بوليفيا ’العربية’ في وجه عالم البداوة المعاصر
موقع العهد الإخباري ـ
محمود ريا:
يقال إن من أهم شيم العرب في الجاهلية، وفي مجتمعات البداوة القاسية، نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف، والوقوف في وجه الضيم، فكان من يتصف بهذه الصفات يعدّ عربياً أصيلاً، وسليل الهداة الذين يغلّبون الفطرة اﻻنسانية الطيبة على المصلحة اﻵنية، فلا يستنكفون عن دفع الغالي والنفيس من أجل الالتزام بهذه المبادئ اﻹنسانية التي تمثل أعلى قيم الخير والحق والجمال.
وكانت المجتمعات في ذلك العصر مجتمعات قساوة وظلم ونهب وسلب، تسودها عادات آثمة، أفرزتها نفوس تلوثت بمادية سوداء، ﻻ ترى إﻻ المصالح الفردية لهذا الزعيم ولتلك القبيلة.
واليوم، يبدو أن هذه النفسية السوداء القائمة على التسلّط والبلطجة قد خرجت من كونها سلوك زعيم وقبيلة، لتصبح سمة أساسية لعالم القوى العظمى، هذا العالم الذي يقوم على تغليب مصلحة دولة أو حلف على كل المبادئ الأخلاقية التي التزمت بها الرسالات الدينية والقوانين الدولية.
إنها روح البداوة المقيتة نفسها، ولكن مع مخالب نووية وأسنان بيولوجية وعقليات جهنمية، ﻻ تتورع عن ضرب كل ضعيف والهيمنة على كل مسالم واﻻفتئات على كل بريء.
وفي هذا العالم البدوي ما زال هناك من يمتلك روح “حلف الفضول” الذي قام بين مجموعة من الذين لم تلوّث فطرتهم مغريات المنصب والجاه والمال، ولم تروّض أنَفتهم تهديدات اﻷقوياء وبلطجات البلطجيين.
في عالم اليوم ما زال هناك من يلتزم بهذه الروح العربية الأصيلة، مهما كلّفه ذلك من أثمان، ومهما كانت آثار هذه الوقفة سلبيةً عليه.
في عالم اليوم ما زال هناك دولة مثل بوليفيا، تقف في مجلس اﻷمن بكل جرأة لتقول ﻻ لاستبداد أمريكا وﻻ لخبث و”ضَبعَنة” بريطانيا وﻻ لدناءة فرنسا وﻻ لأموال وإغراءات دول الخليج العربية.
دولة من أقصى المدنية في هذا العصر جاءت تسعى بكل صلابة وبكل وضوح، ودون أي تردد أو ضعف، ودون أي حسابات مصلحية ضيقة لتقول للعالم ﻻ.. ﻻ يمكن استخدام مجلس الأمن الدولي كمعبر لضرب دولة في العالم، ﻷن المصلحة الداخلية لرئيس أحمق تقتضي ذلك، أو ﻷن دموع التماسيح التي تذرفها إيفانكا الصهيونية زوجة المتصهين الدنيء أوحت بذلك، دون أن ينطق أحد بكلمة حق أو يقف موقف صدق.
كانت وقفة بوليفيا إيفو موراليس وقفة عربية أصيلة، عربية بمعنى تلك المبادئ السامية التي تغنى بها العرب على مدى تاريخهم، فاستحقت بكل صدق وكل يقين اسم الدولة العربية، في عصر بات العرب أنفسهم يعيشون عصرًا جاهليًّا أعمى، تسوده نزعات أكثر سوءاً وأدنى منزلة من تلك التي كانت سائدة في عصر الجاهلية اﻷولى وعصر البداوة، بكل ما فيها من قسوة وتسلط وجبروت.
إن وقفة الدولة البوليفية التاريخية هذه تذكّر بذلك الخالد الذي لا تغيب ذكراه، هوغو تشافيز، زعيم فنزويلا الراحل، الذي حمل كتاب “الثورة العربية” بيده، ليؤكد انتماءه الروحي لهذه الأمة، وبطيّب الذكر الراحل أيضاً فيديل كاسترو، وبكل الشرفاء في أميركا اللاتينية والعالم، الذين لم يبيعوا مواقفهم لقوّة الجبروت العالمية بحفنة مصالح أو بشحنة مساعدات أو بوعد بالتثبيت في مناصب لا تستمر إلا بقدر رغبة أميركا وبحجم مصالحها.
فباسم سوريا وكل العرب، شكرا بوليفيا من عربي ما زال يدرك معنى العروبة الحقة، وشكرا موراليس ﻷنك أثبتّ أنك عربي أكثر بكثير من أغلب العرب.. وتحيا بوليفيا “عربية”.