تركيا وسوريا.. هل يصلح كليجدار أوغلو ما خرّبه إردوغان؟
موقع قناة الميادين-
حسني محلي:
إذا هزم كمال كليجدار أوغلو الرئيس رجب طيب إردوغان في الانتخابات التركية المقبلة، وأصبح رئيساً للجمهورية، فالسياسة التركية في سوريا ستشهد تغيرات سريعة، وهو ما أشار إليه كليجدار أوغلو في أكثر من خطاب وتصريح.
بعد 3 أيام من عودة دمشق منتصرة إلى الجامعة العربية، التقى في موسكو هذه المرة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو وزراء خارجية روسيا وإيران، اللتين دعمتا سوريا منذ بداية الأحداث، وأدتا دور الوساطة بين جاويش أوغلو ونظيره السوري فيصل مقداد، الذي يُتوقع أن يكون قد عاتبه على كل ما قام به رئيسه إردوغان ضد سوريا منذ بداية الأحداث.
توقَّع جاويش أوغلو، في أحاديثه المتناقضة إلى الإعلام التركي، لقاءً ثنائياً بين إردوغان والأسد خلال هذا العام، وقال إنهم لن يقبلوا بأي شروط مسبقة لمثل هذا اللقاء الذي سعى إردوغان من أجله كثيراً، متوسطاً لذلك صديقه الرئيس بوتين. ويبدو أنه، ومعه الآن الرئيسي الإيراني رئيسي، لم يتمكنا من إقناع الرئيس الأسد، المسنود بمصالحة الأنظمة العربية معه في إطار اتفاقية المصالحة الإيرانية – السعودية. وقد جاءت القمة العربية في 19 الشهر الجاري نتاجاً لهذه المصالحة.
ويعرف الجميع أنّ تركيا ستكون أهم بند في جدول أعمال هذه القمة التي يبدو أنها انتظرت نتائج الانتخابات التركية حتى تساوم أنقرة على مستقبل دورها في المنطقة، وخصوصاً في سوريا والعراق وليبيا والصومال، حيث الوجود التركي العسكري والاستخباراتي المباشر وغير المباشر، عبر دعم الأحزاب والمجموعات والفصائل والقوى السياسية والمسلحة في هذه الدول والمنطقة عموماً.
هذا هو الدعم الذي قد يتخلى إردوغان عنه بين ليلة وضحاها إذا فاز في الانتخابات؛ ففي مثل هذه الحالة، لن يكون بحاجة إلى هذه المجموعات التي لم يعد أمامها إلا خيار واحد هو التحالف مع أميركا ضد الجميع أو القبول بشروط الرئيس الأسد للمصالحة الوطنية التي ستكون سهلة جداً، شرط أن تتخلى قطر بدورها عن هذه المجموعات والفصائل، وتحت ضغوط العواصم العربية.
ويُتوقع أن تتفق هذه العواصم في القمة العربية على مشروع عربي/إقليمي يراد له أن يساهم في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو ما سيسعى له الأمير محمد بن سلمان في إطار حواره الإيجابي مع كل من موسكو وبكين، وبهدف تسويق المملكة لاعباً أساسياً ومؤثراً إقليمياً ودولياً، بعد كل ما خسرته في سنوات “الربيع العربي”، الذي حلّ محله الدور التركي تحت شعار “إردوغان زعيم الأمة الإسلامية بسلطنتها وخلافتها العثمانية التركية” التي عاداها آل سعود بدءاً من عام 1790.
كل هذا إذا بقي إردوغان في السلطة، وهو ما تستبعده معظم استطلاعات الرأي التي ترجح فوز منافسه كليجدار أوغلو في الجولة الأولى بنسبة 55%-56% من مجموع أصوات الناخبين، بعدما قرر المرشح الثالث محرم إينجه الانسحاب من سباق الرئاسة، في الوقت الذي يسعى إردوغان لإقناع المرشح الرابع القومي سنان أوغان بالانسحاب من السباق والانضمام إلى تحالف الجمهور الذي يتزعمه.
