تحديات تطوّق الرئيس الثالث عشر لتركيا
صحيفة الوطن السورية-
محمد نادر العمري:
كما كان متوقعاً فإن نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التركية الرئاسية، أسدلت ستارها بفوز الرئيس الحالي ومرشح «تحالف الجمهور» رجب طيب أردوغان بعد منافسة شرسة ومحتدمة مع منافسه مرشح الطاولة السداسية أو ما يعرف بـ«تحالف الأمة» المعارض كمال كيليتشدار أوغلو، وسط ترقب سياسي وإعلامي كبيرين أثناء العملية الانتخابية وبعدها.
لكن، قبل الخوض في تفاصيل التحديات والعقبات التي تنتظر الرئيس الثالث عشر لتركيا، لا بد من الإشارة للعوامل التي ساعدت رجب أردوغان في الفوز بهذه الجولة وحسم النتائج لمصلحته، إذ تتمثل أبرز هذه العوامل بـ:
أولاً – تمكن «تحالف الجمهور» الذي يقوده حزب «العدالة والتنمية» من الفوز بأكثرية بسيطة في مقاعد البرلمان بمقدار 322 مقعداً خلال الجولة الأولى من الانتخابات العامة التي جرت في الرابع عشر من شهر أيار الماضي، وهو ما ترك انطباعاً لدى الناخبين بصعوبة تمكن المعارضة من قلب المعادلة الانتخابية في الجولة الثانية.
ثانياً – دعوة المرشح الخاسر في انتخابات الجولة الأولى سنان أوغان مرشحيه لدعم المرشح الذي لم يدخل بتحالفات مع القوى الكردية، أي أردوغان، وهو ما أدى إلى حصول انشقاق داخل «تحالف الأجداد»، وخاصة مع انحياز القطب الآخر من هذا التحالف وهو وجدت أوز لدعم مرشح المعارضة كيليتشدار أوغلو، الأمر الذي ساهم في دعم أردوغان من خلال اقتسام الأصوات مع مرشح المعارضة، وهو ما عزز من رصيد ما حققه في الجولة الأولى من فارق 5 بالمئة من الأصوات.
ثالثاُ – الجولة الثانية من الانتخابات التي شهدتها تركيا لأول مرة في تاريخها السياسي المعاصر، لا تتطلب من المرشحين تجاوز عتبة «50+1»، للفوز بالانتخابات كما في الجولة الأولى، بل إنها تشترط بالفائز أن يحقق تقدماً بالأصوات عن المرشح الآخر، ولو كان معدل هذا التقدم بفارق بسيط لا يتجاوز 0.1 بالمئة.
رابعاً – صحيح أن المعارضة التركية تمكنت للمرة الأولى منذ عقود من جمع نفسها في إطار تحالف واسع من التوجهات، إلا أنها في الربع الساعة الأخيرة قبل خوض الانتخابات لم تتمكن من ضبط حالة التصدع الذي اعتراها وهو ما دفع رئيسة حزب «الجيد» ميرال أكشينار من الانسحاب لفترة وجيزة من «تحالف الأمة» ثم العودة إليها قبيل بدء الانتخابات بشهرين، وهو ما يؤكد أن هذه المعارضة اجتمعت على عنوان واحد اتفقت عليه وهو إسقاط أردوغان فقط، كما أن المعارضة التركية لم تستطع الاتفاق على مرشح واحد وهو ما دفع «تحالف الأجداد» لاختيار مرشح له، فضلاً عن عدم قدرتها على إخفاء ظاهرة التناقضات المتعددة التي تجمعها، إذ إنها ضمت أحزاباً وقوى وشخصيات متناقضة إيديولوجياً، ومن النقاط السلبية البارزة التي سادت المعارضة تصريحاتها العنصرية، وعدم قدرتها على استقطاب صوت الشباب من خلال ترشيح شخصية أكبر من أردوغان لا تمثل تطلعات الشباب، إضافة لضعف حملتها الانتخابية في المناطق المنكوبة نتيجة الزلزال الذي ضرب سورية وتركيا مطلع شهر شباط الماضي، واكتفائها بتوجيه الاتهام إلى حكومة «العدالة والتنمية» بالتقصير، وتحميل مواطني هذه المناطق مسؤولية توجهاتهم السياسية في السابق من خلال انتخابهم أردوغان و«العدالة والتنمية».
