تسليح الجيش اللبناني: الخطة باليدّ.. والتمويل على الشجرة!
صحيفة السفير اللبنانية ـ
ملاك عقيل:
في التاسع عشر من أيلول الماضي، اقرّ مجلس الوزراء خطة تسليح الجيش بقيمة مليار و600 مليون دولار. في السرايا الحكومية، بدا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مزهوّا بانجاز «نوعي» يضيفه إلى رصيده، معلنا عن «عزم الحكومة على توفير التمويل اللازم للخطة».
في اليرزة، اعتراف بنفض الغبار أخيرا عن ملف حيوي أكله «صدأ» تهرّب الحكومات المتعاقبة من مسؤولياتها حيال دعم الجيش ورفده بـ«عدّة الشغل» اللازمة للقيام بواجباته في الداخل وعلى الحدود.
وبين اليرزة والسرايا، كان رئيس الجمهورية ميشال سليمان، يعتبر أن هذه الخطوة سياسية قبل أن تكون تقنية وهي مرتبطة بالدور المستقبلي للجيش في حفظ السيادة والاستقرار وترجمة مقررات الحوار الوطني.
معنويا، يمكن الحديث عن انجاز، لكن عمليا، الخطة «باليدّ» والتمويل.. على الشجرة.
بعد العام 1982، عمد الأميركيون إلى تسليح الجيش في مرحلة إعادة تنظيمه وهيكلته في فاتحة عهد الرئيس أمين الجميل، وفي العام 1990، تولى «الوصيّ» السوري تزويد المؤسسة العسكرية، على مراحل وبشكل غير مبرمج، ببعض الأسلحة والمدافع والدبابات (أسلحة شرقية من صنع «الاتحاد السوفياتي السابق»)، كما تم شراء بعض المركبات والآليات من مخلّفات الجيش الأميركي في المانيا، فضلا عن استخدام ترسانة سلاح الميليشيات اللبنانية بعد حلها وتسليم أسلحتها للدولة اللبنانية.
ومع ذلك، لم يكن بمقدور أحد أن يقول أن الجيش بات مسلحا «بما هو مطلوب وضروري»، لأن ثمة ضوابط داخلية وخارجية كانت تحول دون جعل الجيش مكتمل النصاب، بالمعنى التقني التسلحي النموذجي، على غرار باقي جيوش العالم..
منذ العام 1990 وحتى اليوم، اضطر الجيش إلى «استنزاف» مخزونه من سلاح قديم أصلا، فيما الجديد منه استهلك بعد نحو ثلاث سنوات من استخدامه. وحصلت المؤسسة العسكرية، قبل العام 2005 وبعده، على مساعدات عينية «خجولة»، وبشكل خاص من الولايات المتحدة تصنّف ضمن خانة «الأسلحة غير القاتلة»، نتيجة سياسة البيت الأبيض حيال عقيدة الجيش ودوره في الصراع مع إسرائيل. وخصّصت للجيش موازنات رمزية للصيانة، كما عمدت المؤسسة في السنوات الثلاث الأخيرة إلى شراء آليات عسكرية وذخائر من ضمن الموازنات المرصودة لها.
يداوم اليوم كبار الضباط مع العسكريين في مبان قديمة، بعضها مستأجرة، أو في ثكنات «أكل الدهر عليها وشرب». المعاينة من وزارة الدفاع في اليرزة نفسها، تفضح تقصير السلطات المتعاقبة في القيام بواجب الحد الأدنى، حيال المؤسسة العسكرية، وتكرّ السبحة وصولا الى ثكنتي مرجعيون والنبطية شـــبه المدمرتين. كلها شواهد على غياب مسؤولية الدولة في تحصين اصحاب البزات المرقّطة.
في العام 1990 خضعت بعض المقرّات والمباني لعملية تأهيل، وبعدها كُبس زر «التعطيل». لم تُنشأ اي مبان جديدة ولم يعد العسكريون يسمعون بورش اعادة التأهيل، الا من ضمن مبادرات ذاتية من موازنات الجيش المتواضعة.
