«تحت طائلة المسؤولية» يتحدى ويُبدع كاشفاً: داتا الإتصالات في لبنان، شبكة صياد ممزقة
موقع سلاب نيوز الإخباري ـ
حسين طليس:
«هيا بنا نلعب بداتا الإتصالات»… هكذا دعانا فريق برنامج «تحت طائلة المسؤولية»، الذي يقدمه الزميلان رياض قبيسي ورامي الأمين على قناة «الجديد» لمتابعة حلقة الأمس (الثلاثاء)، عنوان لم يكن المقصود منه المزاح ولا اللعب، بل كان لعباً بالمعنى التقني، بعثرة لأرقام الشرائح، والهواتف، وحتى الأمكنة، ومن خلال تلك “اللعبة المحترفة”، جداً، كشف البرنامج، وبجدية ومهنية عالية، بالصوت والصورة وشهادة الخبراء والتقنيين، الكثير من الثغرات التقنية التي تشوب شبكة الإتصالات الهاتفية المحمولة في لبنان.. وربما في أماكن أخرى.
بحماسة وحيوية ملحوظة (الإبتسامات المبتهجة)، كانت منهجية المعالجة جاذبة لإنتباه المشاهد، كاشفة أنه بإستطاعة أي شخص لا يملك في المجال التقني أي خبرة، أن يتلاعب بداتا الإصالات في لبنان، من خلال التزود ببعض التعليمات والأجهزة، كأن يستنسخ توأماً لأي شريحة هاتفية وأي رقم تريده، ويتصل عبرها بأي رقم يريده ومن أي منطقة بحيث يظهر أن الرقم الأصلي هو الذي يجري ذاك الإتصال. هذا أولا، أما ثانياً فقد ناقش فريق عمل البرنامج، الجدل التقني الدائر حول هذه القضية، خصوصاً الرأي الذي يعتبر أن لعبة توأمة الشرائح وإستعمالها يمكن كشفها وضبطها عبرالـ”IMEI” وهي إختصار لـ”INTERNATIONAL MOBILE EQUIPMENT IDENTITY” أي “الهوية الدولية للجهاز الجوال” والتي يتم عبرها تحديد نوعية الهاتف المستخدم في الإتصال وكامل المعلومات عنه بما فيها مكان تواجده، وفي هذا المجال، نزع فريق عمل البرنامج “القدسية” عن تلك المُسلمة، مثبتاً أن عملية تزوير الـ”IMEI” ليست بحاجة الى عقول إلكترونية ونوابغ تقنية، بل بمجرد الحصول على بعض الهواتف المهربة، واستخدام كودات مطروحة للبيع في الأسواق الإلكترونية في لبنان، تستطيع أن تزور رقم الـ”IMEI” التابع لهاتف «أ» وأن تستخدمه من هاتف «ب» ليظهر في سجلات شركات الإتصالات أنه الرقم الخاص بالهاتف «أ»، ويكشف أيضاً (التقرير) إمكانية إجراء إتصالات مختلفة من الرقم نفسه، وفي الوقت نفسه من عدة مناطق مختلفة ومتباعدة، كذلك بالإمكان إجراء إتصال بين هاتفين مختلفين لكن يحملان الرقم الرقم نفسه.
وفي سياق التحقيق أيضاً، كشف المسؤول عن تنظيم الأمن في شركة الإتصالات touch عن وجود مئات الهواتف العاملة ضمن الشبكة اللبنانية التي تحمل نفس رقم الـ”IMEI”، وأفاد أن هذا الأمر شائع وموجود منذ انطلاق العمل بالشبكة الخليوية في لبنان وصولاً للعام 2013، عارضاً أكثر من مئة حالة موزعة على الأراضي اللبنانية لهواتف عاملة على الشبكة، كانت تحمل رقم الـ”IMEI” نفسه، غير المسجل أصلاً “Invalid”.
