تحديات العمل الفلسطيني في مواجهة الخطة الثلاثية الأمريكية
موقع العهد الإخباري-
إيهاب شوقي:
المتابع لوسائل الإعلام الأمريكية يلحظ تراجعًا كبيرًا في الاهتمام بالشرق الأوسط وتحديدًا قضيته المركزية الفلسطينية، وهو أمر غير معتاد على خلفية العلاقة الخاصة بين أمريكا والعدو الصهيوني، وتزداد غرابته وسط مأزق تاريخي للعدو يتمثل في فوضى سياسية صهيونية داخليا وتآكل للردع وسقوط للهيبة التي سعى الكيان ومن ورائه أمريكا لترسيخها.
وتتصدر عناوين الأخبار والتقارير والمقالات، اللقاء المرتقب لبايدن بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكيفية التعاطي الأمريكي مع الصين ومستقبل العلاقة.
وهذه العناوين والاهتمامات تتسق مع استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية التي حددت الصين وروسيا كأولوية في التهديد ونص بندها الرئيسي على أن “المنافسة الاستراتيجية الطويلة الأمد مع الصين وروسيا من الأولويات الرئيسية للبنتاغون”.
وتتصدر العناوين أيضًا تطورات الاتفاق النووي مع ايران، وهو ما يتسق مع بند الإستراتيجية الذي ينص على أن “إيران وكوريا الشمالية تهددان الاستقرار الإقليمي والعالمي”. أما بقية بنود الاستراتيجية فهي جاءت فضفاضة من قبيل تطوير القوة الفتاكة وتحديث السلاح النووي والاستمرار في محاربة الارهاب وتعزيز التحالفات التقليدية.
ولعل زيارة بايدن الخارجية الأولى توضح جليًا مدى التزامه بالإستراتيجية. وقد استبق بايدن زيارته بالقول في مقال رأي نشره عبر صحيفة “واشنطن بوست”، إنه “يغادر إلى أوروبا في أول رحلة خارجية خلال رئاسته، حيث تدور الرحلة حول إدراك التزام أمريكا المتجدد تجاه حلفائها وإثبات أن الديمقراطيات يمكنها مواجهة التحديات وردع تهديدات هذا العصر الجديد”.
وهنا ودون إغراق في التفاصيل كي لا نخرج عن موضوع المقال، ينبغي فقط رصد مدى سيطرة النظرية الأوراسية واستمراريتها في الفكر الاستراتيجي الأمريكي، حيث السيطرة على أوراسيا هي المدخل للسيطرة على العالم، وكي لا تسمح أمريكا لمنافسيها بهذه السيطرة، فهناك ضرورة لفصل غرب أوروبا عن روسيا والصين ومشاغلة الروس والصينيين في محيطهم الحيوي، وهو ما يحدث حرفيًا ويستطيع رصده كل مراقب للأحداث.
الشاهد هنا هو أن الأهمية الكبرى للعدو الاسرائيلي تراجعت مع تراجع حركات التحرر الوطني العربية والتي شكلت تهديدًا للامبراطوريات الاستعمارية يتطلب حامية متقدمة للمصالح الاستعمارية والتي لعب الكيان الصهيوني دورها بامتياز.
والأهم من ذلك أن الانظمة العربية تم تدجينها لتصبح هي الحامية للمصالح الامريكية، وهي التي تنوب عن امريكا بالتعاون مع العدو الصهيوني في تشكيل التحالفات للتصدي لقوى المقاومة الحية.
وبالتالي وقبل الجولة الأخيرة في فلسطين المحتلة، اعتمدت أمريكا على نظام تشغيل للإقليم أشبه بالسيارات ذاتية القيادة، بحيث تتشكل تحالفات جديدة بين العرب والصهاينة لمحاصرة المقاومة، فيما تتدخل أمريكا في لحظات حساسة عند استشعار الخطر أو أي عطل في نظام التشغيل.
وبعد الجولة الأخيرة والتي شكلت المقاومة في غزة بالتضافر مع خروج الشعب الفلسطيني بصدور عارية للمواجهة، والتحام الشعب العربي في اراضي 48 بالمقاومة، ما بدا انه خطر وجودي، حاولت أمريكا التدخل بنفسها بالخلاف لجدول الأعمال، وبدا غضبها غير خاف على نتنياهو باعتباره عطل أولوياتها في وقت ترى أن التصعيد لا ضرورة له وخاصة أن خطط التطبييع وحالة التفريط والضعف العربي تسير في مسارها المخطط له!
