تركيا الأردوغانية
صحيفة الوطن العمانية ـ
زهير ماجد:
ربما كلمة العثماني تثلج صدر الرئيس التركي اردوغان اذا ما وصفناه بها فتكون عكس ما نشعر به نحن من خفة وقلة مودة ومروءة وتخلف .. ان ذكريات الشعب اللبناني وبلاد الشام عموما في ظل العثمانية هي الأسوأ في تاريخها، فمن المؤامرات التي كانت تحاك إلى الفتن والتحكم بمصائر البشر ومنعهم كثيرا من التحكم بأرزاقهم وغيره، إلى قمة التخلف والانحطاط وتراجع العلم والثقافة والفهم والتفاهم. واذا ما وصفت مرحلة بأنها ما دمر الأوطان، فتكون المرحلة العثمانية، وعندما ثار العرب عليها، فمن باب التخلص منها ومما خلفته من حكمها الذي دام مئات السنين.
على ذلك التراث تربى الرئيس التركي اردوغان، الحاكم الذي يلبس قفازات من حرير .. وعليه ايضا ما زالت ذاكرة العربي تنوء من ذكريات تلك المرحلة وتتألم. وحين سألت مرة احدى الشخصيات التركية عن سبب الكره التركي للعرب، لم ينكره، بل اسمعني عددا من النظريات التي تؤكد ان اردوغان يحمل في داخله شيئا من احكام اجداده الذين فسروا العلاقة العربية مع بريطانيا وفرنسا على انها استسلام لهما وبيع وانفلات لتركيا، فيما كانت في الحقيقة محاولة خلاص من رجل مريض اسمه تركيا.
اليوم يتخذ السلطان اردوغان كل الأسباب التي تجعله في موقع افراز كرهه للعرب ان من خلال ليبيا التي ساهم في تمزيقها، او من خلال هجومه وكرهه لمصر كونها قطعت حبل سرته، وفي سوريا يكمن العجب، حين انقلب السلطان من مادح ومحب لها ولرئيسها إلى معاكس تماما، بل إلى اختراع كافة الطرق لإسقاط الأسد، وليس مهما بعدها ما يكون.
وها هو ايضا يخترع تنظيما اسمه “داعش”، ويثبت بما لا يدع مجالا للشك، ان هذا التنظيم لن يعيش يوما زائدا بدون تركيا، وبدون معونتها وبدون دعمها وتمرير ما تشاء لها واحتضانها .. ألم يعلن “داعش” عن ارسال اول بعثة دبلوماسية إلى الاراضي التركية، ثم هل ننسى اتهام نائب الرئيس الاميركي جو بايدن لأردوجان بتمويل وتسليح وتسهيل مرور المتطرفين إلى سوريا .. ومع انه عاد واعتذر عن جملته تلك، الا انه كان جديا حين اطلقها، وليس بإمكانه ان يطلق مثل تلك الكلمات لولا موافقة الرئيس اوباما عليها، بل وربما الادارة الاميركية كلها.
لقد بات معلوما، ان هندسة وجود “داعش” صناعة تركية .. وليس من قبيل الصدفة ان يتأخر التركي في اخذ قرار المشاركة مع التحالف، بل انه من باب المزايدة اتخذ قراره، ونحن نعرف من خلال منطوق دولنا ان بالإمكان تركيب وترتيب الشكل الذي تريده الدولة ليكون هدفا للتصويت عليه وبكامل الأعضاء. لم يعد في العالم تقريبا من ينال 99 بالمائة سوى السلطان اردوغان.
ليس كل ما يختفي وراء الكلمات المعسولة يبدو حقيقيا .. التدريب على دبلوماسية الكلمات يجعل من السم دسما .. وبهذا افتضح أمر رئيس تركيا، لم يعد هنالك ما يخفى عنه وعن اسلوبه اتجاه العرب وتحديدا سوريا التي لم تظلمه ولم تعتد عليه ولم تؤلمه في شيء، بل هي خير ما قدمت له خلال حكمه.