إبداع فريق العمل لم يقتصر على الكشف عن تلك المعلومات فقط، بل إن النجاح والإبداع الحقيقي تمثل في الطريقة التي أوصل بها كل تلك المعلومات المملة والمعقدة، التي تحوي كثيراً من الأرقام والمسميات التقنية، إلى جمهور متنوع، على مختلف مستويات إلمامه بتقنيات الإتصال، وبطريقة إحترافية موثقة لا تشوبها شائبة، يمكن أن تشوش على تسلسل طريقة العرض المرتبطة بتلاحق الأحداث والتجارب، مضيفاً إليها الرسوم البيانية لتوضيح الفكرة، والتجارب الميدانية التي خففت من وطأة الحديث التقني المستخدم وأوصلت الفكرة بطريقة مفهومة، كما كان لافتاً المقاربة التي تم إستخدامها، بإقتراح من رياض قبيسي لتوضيح تقنية استخدام نفس الـ IMEI في عدة هواتف مختلفة، حيث تم تشبيه الهواتف ذات الـ”IMEI” الواحد وأرقام شرائح مختلفة، بسيارات مختلفة تحمل رقم “الشيسي” نفسه بينما تختلف في أرقام لوحاتها وموديلاتها، وكان هذا التشبيه بمثابة “تبسيط التبسيط” وضمانة على أن الفكرة قد وصلت الى كل متابع للبرنامج.
قليلة، لا بل معدومة هي التحقيقات التي تُعد وتُقدم بهذه التقنيات المهنية العالية في لبنان، وفريق «تحت طائلة المسؤولية» أخرج التحقيقات التلفزيونية من صندوق التكرار والرتابة، وتسلسل الإجراءات التي قام بها فريق العمل، والمعروضة للمشاهد بتلك الطريقة المبسطة، الممزوجة بالنفس البوليسي المعهود لفريق العمل، جعلت الجميع مشدوداً الى التحقيق لحظة بلحظة، كذلك جاءت المقابلات التي أجريت مع التقنيين من جهة والمسؤولين من جهة أخرى، لتسير بإنتظام داعمة الفرضات والتجارب والاستنتاجات، محولة الإعلانات التي يفترض أن يرتاح خلالها المشاهد من دفق المعلومات، إلى عامل مشتت لتركيز المشاهد وانسجامه مع تحقيق أعد بأسلوب لم يألفه المشاهد اللبناني سابقاً، ويتناول مواضيع حساسة طالما تم تفادي (ومنع) طرحها.
“سلاب نيوز” تواصلت مع الزميل رامي الأمين للاستفسار عن مدة وطريقة إعداد هذا التحقيق، فأشار الأمين إلى أن العمل التنفيذي إستغرق ما بين الـ3 الى 4 أيام، وهو كان نتيجة متابعة دقيقة وبحث وتدقيق دام حوالي الشهرين لملف داتا الإتصالات.
ولفت الأمين الى أن التحقيق وإن جاء في وقت يشهد فيه البلد تجاذبات تتعلق بالمحكمة الدولية التي تعتمد في إتهاماتها على داتا الإتصالات، إلا أن العمل والجهذ المبذول كان منذ البداية خارج إطار التسييس وهو هدف الى كشف الواقع المزري لداتا الإتصالات في لبنان وسهولة العبث بها وتزوير معطياتها.
بعد انتهاء العرض، كان واضحاً، أن التحقيق نال إعجاب المتابعين بمختلف توجهاتهم، وبدا ذلك واضحاً وجلياً على مواقع التواصل الإجتماعي، التي إمتلأت بالتعليقات التي أشادت بهذا التحقيق وجهود فريق العمل، وجاءت معظم التعليقات التي تنوعت بين ما طرح على سبيل الدعابة وبين الإشادات الواضحة، إيجابية ومشيدة، وهذا الأمر بحد ذاته يعتبر «إستثنائياً»، خصوصاً بين جمهور تعودنا أن ينقسم بعد نهاية كل عرض تلفزيوني، بين رأيين أو أكثر.