بين عودة النازحين والخروج من الأزمة.. سورية منفس لبنان الأوحد
موقع العهد الإخباري-
يوسف جابر:
في ظلِّ الانفتاح العربي على سورية وعودة الأخيرة إلى جامعة الدول العربية، كَثُر الحديث عن فرص واعدة للاستثمار في دمشق، خصوصًا بعد دعوة وزير الاقتصاد السوري محمد سامر الخليل الدول العربية للمشاركة بالاستثمار في بلاده. وفي هذا السياق، تتسابق السعودية والإمارات ومصر للعب دورٍ بارزٍ في عملية إعادة الإعمار التي تقدر كلفتها بنحو 900 مليار دولار. الرقم المذكور يُعتبر أكبر فاتورة إعادة إعمار في التاريخ الحديث.
أما لبنان، الأحوج لمنفسه البري الوحيد، وعلى الرغم من العوامل الإقليمية المُساعدة، لم يأخذ حتى اللحظة خطوةً جديةً لاستعادة العلاقات الطبيعية بين بيروت ودمشق خصوصًا في هذه المرحلة التي بات فيها إيجاد حلٍّ لملف عودة النازحين حاجةً ملحةً في ظل ما يشكله من عبءٍ كبيرٍ على لبنان. كما لم يتّخذ خطوةً جديةً على صعيد عملية إعادة الإعمار ليستفيد من العامل الجغرافي وسهولة التنقل.
ولمعرفة انعكاسات الانفتاح اللبناني على سورية والتداعيات الإيجابية للمساهمة في عملية إعادة الإعمار، أجرى موقع “العهد الإخباري” مقابلةً مع الخبير الاقتصادي الدكتور حسن مقلّد الذي أسِف لعدم كون لبنان سباقًا للعودة إلى سورية وأنه لا يزال متأخرًا جدًا عن هذه الخطوة، مشيرًا إلى أنَّه “كان من المتوقع أن يكون أول رئيس يزور سورية هو الرئيس اللبناني ولكن لم يحصل هذا الأمر، ولا يزال قرار الانفتاح على سورية خجولًا ومقتصرًا على مبادرات بعض الوزراء الذين هم في الأصل يمثلون قوىً سياسية لم تغب عن سورية”.
وأوضح مقلّد أنَّ “لدى لبنان إمكانات للتعاون مع سورية في كافة المجالات بحكم العلاقات التاريخية والكثير من القضايا المشتركة بين البلدين كالاجتماعية والسياسية والاقتصادية والشعبية”، لافتًا الى أنّ نقاط القوة الاقتصادية في لبنان هي نقاط ضعف في سورية والعكس صحيح، إلا أنَّ هذه الإمكانات لن تُترجم إلا إذا اتُّخذ قرار جدي عند الدولة اللبنانية بقراءة المتغيرات التي تحصل بشكل مختلف”.
وأضاف: “إذا أردنا أن يكون لدينا دور في إعادة إعمار سورية لا يجب أن نراهن على أخذ هذا الدور بسهولة من دون خطوات سياسية مع سورية، وبالتأكيد يحفظ السوريون أن هناك قوى في لبنان وقفت إلى جانب سورية ولعبت دورًا استثنائيًا، ولكن بالعلاقة بين الدول على الحكومات أن تأخذ مبادرات، وهذا المطلوب من الحكومة اللبنانية في ظل توافر الفرص والإمكانات في سورية إذا أحسنّا الدخول من البوابة السورية”.
وشدَّد مقلّد على أنَّ هذه أكبر فرصة لدينا لإعادة بناء مؤسساتنا وإيجاد مجالات لعملنا عبر إيجاد سوق قريب لسوقنا نستطيع أن نشكّل فيه قيمة مضافة، ولدينا القدرة على ذلك خصوصًا أن عنصر التنافس متوافر في لبنان أكثر من غيره من البلدان إضافة لفهمنا للعقل السوري، فالكثير من الشركات اللبنانية عملت في سورية وأيضًا ثمّة شركات سورية عملت في لبنان”.
وتابع: “هناك أموال سورية محجوزة في البنوك اللبنانية، وشراكات سورية لبنانية كبيرة بين رجال الأعمال، فلبنان بقي رئة مالية واقتصادية لسورية لأكثر من 50 عامًا. إذًا هناك إمكانية للتعاون بين البلدين وفرص لانطلاق الشركات اللبنانية”.
وعن خضوع الاستثمار في سورية للعقوبات، قال مقلّد إنَّه “من لحظة فرض قانون العقوبات “قيصر” على سورية، فُرض أيضًا على لبنان بشكل غير مباشر، فسورية منفسنا البري الوحيد على دول المنطقة، وكل العقوبات المفروضة على سورية تنعكس بذات القساوة على لبنان”.
وبيَّن أنَّ “العالم بدأ يجد وسائل للتهرب من العقوبات أو مواجهتها، خصوصًا مع اقتناع أميركا أنه لا يمكنها فرض عقوبات يومية في وقت تتراجع اقتصاديًا، ولكن على صعيد لبنان، ما الذي يمكن للولايات المتحدة فعله أكثر مما فعلته؟ لو قمنا بأي إجراء نستطيع من خلاله المواجهة بشكل أفضل لاستطعنا العيش بشكل أفضل، والكثير من القضايا يمكن القيام بها تحت سقف العقوبات لتحسين أوضاع البلد، ولا خيار للبنان للخروج من أزمته إلا بإعادة العلاقات مع سورية وعلى كل المستويات”.
وحول ملف إعادة النازحين، رأى مقلّد أنَّه “كان من الطبيعي أن نحمل إخواننا السوريين خلال فترة الحرب، ولكن اقتصاديًا لم تحصل في تاريخ الدول أن حمل بلدٌ 25% من تعداد سكانه دفعة واحدة، حتى في أوروبا شكَّل اللاجئون نسبة لا تتجاوز الـ1% من تعداد سكانها وكانوا من فئة الشباب العاملة وصدحت الصرخات بمنع دخول اللاجئين”.
ولفت إلى أنَّ “الأجواء في سورية آمنة سواء للناس المقتنعين بخيار الدولة السورية أو أصحاب الآراء المختلفة، فمن كان داخل سورية وكان متورطًا عفت عنه الدولة السورية، فكيف باللاجئين الموجودين في لبنان؟ ولا يخفى على أحدٍ أنَّ أميركا والدول الأوروبية تمنعهم من العودة إلى سورية لتوظيفهم ضد المقاومة من جهة، ولاستخدامهم كورقة ضغط على النظام في سورية من جهة أخرى.
وأكَّد مقلّد أنَّه “بعد كل التغيرات في المنطقة لا يوجد أي سبب منطقي لبقاء النازحين في لبنان علمًا أنَّ الدولة السورية تحتاجهم كقوة عاملة وهم أبناؤها، فالأمر يصبح منفسًا للبلدين في آنٍ واحد، وعلى الدولة اللبنانية أن تفتح حوارًا مع الدولة السورية بهذا الخصوص”.