تفجير إسطنبول والاستثمار فيه سياسياً
صحيفة الوطن السورية-
منذر عيد:
لن نقلل من حجم الحدث، لجهة تضمنه معاناة وآلام أناس مدنيين أبرياء، ذنبهم الوحيد هو وجودهم في شارع الاستقلال وسط مدينة إسطنبول مكان الانفجار، إلا أننا سوف نذهب إلى ما بعد التفجير، باتجاه سردية النظام التركي، عمن نفذ التفجير، والمتهم الرئيس في ذلك، ومن دعم، والرسائل والأهداف من تلك السردية، التي كانت محل شك كبير لدى العديد من المتابعين لسياسة رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان في سورية، وعلاقته مع الولايات المتحدة الأميركية، وما حدث مؤخراً في إسطنبول من تفجير أدى إلى مقتل 6 أشخاص وإصابة 83 بجروح.
في التحليل سنتجاوز بداية، ملامح المتهمة السمراء، والتشكيك في انتمائها إلى بقعة جغرافية في سورية، لكون الرواية التركية أكدت بأنها سورية من عين العرب ذات الأغلبية الكردية، وبأن تلك الفتاة المرتجفة المنهارة، «إرهابية متمرسة» تدربت على يد «حزب العمال الكردستاني- P K K» و«وحدات حماية الشعب- PYD»، ليأتي التأكيد بأنه وبعيداً عمن يقف وراء التفجير، فإنه في المحصلة يصب في مصلحة العديد من الفرقاء السياسيين في الداخل التركي المتنافسين على السلطة، وهذا يعني أنه سيتم توظيف واستثمار التفجير سياسياً، فيما سيدفع السوريون ثمن الصراع في الداخل التركي، بعد أن دفعوه في مدنهم وقراهم في سورية، نتيجة سياسة النظام التركي الخارجية، ودعمه التنظيمات الإرهابية، التي هجرتهم بفعل جرائمها من أراضيهم وجعلت منهم لاجئين في تركيا وجوانب الأرض الأربع.
أول توظيفات التفجير التي سارع النظام التركي إلى الاستثمار بها، جاء عبر مسارعة وزير داخلية نظامه سليمان صويلو، إلى اتهام «حزب العمال الكردستاني» وميليشيات «قسد»، بالوقوف وراء التفجير، وهذا إفصاح علني عما يدور في مكنونات أنقرة، ويكشف عدم تراجعها عن القيام بعدوان عسكري على مناطق سيطرة ميليشيات «قسد» في شمال شرق سورية، لطالما كانت عين العرب الحدودية نصب أعين النظام التركي وفي أوليات مخططاتها لتوسيع احتلاله والسيطرة على مناطق جديدة في سورية، لوصل المناطق التي يحتلها شمالاً غرب الفرات مع شرقه، وللقيام بذاك العدوان كان لابد لأنقرة من محاولة رفع الحماية الأميركية عن ميليشيات «قسد»، والقبول بشن عملية سواء في عين العرب أم منبج، المحاولة التركية كانت من خلال رفض أنقرة قبول عزاء واشنطن بضحايا التفجير، وتحميلها مسؤولية وقوعها، حين قال صويلو: «لقد تلقينا الرسالة التي وجهت إلينا، نعلم فحواها، سنرد عليها برسالة قوية، إن علاقة التحالف المفترضة بين تركيا ودولة ترسل الأموال للإرهابيين (الولايات المتحدة) محل نقاش، لا داعي للتوقف كثيراً عند البيادق»، واعتبر أن الفاعل الحقيقي هو من يغذي «قسد»، ومن يعمل على تزويدها بمعلومات استخباراتية، كما أن اتهام «قسد» يبرر للنظام التركي زيادة هجماته على الميليشيات، وتوسيع مناطق استهدافه، في كل مكان.
إذا كانت العودة إلى شن عدوان على شمال سورية أول استثمارات النظام التركي في تفجير اسطنبول، فإن استغلاله لكسب نقاط ومصالح في الداخل ليس بالبعيد عن ذهن النظام التركي، وقلب المجن على الخصوم، الذين يقبضون بقوة على يد النظام التي تؤلمه، وهي الاقتصاد المتهالك، والتضخم والبطالة المرتفعان، وموجات الغلاء، وتراجع سعر صرف الليرة التركية، ليشكل التفجير فرصة لرجب طيب أردوغان، لحرق ورقة الضغط من يد خصومه السياسيين، بالتسويق لفكرة تقديم أولوية «الأمن» على الاقتصاد.
إن تسليط أنقرة الضوء على أن منفذة التفجير هي فتاة «كردية»، يأتي في إطار المنافسة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المقرر تنظيمها في حزيران 2023، ليكون اتهام «كردية» بمنزلة أولى المعارك ضد الأحزاب الكردية في تركيا وفي مقدمتها، حزب الشعوب الديمقراطي، إضافة إلى أن وقوف مواطنة سورية وراء التفجير، حسب السردية التركية، يفسح المجال أمام أردوغان للقيام بعملية تهجير واسعة ضد اللاجئين السوريين، وبذلك يكون قد أصاب «عصفورين بحجر»، الأول تنفيذ مخططه بإعادة اللاجئين إلى المناطق التي يحتلها شمال سورية، من دون تعرضه «لملامة لائم» بل يكون مدعوما بدعم شعبي واسع، والثاني سحب ورقة اللاجئين من يد منافسيه الذين يدعون إلى طردهم، ويحملونهم مسؤولية الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد.
لن يكون الاستثمار في التفجير حكرا على أردوغان وحزبه، بل إن بعض منافسيه سوف يجدون فيه فرصة لشن انتقادات كبيرة وجمة عليه، والعمل على إضعافه، وإظهار هشاشته أمنياً، والتعبئة ضده قبيل الانتخابات، لكونه لم يعالج ملف السوريين، وفتح تركيا لملايين اللاجئين، ولم يضع حداً نهائياً لخطر «الأكراد» القادم من الجنوب بشكل عام.