004، عندما عقد رئيس الموساد آنذاك مائير داغان (2002-2010) اجتماعاً لمناقشة كيفية التعامل مع مشروع إيران النووي.
وفي هذا الاجتماع الذي حضره عدد من الشخصيات السياسية والأمنية الإسرائيلية، قدَّم داغان خطةً لتعزيز العمليات السرية، مثل استخدام القدرات التكنولوجية الإسرائيلية لشن هجوم إلكتروني على المنشآت النووية الإيرانية.
قفزة إيران الكبيرة في الفضاء السيبراني
بالتزامن مع هذا النهج للصهاينة والتحركات التي قاموا بها في هذا المجال، طورت إيران أيضاً قدرتها في المجال السيبراني.
على مدى العقد الماضي، وجدت إيران نفسها في مواجهة حرب إلكترونية شرسة من قبل الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي. وبالتالي، بدلاً من العمل على استراتيجيات الدفاع، حددت سياسات هجومية، بما في ذلك عمليات الأمن السيبراني وأنشطة الاستخبارات الإلكترونية ضد واشنطن وتل أبيب.
وبناءً على ذلك، تم تشكيل المجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني بأمر من المرشد الأعلى، وتكليفه بحماية الناس والدولة والفضاء الإلكتروني من أي تهديدات إلكترونية داخلية وخارجية.
ووفقاً ليوغال أونا، رئيس السلطة الإلكترونية الداخلية في إسرائيل، فإن الكيان صنَّف إيران ضمن أكثر الدول نشاطاً في الفضاء الإلكتروني في عام 2017، مما يدل على أن الإيرانيين يعملون بلا كلل لشن هجمات إلكترونية منذ فترة طويلة.
في عام 2019، أجرت مايكروسوفت مسحاً يوثق الهجوم السيبراني الإيراني على آلاف الإسرائيليين، وأكثر من 200 شركة تابعة لهم حول العالم خلال عامي 2017 و 2018.
لكن أكبر هجوم وقع في 24 أبريل من العام الماضي، عندما استهدفت إيران إلكترونياً منشآت المياه والصرف الصحي في الأراضي المحتلة، وسيطرت على أنظمة ضخ المياه.
إعتراف الصهاينة بالهزيمة في الحرب الإلكترونية مع إيران
كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الصهيونية قبل أسابيع قليلة، عن قيام مجموعة من المتسللين بتسريب ملفات استخباراتية عن جيش الكيان تضمنت معلومات عن مئات الجنود.
وأفادت الصحيفة أن مجموعةً تطلق على نفسها اسم “عصا موسى” ((Moses Staff، نشرت ملفاً يحتوي على التفاصيل الكاملة لمواصفات قوات الكتيبة القتالية لجيش الاحتلال. وتضمنت المعلومات هويات مئات الجنود في الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك الاسم والبريد الإلكتروني وعنوان المنزل ورقم الهاتف.
وبعد أيام قليلة، زعمت صحيفة “جيروزاليم بوست” الصهيونية أن مجموعة قرصنة إيرانية تدعى “بلاك شادو”، قامت باختراق خوادم شركة الإنترنت الصهيونية “سايبر سيرف” (Cyberserve) وجعلتها غير قابلة للوصول، وهددت بالكشف عن معلوماتها.
“سايبر سيرف” هي شركة استضافة مواقع الويب، توفر خدمات تخزين المعلومات والخوادم للشركات الصناعية.
وبحسب التقرير، فإن البيانات التي حصل عليها القراصنة الإيرانيون تشمل مجموعةً واسعةً من المهن: من شركة بيغاسوس لحجز الرحلات إلى شركة دان للحافلات، وحتى معلومات عن متحف الأطفال الصهيوني.
الهجمات الإلكترونية المتكررة على مراكز حساسة للكيان الصهيوني أربكت قادة الكيان، وهم غير قادرين على التعامل معها.
وفي هذا الصدد، قال المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “كانفيدنس” للأمن السيبراني، إنه إذا تم نشر المعلومات التي سرقها “بلاك شادو”، فستكون أكبر عملية تدميرية ضد خصوصية إسرائيل، ويخشى أن تتضرر حياة آلاف الصهاينة بشدة؛ كما التزم المسؤولون الصمت حيال ذلك.
وقال هاريل مناشري، أحد مؤسسي قسم الشاباك السيبراني، إن إيران تسعى لإلحاق الضرر بالبنية التحتية للكيان الإسرائيلي والقطاع المالي، وكذلك جمع المعلومات، من خلال الهجمات الإلكترونية.