الجيش الذي خاض منذ العام 1990 حتى يومنا معارك عدة، متروك في العراء. معارك نزع السلاح الفلسطيني في شرق صيدا. الانخراط في التصدي لكل الاعتداءات الاسرائيلية منذ عدوان تموز 1993 وحتى عدوان تموز 2006 وما بينهما من حروب واعتداءات أبرزها حرب عناقيد الغضب في نيسان 1996. مواجهة الارهاب في الضنية. معارك مخيم نهر البارد.
ينخرط الجيش منذ نهاية الحرب الأهلية في مهام داخلية الى جانب قوى الأمن الداخلي، ويواجه منذ نهاية العام 2006 حتى الآن، استحقاقا تاريخيا غير مسبوق منذ الاستقلال في منطقة جنوب الليطاني.
ويزيد من وطأة هذه المهام، الاستحقاق الداهم منذ سنة وثمانية أشهر على طول الحدود الشمالية والشرقية، والذي يجعل المؤسسة العسكرية على تماس مع أخطر أزمة حدودية في تاريخ العلاقات السورية اللبنانية منذ الاستقلال حتى الآن.
واذا كان الأميركيون الاكثر سخاء في دعم الجيش بالمساعدات العينية من اسلحة وذخائر واعتدة وآليات وبرامج تدريب.. إلا ان «العمّ سام» قارب المسألة دوما على قاعدة «شمّ ولا دوق».
الايرانيون مغضوب عليهم من الحكومات اللبنانية المتعاقبة. هم عرضوا بصورة مستمرة، ولكن لا أحد من رؤساء الحكومات يرغب باستفزاز خصوم ايران. الروس نَعموا على لبنان بهبة طائرات «الميغ» ذات كلفة الصيانة والتشغيل العالية جدا، مما دفع الجانب اللبناني الى طلب استبدالها بطوافات عسكرية. الدول العربية والخليجية ساهمت بشكل رمزي. الاوروبيون، وتحديدا الفرنسيين، لا يستسيغون لغة المساعدات المجانية. يفضّلون لغة الصفقات ويعملون على هذا الاساس.
منذ نحو اربع سنوات قَدم فريق فرنسي عسكري الى لبنان وكشف على طائرات «الغازيل» وعلى جهاز اطلاق الصواريخ فيها وقام باعادة تحديثه، على ان يتمّ تزويده لاحقا بصواريخ الـ«هوك». لم يف الفرنسيون بوعدهم. مرّ الزمن على الوعد الباريسي، وبفعل التطوّر الهائل في التكنولوجية الرقمية برز الجيل الثاني من اجهزة الاطلاق والصواريخ الملائمة لها.
على هامش زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند طرحت قضية تسليح الجيش، استنادا الى الخطة الخمسية. طلب الجانب اللبناني أسلحة وذخائر ومعدات، أبرزها توفير المنصات التي تحمل صواريخ طائرة «الغازيل». وعد الفرنسيون بدرس الطلب اللبناني بجدية، مثلما وعدوا بتأمين الصيانة وبدرس طلب لبنان تزويده بمائة صاروخ من طراز «هواك» من الجيل الجديد برغم كلفته العالية، وعلى الأرجح هم سيتشاورون مع الأميركيين والاسرائيليين قبل مد الجيش اللبناني بهذه المنظومة الصاروخية.
ومن المتوقع أن يستحوذ موضوع التسليح على حيز اساسي من مناقشات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في زيارته الباريسية، وذلك استكمالا للمباحثات التي أجراها في بيروت سابقا وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان الذي وعد بتسريع آلية المساعدات العسكرية للبنان.
احتياجات الجيش كثيرة ولائحة الضرورات كبيرة. تستطيع المؤسسة العسكرية من ضمن موازناتها صيانة وتحديث بعض الاسلحة الخفيفة، الا ان الاسلحة الثقيلة تحتاج الى عملية اعادة تأهيل كاملة، كما ان الحاجة باتت اكثر من ملحة للتزوّد بالاسلحة المتطورة. مع العلم ان الجيش وخلال السنوات الخمس الاخيرة تمكّن من تطوير امكانياته البشرية وجعلها اكثر فتية عبر تكثيف دورات التطوّع ورفع مستوى المؤهلات العلمية بما بات يسمح باستيعاب منظومة الاسلحة التكنولوجية.