وبالتالي فإن وقف إطلاق النار جاء بمثابة تنفس للصعداء للولايات المتحدة وبايدن وهو ما انعكس على مودته مع الأطراف التي تدخلت وساهمت في وقف اطلاق النار بعد ما بدا انه مقاطعة وتجاهل لهذه الأطراف.
ونظرا لأن الاولويات الامريكية لم تتغير بل تصاعدت بعد تسارع التطور الروسي والصيني المتزامن مع تسارع التراجع الامريكي، فإن أمريكا استقرت على التعامل مع الصراع في فلسطين المحتلة بنفس المقاربة السابقة على الجولة ولكن بقوانين جديدة ترتبت على المعادلات الجديدة التي تولدت بعد “سيف القدس”.
والمراقب للتوصيات الأمريكية التي قدمت من خيرة العقول الاستراتيجية الأمريكية في كبرى مراكز الفكر يلمح اتفاقا لدرجة التطابق بين هذه التوصيات، يصل حتى لتقارب في الصياغة، ويلمح من خلال تصريحات وزير الخارجية الامريكي وتحركاته، وتحركات المفاوضات والوساطات، أن أمريكا اعتمدت بالفعل هذه التوصيات وتسير بدقة على ثلاثة مسارات متوازية.
وهنا يمكننا ذكر هذه الخطة الثلاثية كما صاغها دينس روس مستشار معهد واشنطن والرجل الأول لعملية (السلام) في الشرق الأوسط أثناء ولاية إدارة كل من جورج بوش الأب وكلينتون، والذي قام بدور الوسيط في اتفاق الفلسطينيين والإسرائيليين المؤقت عام 1995؛ كما توسط في اتفاقية الخليل عام 1997 وقام بتسهيل معاهدة (السلام) الأردنية – الإسرائيلية.
وصياغة روس لخصت جميع التوصيات والنصائح التي قدمت لبايدن، وقال بها نصا:
“على الإدارة الأمريكية اتخاذ مقاربة ثلاثية المسارات، هي: العمل على تحقيق الاستقرار في غزة من خلال توفير صيغة لإعادة الإعمار بدون إعادة تسلّح “حماس”، ودعم “السلطة الفلسطينية” من خلال مساعدتها على بناء المصداقية عبر تقديم المساعدة المشروطة بالإصلاح، والتوسط في التواصل العربي (التطبيع) مع (إسرائيل) من أجل تغيير الوقائع بين (إسرائيل) والفلسطينيين.
وهنا يمكن رصد التحركات الأمريكية والتي تشرف عن بعد على سير المفاوضات والوساطات، ونستطيع استنتاج الضغوط التي تمارس على المقاومة، ونستطيع التنبيه من الفخاخ المنصوبة للمقاومة وللشعب الفلسطيني.
ونرى أن مواجهة هذه الخطة الثلاثية الخبيثة والتي تشكل تحديات للقضية وللمقاومة، يمكن أن تواجه بمقاومة ثلاثية أيضا، لهذه المسارات كما يلي:
1- التشبث بفضل ملف إعادة الإعمار عن الملفات الأخرى كملف الأسرى أو التزام الهدوء مقابل الهدوء في غزة، وذلك بتثبيت معادلة “الاعتداء على القدس في مقابل الصواريخ” كإنجاز لا يجب التفريط به.
كما يجب إخضاع عملية إعادة الإعمار لمراقبة المقاومة في مقابل المراقبة المفروضة على دخول المواد والآليات خشية دخول أسلحة أو استخدام المقاومة لبعض المواد في الأنفاق، باعتبار أن إعادة الإعمار بالمقابل يمكن أن تشمل تجسسا على أسلحة المقاومة وأنفاقها، والتعامل بندية هنا مطلوب وهام.
2- يبدو أن دعم “السلطة الفلسطينية” وتعنت السلطة وانعدام وجود ممثل للشعب يتيح للعدو العبث بالقضية، وهو ما ينبغي علاجه بمسارين لا ثالث لهما، إما التمسك بإجراء الانتخابات المؤجلة، أو التشبث بمنظمة التحرير الفلسطينية وإصلاحها بشكل عاجل كي تعود ممثلا شرعيا وأمينا للشعب الفلسطيني، وهي الصيغة الأوفق والأكثر اتساقا مع الكفاح لاستعادة الحقوق.
3- تبقى قضية التطبيع، ولا نرى لها وزنا إذا ما التف الشعب الفلسطيني حول خيار المقاومة، وهو ما سيجهض اهداف هذا التطبيع متعددة المستويات سياسيا واقتصاديا وثقافيا.