تجميع من أجل هدف التدمير
صحيفة الوطن العمانية ـ
رأي الوطن:
هل التحركات السياسية والدبلوماسية الجارية في المنطقة حول الأزمة السورية تسير في قنوات عدة لتصب في النهاية في مصب واحد وهو حلحلة الأزمة سياسيًّا وحقن الدماء وإنهاء دوامة العنف؟
إن ظاهر هذه التحركات وباطنها لا يوحيان بذلك، حيث واقع هذه التحركات يؤكد لنا أنها تسير في اتجاهين متعاكسين متضادين؛ الأول يمثله روسيا ومبعوث الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي، ومهمة هذا الاتجاه واضحة وهي رفض الخيار العسكري والتمسك بخيار الحل السياسي ونبذ العنف وإراقة الدماء، والتحذير من إطالة أمد الأزمة والصراع، نظرًا لما يمكن أن ينتج عن الأزمة من تطورات وتشعبات تخرج عن دائرة التحكم والسيطرة لتمتد نارها إلى أقطار ودول جوار يفترض بها أن تنأى عن هذه الامتدادات وتحصن حدودها وأرضها وأمنها بحكمة سياستها وبُعد نظرها إلى حقيقة الأزمة ونتائجها وخباياها. أما الاتجاه الثاني فتمثله الولايات المتحدة وحلفاؤها، حيث كانت تصريحات أصحاب هذا الاتجاه واضحة في تبني خيار مد الأزمة وإطالتها بتغذية العنف وسفك دماء الأبرياء السوريين، من خلال النظرة الأميركية الأحادية نحو جمع شمل المعارضة السورية المسلحة التي تتكون من ثلاثة أذرع تتمثل في ما يسمى (الجيش الحر، وتنظيم القاعدة وبقية التنظيمات المسلحة المتطرفة)، لتكون تحت قيادة موحدة، بحيث يتأتى لأطراف هذا الاتجاه أو هذا الحزب إسالة الأموال ودفق السلاح المتطور، وذلك من أجل القضاء على “النظام” السوري، كما يقول ذوو هذا الحزب في تصريحاتهم المعلنة.
ويعطي هذا الاتجاه عددًا من الدلالات من بينها أن الولايات المتحدة بعد أن فقدت الثقة في معارضة الخارج، الممثلة في ما يسمى (المجلس الوطني السوري)، أو كما يسميه السوريون (مجل اسطنبول)، بدأت مرحلة المراهنة على التنظيمات المسلحة، وهي لذلك تريد تجميع هذه التنظيمات ذات الأجندات والولاءات المختلفة والمتنافرة، وإعطاءها دفعة معنوية من خلال الحشد السياسي الذي تقوم به حاليًّا، وذلك في محاولة لإنقاذ مشروعها الرامي إلى تدمير سوريا، وليس فقط إسقاط النظام فيها، قبل أن ينسحب هذا البساط أيضًا من تحت أقدامها، كما انسحب بساط مجلس اسطنبول، حيث توحي كل المؤشرات على الأرض السورية بذلك، فالحراك الميداني يؤكد أن الكفة الراجحة هي لصالح الحكومة السورية والجيش العربي السوري، وأن ليس مستبعدًا على المدى الطويل أن يتمكن الجيش العربي السوري من كسر شوكة هذه الجماعات الإرهابية بصورة نهائية، مع أهمية المقارنة بين الدعم الكبير الذي تلتزم به الدول التي تجمعها مظلة ما يسمى “أصدقاء الشعب السوري” والدعم المادي والسياسي والإعلامي غير المحدود الذي توفره للمعارضة السورية الخارجية وللمجاميع المسلحة بالذات التي تتلقى كل أنواع الأسلحة وأحدث وسائل الاتصال، وبين الحكومة السورية التي يفرض عليها حصار سياسي واقتصادي وإعلامي، ولذلك شعور الولايات المتحدة بالانهزام والمرارة والانكسار بدل أن يجعلها تميل إلى الخيار السياسي ودعم مواليها من المعارضة السورية في الحوارات السياسية، حيث يقدم لها أصحاب الاتجاه الأول الآنف ذكره مبادرتين للحل السياسي؛ الأولى مبادرة مؤتمر جنيف والتي وافقت عليها مع بقية أعضاء مجلس الأمن الدائمين، والثانية مبادرة الرئيس المصري محمد مرسى الرباعية لحل الأزمة، لكن للأسف لا تزال واشنطن تصر على خيار العنف وتغذيته وتحريض المجموعات المسلحة وجمعها تحت قيادة موحدة ومدها بالسلاح والمال، لأنها ـ كما أسلفنا ـ قد وضعت هدفها تدمير سوريا وتحويلها إلى دولة فاشلة، تحت الشعارات المضللة (الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان)، وهو هدف لن تجني واشنطن ومن يساندها في ذلك من ورائه سوى الهزيمة والانكسار، إذ إننا على يقين أن الشعب السوري بات متيقنًا وعلى قناعة بأن هذه الشعارات ليست سوى ستار للهدف الحقيقي الذي يدفع ثمنًا له مزيدًا من دماء وأرواح أبنائه.