باستثناء انشاء عدد من المباني الجديدة التي لم تتجاوز اصابع اليد الواحدة، نأت حكومات رفيق الحريري المتعاقبة بنفسها عن مطلب تسليح الجيش وتجهيزه. كل نفوذ «الشيخ رفيق» وعلاقاته الدولية وشبكة صداقاته لم تصرف في المجال العسكري. ومن اصل قيمة دين الـ 60 مليار دولار، لم يصرف على الجيش قرشا واحدا، ولم تحلّ عليه «نِعم» «باريس1» ولا «باريس2» وليس معروفا ما ستأتي به «باريس 3» من نعم عسكرية.
وفي حكومة سعد الحريري اليتيمة لم يكن الامر افضل. تكرّم الاميركيون على الجيش ببعض المساعدات العينية، وقدّم الاماراتيون للجيش عشر طائرات هليكوبتر وعشرة زوارق… لكن تسليح الجيش لم يكن على جدول الاولويات. ويبدو ان الرئيس ميقاتي، بالتزامن مع اقرار خطة تسليح الجيش في مجلس الوزراء، يسعى الى تأمين التمويل المطلوب من خلال محادثاته مع الاميركيين والاوروبيين وبعض قادة الدول العربية.
وكانت قضية المساعدات العسكرية الاميركية الى الجيش اللبناني قد تحركت في مطلع السنة الحالية في ضوء توقيع وزير الدفاع ليون بانيتا على قرار معاودة وتيرتها بشكل طبيعي بناء على توصية من القيادة العسكرية الاميركية.
خطة تسليح الجيش التي وضعتها القيادة العسكرية في اليرزة، بقيمة مليار و600 مليون دولار لمدة خمس سنوات، لا تشكّل سوى الجزء الاول من خطة شاملة، فيما المبلغ المرصود لها هو ثلث المبلغ المطلوب كافضلية اولى من ضمن ثلاث افضليات. وقد وافق مجلس الوزراء في جلسته في ايلول الماضي على «الافضلية الاولى» بمبلغ 100 مليون دولار في العام الاول. مع العلم ان فريقا عسكريا يواظب على الاجتماع دوريا في اليرزة لادخال تعديلات على الخطة التي تتركز عناوين مرحلتها الأولى على المحاور التالية:
– تأهيل مراكز الجيش الحالية واستحداث مراكز جديدة عسكرية تستوفي شروط الاقامة، وتشبه الى حد بعيد مراكز الامم المتحدة في لبنان.
– زيادة فعالية تحرّك عناصر الجيش وآلياته، حيث ترتبط الفعالية بشكل اساسي بالقدرة على التحرّك بصورة سريعة وخاطفة ومدروسة.
– زيادة فعالية الاتصال والأمرة، عبر استخدام اجهزة تكنولوجية متطورة.
– زيادة الفعالية النارية (اسلحة متطوّرة ودقيقة)، وتقوم اساسا على فكرة اصابة الاهداف بطريقة دقيقة ومباشرة. (بمعنى تفادي تدمير بقعة او منطقة من اجل اصابة هدف محدد).
– تطوير منظومة الاسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة.
حتى الساعة لا تلوح في الافق بوادر انعقاد مؤتمر دولي لتأمين تمويل الخطة المقرّة في مجلس الوزراء، مع العلم ان اوساطا مطلعة تشير الى «حماسة دولية» لمساعدة الجيش «بعد التأكد من اوجه صرف هذه المساعدات». الاتكال يبدو اكبر على «مفاوضات» الـ face to face مع الدول المانحة «علّها تنتج طحينا»، فيما لم يعرف بعد ما اذا كانت المساهمات ستكون مادية او عينية او الاثنين معا.
«فكرة» المؤتمر الدولي انطلقت اساسا من السرايا، ولا تزال في اطار «الفكرة البرّاقة»، ان لم نقل مجرد «دعاية». في وزارة الدفاع لا احد يملك معلومة واحدة عن مدى جدّية هذا الطرح. والارجح ان «مخاض» تمويل سلسلة الرتب والرواتب العسير يقدّم «فكرة» عمّا ينتظر «رحلة» تمويل خطة تسليح الجيش. ضباط اليرزة يقاربون المسألة بشيء من الطرافة «كي تنجب المرأة لا بد ان تحبَل اولا»!.