من ناحية أخرى، في أوائل شهر نوفمبر من هذا العام، تعطل نظام التزود بالوقود في محطات الوقود في جميع أنحاء إيران، وكشف بعد التحقيق أن التعطيل نتج عن هجوم إلكتروني.
وبعد ذلك كانت هناك تقارير عديدة تفيد بأن الهجوم السيبراني كان عمليةً تخريبيةً من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
بحسب المحللين الأمنيين، كان استهداف نظام الوقود في إيران يهدف إلى إحداث فوضى عامة في إيران، لتمهيد الطريق أمام تمرد يهدد أسس النظام. لكن توقعات هؤلاء المحللين لم تتحقق على الإطلاق، لأن الإيرانيين لم ينزلوا إلى الشوارع ولم يحدث شيء خاص بعد تعطل نظام التزود بالوقود في البلاد.
وهكذا، يعتقد الكثير من المراقبين أن الحرب الإلكترونية بين إيران والكيان الصهيوني، والتي بدأت منذ سنوات عديدة، وصلت الآن إلى ذروتها، وبالطبع تشير الظروف إلى أن إيران هي التي تمتلك اليد العليا في هذه المعركة. والمثالان المذكوران هما نموذجان لمعركة إلكترونية لا هوادة فيها بين طهران وتل أبيب، تتسارع أحياناً وتتباطأ أحياناً أخرى.
الحرب السيبرانية الخيار الأخير للصهاينة ضد إيران
وعليه، فإن ما ظهر على أنه هجمات إلكترونية بين إيران وإسرائيل ليس حرباً كاملةً، خاصةً بالنسبة للصهاينة.
بل إن الهدف الرئيسي للكيان الصهيوني والولايات المتحدة من وراء تنفيذ إجراءات إلكترونية ضد إيران، هو تعطيل المراكز الحساسة بهدف تعطيل نظام الحياة اليومية وخلق عذر في النهاية لتحريض الناس على النزول إلى الشوارع، والقيام بإجراءات مثل المظاهرات وأعمال الشغب.
ويعتقد عدد كبير من الخبراء أن الكيان الصهيوني في الواقع يسعى لتحقيق أهداف مباشرة من الهجوم السيبراني على إيران، ويحاول رؤية النتيجة على الفور. هذا في حين أن الهجوم الإلكتروني الناجح هو هجوم يتم إخفاء أهدافه ونتائجه وتوجيه ضربة جذرية للعدو.
وبحسب المعلومات التي تم تسريبها من دوائر صنع القرار في تل أبيب، فقد طلبت هذه المؤسسات من المتسللين الإسرائيليين استهداف البنية التحتية الحيوية لإيران، مثل محطات الوقود؛ لأن الاضطراب في هذه المراكز يثير الرأي العام ضد النظام في إيران، ونتيجةً لذلك تبدأ أعمال شغب واسعة النطاق في الشوارع، والحرب الإلكترونية هي السبيل الوحيد لمواجهة النظام في إيران وتدميره.
ولكن هل توصَّل الصهاينة حقاً إلى استنتاج مفاده أنه لا خيار أمامهم سوى الدخول في مواجهة إلكترونية مع جمهورية إيران الإسلامية؟ يرى المراقبون أن هذه العقلية الإسرائيلية نابعة من فشل خياراتهم الأخرى ضد إيران، والسبب هو:
1- لقد فقد الكيان الصهيوني كل أدواته السياسية والإعلامية لمواجهة التهديد الإيراني.
2- عدم قدرة إسرائيل على تفعيل الخيارات البديلة ضد إيران؛ خاصةً وأنه توصل إلى نتيجة مفادها أنه غير قادر على مواجهة عسكرية مع إيران.
3- لم يعد الكيان الصهيوني قادراً على التأثير بقوة على قرارات الإدارة الأمريكية، وهو ما يمكن رؤيته في فشل الجهود الإسرائيلية لمنع الولايات المتحدة من العودة إلى الاتفاق النووي واستخدام الخيار العسكري ضد إيران.
وفقاً لذلك، تستمر محاولات الكيان الصهيوني لتوسيع الإجراءات الإلكترونية ضد إيران في الازدياد، لكن الصهاينة أنفسهم يدركون جيداً أن أي هجوم إلكتروني على إيران سيواجه برد أقوى.