هذه العوامل إلى جانب العامل الخارجي المتمثل بالرغبة المشتركة ولو بنسب متفاوتة، من معظم المؤثرين والفاعلين الإقليميين والدوليين بقاء أردوغان في سدة الحكم في تركيا، نتيجة الخشية من حصول اختلال في خريطة التوازن والأحداث والتحالفات لا تريده هذه القوى بهذا التوقيت، هي التي دفعت لتأييد بقاء أردوغان كونه أفضل الخيارات السيئة بالنسبة لها.
إلا أن بقاء أردوغان بمنصب الرئاسة لدورة جديدة وأخيرة وفق ما ينص عليه الدستور المعدل الذي دخل حيز التنفيذ عام 2018م، وبالتزامن مع الذكرى المئوية لتأسيس الدولة التركية، ومع اقتراب انتهاء اتفاقية لوزان التي وقعت 1923م، لا يعني تحقيق نصر كامل للرئيس الثالث عشر لتركيا، في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تنتظره خلال ولايته الجديدة، إذ تتمثل هذه التحديات في الآتي:
التحدي الأول هو تحد داخلي، وينقسم بدوره لعدة مسارات يمكن إيجازها وفق النقاط التالية:
– تحد داخلي حزبي، إذ إن تراجع شعبية أردوغان وحزبه وهو ما عكسته نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسة على حدً سواء مقارنة بعامي 2015 و2018، هو نتيجة تصدع البنية الداخلية لحزب «العدالة والتنمية» وعدم قدرته على تجديد نفسه وسياسته الداخلية والخارجية، ما أدى إلى انسحاب أبرز أركانه منه كأحمد داوود أوغلو منظّر «صفرية المشاكل الخارجية» وعلي باباجيان الرجل الاقتصادي وغيرهما، فضلاً عن انسحاب أكثر من مليون منتسب للحزب خلال العامين السابقين، واتساع ظاهرة الخلاف في رسم معالم المرحلة القادمة بين الأعضاء الحاليين، وهو ما يتطلب من أردوغان إعادة النظر في البنية الحزبية وإعادة ترتيب البيت الداخلي الحزبي للحفاظ على وجود الحزب.
– التحدي الداخلي الثاني يتمثل في وقف تدهور الوضع الاقتصادي الذي شهد نسب تضخم مرتفعة خلال العامين الماضيين، والبالغة حتى إعداد هذا المقال 41 بالمئة، ما أثر في المستوى المعيشي للأتراك، وأضعف عملية النمو التي شهدت تراجعاً في الاستثمارات.
– التحدي الداخلي الثالث هو معالجة الانقسام السياسي الحاصل في تركيا، إذ إن الفارق البسيط في نتائج الانتخابات خلال الجولتين الأولى والثانية بين أردوغان ومنافسة كيليتشدار أوغلو التي تراوحت بين أقل من 5 بالمئة بنسبة قليلة في الجولة الأولى، وأكثر من 5 بالمئة بنسبة قليلة في الجولة الثانية، يؤكد حصول انقسام سياسي في تركيا، وهو ما يستوجب من الرئيس الفائز محاولة استقطاب هؤلاء، خشية من حصول فوضى داخلية مع أي ظاهرة أو حدث تتعرض له تركيا نتيجة الخطأ في الحسابات السياسية لأردوغان مستقبلاً.
– التحدي الداخلي الرابع أمني اجتماعي، وينقسم بدوره إلى قسمين: الأول كيفية تعاطي أردوغان مع القوى الكردية التي تعد قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، والثاني مواجهة الإرهاب لكون تركيا التي استثمرت بهذه الظاهرة خلال الأعوام السابقة تتوفر فيها عوامل استهداف من التنظيمات الإرهابية لأسباب عدة، أبرزها اتساع حلقة الخصوم الخارجيين، ووجود عوامل وبيئة داخل تركيا للقيام بمثل هذه العمليات.
التحدي الثاني فهو خارجي، إذ إن الرئيس الحالي أمام مسار غير مستقر من العلاقات الخارجية، فعلاقته مع واشنطن والأوروبيين غير مستقرة رغم أنه شريك لهم في حلف الشمال الأطلسي، وروسيا والصين وإيران تدرك أنها لا تستطيع وضع ثقتها الكاملة بأردوغان الذي يتقرب منها نتيجة الحاجة، وحاجته الاقتصادية للدول العربية التي أعادت علاقاتها مع سورية ما زالت غامضة، وهو ما يجعل أردوغان وخاصة في حال إنهاء الأزمة الأوكرانية وزيادة التعاون العربي والإقليمي مع سورية، أمام ضيق من خياراته الخارجية التي تستوجب عليه التوقف عن اتباع سياسة القفز على حبال التناقضات.