بين موسكو وواشنطن.. دمشق أقرب
صحيفة الوطن السورية-
منذر عيد:
تتوه خطا ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية -قسد» هذه الأيام بين ثلاثة دروب، ويحار متزعموها على أي وسادة يمكن لرؤوسهم أن تتكئ، فبين الدرب إلى دمشق والجلوس على طاولة الحوار مع الحكومة الشرعية، وخطواتها المتباطئة على الدرب إلى موسكو للحفاظ على شعرة تعمل على عدم انقطاعها مع الجانب الروسي، واتباعها درب المصلحة الذي يجمعها مع الاحتلال الأميركي على ذات المسار للوصول إلى الحلم الوهم بإقامة دويلة انفصالية، يمكن وصف حال بعض «الكرد» الانفصاليين بمن ينقش على سطح ماء «جهد وتعب بلا حصاد».
بين التحليل وما يتسرب من معلومات، يمكن القول إن ميليشيات «قسد» وما يتبعها من «مسد» أو «إدارة ذاتية» تسير في سياستها باتجاه ثلاثة احتمالات أو اتجاهات، من دون أن تحسم أمرها في أي منها لأسباب عدة سيتم ذكرها لاحقاً، في الاتجاه الأول: ما زالت «قسد» تعمل في الميدان من منطلق التبعية التي تربطها بالاحتلال الأميركي، وتمني النفس أن يستمر ذاك الحال على ما هو عليه، ريثما يتم التوصل إلى حل تنال فيه على الأقل شيئاً من أوهامها الانفصالية إن لم تكن جميعها، ولكنها وعلى الرغم من تأكيد الجانب الأميركي عدم انسحابه من سورية واستمرار «الشراكة المصلحة» مع الكرد فإن «الفطناء» من «قسد» يعلمون وربما بالمعلومة أن ملفهم «السياسي والعسكري» لدى أميركا سوف ينقل إلى عهدة الجانب الروسي في يوم ليس بالبعيد، وذلك بعد المؤشرات والأنباء الكثيرة التي تؤكد عودة الدفء إلى العلاقات الروسية الأميركية والتوافق في الشأن السوري إن لم يكن بشكل كلي، بمعنى أن «البازار الأميركي» لبيع الميليشيات بات قريباً.
هذا الإدراك واليقين من قبل ميليشيات «قسد» دفعها إلى الذهاب بالاتجاه الثاني وهو الحفاظ على «شعرة المصلحة» مع موسكو، حيث لا تجد حرجاً في التوجه إلى العاصمة الروسية لبحث سبل سلوك طريق «القامشلي دمشق» وإن كان عبر موسكو، ولا تمانع حيناً في إفساح المجال أمام القوات الروسية للدخول إلى مناطق جديدة تسيطر عليها في شمال شرق سورية، لقناعتها أن ذلك يشكل لها مظلة حماية من تهديد النظام التركي، لكن المسافة الفعلية التي قطعتها «قسد» على درب موسكو تشي بتثاقل خطواتها، وربما تناور بخطوة إلى الأمام واثنتين إلى الخلف، الأمر الذي أكدته زيارة الرئيس المشترك لما يسمى «مجلس سورية الديمقراطية -مسد» إلهام أحمد إلى موسكو الأسبوع الماضي، وما حملته في جعبتها من مقترحات تتعلق برؤية «مسد» لحل مع الدولة السورية، حيث أوضحت المعلومات أن الحل المطروح يتلخّص بأن يكون حزب الاتحاد الديمقراطي، بأذرعه «مسد» و«قسد» و«الإدارة الذاتية» شريكاً للدولة وفق شروط، تتمثل باحتفاظ الحزب بقواته في مناطقه، وتكون هذه القوات جزءاً من الجيش العربي السوري اسماً، وقوة كردية في شمال شرق سورية فعلاً، وهذا الأمر ليس سوى من باب ذر الرماد في العيون والإيهام بسعيهم للوصول إلى حل مع الحكومة السورية، لإدراكهم أن دمشق لن ترضى بأي قوة أو سلطة خارج القوة والسلطة الحقيقية والفعلية للجيش العربي السوري والدولة السورية.
أما خيارها واتجاهها الثالث، هو سلوك طريق دمشق، حيث يضعون قدمهم في الأمتار الأولى منه مدفوعين بتهديدات النظام التركي بشن عدوان على المناطق التي يسيطرون عليها شمال شرق سورية، أي عندما يستشعرون أن وجودهم بات تحت الخطر، الأمر الذي يمكن اعتباره نوعاً من الرياء والمناورة، على حين الواجب هو الذهاب إلى دمشق عن قناعة ومن دون ضغوط وبإرادة حرة صادقة، تعكس حقيقة أنهم أحد مكونات المجتمع السوري، يعيش ضمن الفسيفساء السورية بذات الحقوق والواجبات، ودون ارتهان لأي جهة أو طرف أو مشروع، وهذا الأمر شهد تفاوتاً في مواقف القوى «الكردية» بين داع إلى ذلك بالكلام فقط، وآخر يؤمن بحقيقة أن لا بديل عن الوطن، وأن الوصول إلى نقطة النهاية بعيداً عن الوطن الأم سوف يضعهم في خانة بقية المرتزقة من الميليشيات والتنظيمات المسلحة والإرهابية الأخرى ساعة الحقيقة والحساب.
بين جميع تلك الخيارات، تبقى حقيقة واحدة واضحة، ويجب على بعض «الكرد» قراءتها وإدراكها بشكل جيد وهي أن دمشق أقرب لهم من موسكو أو واشنطن، وأن رهانهم بالاستمرار من خلال الاستثمار بالمتناقضات الحاصلة في المنطقة إزاء سورية، ستبوء بالفشل ولن تستمر إلى مالا نهاية، فالاحتلال الأميركي بدأ بشكل أو آخر لملمة أوراق انسحابه من سورية، والتنسيق مع الجانب الروسي للقيام بدور ما يحافظ من خلاله الأخير على ماء وجه الإدارة الأميركية، والخوف الذي يرعد فرائص «قسد» من لحظة الانسحاب الأميركي قادم، وبلا إعلان أو تبرير، «أفغانستان مثال»، فميليشيات «قسد» بعكس ما تظن أو تدعي، ليست حليفاً للأميركي بل هي مجرد أداة وظيفية في أجندتهم في سورية، تنتهي الحاجة إليها مع انتهاء دورهم في الأزمة السورية.