لا يعني كلّ ذلك أن الطريق أمام المصالحة التركية السورية سيكون ممهداً وسهلاً بالنسبة إلى إردوغان الذي يعرف الجميع أنه لن يتقبل الهزيمة أمام الأسد، فهو الذي قال عنه ما قاله، بما في ذلك تغريدته في 5 أيار/مايو 2013: “أقول للأسد: اقترب عدد الضحايا الذين قتلتهم في سوريا إلى 100 ألف إنسان. قسماً بربي ستدفع الثمن غالياً”، وإلا فإن الأمور ليست بهذه الصعوبة حتى يتفق إردوغان مع الأسد، وهو الذي فعل ما فعله في سوريا خلال 12 عاماً، وذلك بالتنسيق والتعاون مع أنظمة الخليج، إلى أن اختلفت في ما بينها في حزيران/يونيو 2017، حين وقف إردوغان إلى جانب قطر ضد السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
يبدو واضحاً أنّ الجميع نسوا أو تناسوا تفاصيل هذا الموضوع بعدما صالح إردوغان الإمارات والسعودية ومصر، وقدم لها كل ما طلبته من تنازلات مهمة، من دون أن يفكر في تقديم تنازلات مماثلة للرئيس الأسد، لأنه لا يريد أن يخسر هذه الورقة في مساوماته الإقليمية والدولية، ما دام يملك ورقة المجموعات المسلحة، بما في ذلك النصرة.
في المقابل، لن يرضى إردوغان لنفسه بأن يبقى خارج اللعبة الجديدة في المنطقة التي تتبناها روسيا ويريد لها إردوغان أن تفتح له أبواب المنطقة العربية من جديد، كما فعلت له ذلك سوريا مطلع كانون الثاني/يناير 2003، إذ أصبحت الأخيرة البوابة الرئيسية للانفتاح التركي جغرافياً وسياسياً واجتماعياً على الدول العربية التي كانت البضائع التركية تصل إليها عبر الحدود التركية مع سوريا فقط.
هذه هي الحال إن بقي إردوغان في السلطة، وهو احتمال ضعيف، ما لم تشهد البلاد تطورات مفاجئة قد تغير موازين القوى لمصلحته، وهو الذي يملك كل ما يحتاجه من إمكانيات الدولة لمثل هذا التغيير.
أما إذا هزم كمال كليجدار أوغلو الرئيس رجب إردوغان، وأصبح رئيساً للجمهورية، فالسياسة التركية في سوريا ستشهد تغيرات سريعة، وهو ما أشار إليه كليجدار أوغلو في أكثر من خطاب وتصريح، إذ قال إنه “سيصالح الرئيس الأسد فوراً، وسيعيد فتح السفارة التركية في دمشق”.
وتتحدث المعلومات عن احتمال زيارة كليجدار أوغلو سوريا في أقرب فرصة، كما فعل عبد الله غول عندما كانت سوريا أول دولة أجنبية يزورها في 4 كانون الثاني/يناير 2003، أي بعد شهر من انتخابه رئيساً للوزراء، على أن يكون قطع علاقات أنقرة بالفصائل السورية المسلّحة ووقف كل أنواع الدعم لها أهم بند في حواره مع الرئيس الأسد، ليتفق معه على جدول زمني لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم خلال فترة أقصاها عامان.
وقد يكون هذان العامان كافيين للتوصل إلى صيغة عملية سورية – تركية مشتركة تعالج الوضع في شرق الفرات، وهو ما يهم البلدان معاً، ما دامت وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا امتداداً لحزب العمال الكردستاني التركي الذي يتهمه إردوغان بالإرهاب.
يأتي ذلك في الوقت الذي يتوقع البعض للدعم الذي سيحظى به كليجدار أوغلو من حزب الشعوب الديمقراطي (الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني) أن يساهم في مصالحة وطنية داخل تركيا تهدف إلى حل المشكلة الكردية، وهو ما قد ينعكس إيجاباً على الوضع في سوريا، في إطار حوار كليجدار أوغلو مع الرئيس الأسد.
ويبقى الرهان الأكبر، إن لم نقل الوحيد، على مستقبل العلاقة التركية مع موسكو بعد تغريدة كليجدار أوغلو في “تويتر”، التي “اتهم فيها الروس بالتدخل في الانتخابات التركية لمصلحة إردوغان”، داعياً إياهم إلى “الكف عن ذلك إذا كانوا يريدون علاقات جيدة مع تركيا بعد الانتخابات”، مؤكداً أنه “ما زال مع الصداقة والتعاون مع روسيا”.
ورغم أن الروس لم يردوا أو يعلقوا على هذه التغريدة، فإن الجميع يعرفون أن كليجدار أوغلو الذي أثار العديد من التساؤلات في الشارع السياسي والشعبي التركي لن ينجح في مساعيه للانفتاح على سوريا ودول المنطقة إلا عبر الحوار مع الروس، هذا بالطبع ما لم يكن هو ومن معه في تحالف الأمة ضحية مشروع أميركي جديد بعدما خسرت واشنطن المنطقة برمتها.